عندما يُذكر الجيش العثماني، فإنّ أوّل فرقة عسكرية تتبادر للذهن، هي فرقة الانكشارية التي كانت أحد أقوى جيوش العالم في بداياتها، عندما أسّسها أورخان الأول بن عثمان مؤسس الدولة العثمانية، لكنّ هذا الجيش القوي قد سبقته فرقة عسكرية غريبة كانت بمثابة الضربة القاضية للجيش العثماني، وهي فرقة الأقنجي التي توصف بـ"كتيبة المجانين".
تمركزت فرقة الأقنجي على الثغور (مناطق الجهاد)، وتقدمت الصفوف الأولى للمعارك الذي خاضها الجيش العثماني، كان عناصرها يرتدون ألبسة غريبة ومخيفة، مُشكَّلة من جلود النمور والثعابين وقرون الثيران، ومنها تفرَّعت فرق عسكرية عثمانية عديدة أبرزها فرقة العزب وفرقة باشبوزق.
فرقة الأقنجي.. كتيبة المجانين التي سبقت ظهور الجيش الانكشاري
الأقنجي باللغة العثمانية تعني "الغزاة"، ويعرفها سهيل صابان في "المعجم الموسوعي للمصطلحات العثمانية التاريخية" بأنّه مصطلحٌ عسكري أطلق قبل تشكيل فرق الانكشارية على عناصر الخيالة العثمانية الخفيفة التي كانت ترابط على الحدود، قبل أن يطلق على فرقة خاصة، كانت مهمتها الأساسية هي تقدُّم الصفوف الأولى للمعارك وبث الرعب في الأعداء، وقيادة المهام الاستطلاعية.
امتاز عناصر فرقة الأقنجي بالقوة الجسمانية الهائلة، وطاعتهم المطلقة لقائدهم أو ضباطهم أو من ينوب عنهم، حسب ما ورد في كتاب "الجندية والسلم" لأمين خولي.
بداية التأسيس الأولى لهذه الفرقة كانت مع مؤسس الدولة العثمانية، الغازي عثمان بن أرطغرل، الذي شكّل نواة الكتيبة من خلال اختياره لأشدّ وأقوى المقاتلين لمهام الخيالة، قبل أن يؤسس أورخان بن عثمان جيشاً نظامياً أطلق عليه الجيش الانكشاري، وصار الأقنجي يشارك الانكشارية الغزوات دون أن يكون تابعاً له.
كانت فرقة الأقنجي في بداياتها مُشكَّلة من مقاتلين من عائلات تنحدر من نسل المحارب الغازي عثمان الأول، وهي عائلات مالكوجلو، ومع الوقت انضمّ إلى الفرقة المغامرون والدراويش المحاربون والباحثون عن الثروة والمغامرة إلى صفوف فرقة المجانين.
فرقة الأقنجي تفرعت منها عدة فرق عسكرية
يذكر محمد جميل بيهم في كتابه "فلسفة التاريخ العثماني"، أنّ فرقة الأقنجي تعززت بفصيل آخر من هذا النوع سمي "مسلمان" كانت مهمته كمهمة الانكشارية، المحافظة على التخوم لقاء استثمار الأراضي هناك دون بدل.
وسرعان ما تفرّع من فرقة الأقنجي عدة فرق أخرى كانت تؤدي نفس المهمة، مثل فرقة باشبوزق وفرقة العزب الخاصة بالفلاحين، وهما الفرقتان اللتان كان أغلب أفرادها من الألبان والأكراد والشركس. وقد تخطى عدد المجندين في فرقة الأقنجي بفروعها 30 ألف مقاتل.
في القرنين الرابع عشر والخامس عشر، وموازاةً مع ازدهار الجيش العثماني، تضاعف نشاط فرقة الأقنجي، وصارت مرافقاً دائماً للجيوش العثمانية في غزواتها وفتوحاتها، بحيث كانت الأقنجي أولى الفرقة التي تلتحم مع الجيوش المعادية.
لقبت فرقة الأقنجي بـ"كتيبة المجانين"، نسبةً إلى هيئة ولباس مقاتليها، فقد كانوا يرتدون لباساً غريباً موحشاً، مشكلاً من جلود الحيوانات البرية كالنمور والأسود والثعابين كما كانوا يرتدون قرون الثيران على رؤوسهم ليعطوا مظهراً مخيفاً لمن يواجههم.
كما أنّ للفرقة الفضل في ابتكار الصفعة العثمانية، وهي إحدى التقنيات العسكرية للدفاع عن النفس، بعد وقوع سلاح الفرد في المعركة، وهذه الصفعة تؤدي إلى الموت المباشر.
فرقة الأقنجي بقيت مستقلة عن الجيش الانكشاري
على الرغم من مهامها الانتحارية وأدائها القوي في كل الحروب والمعارك التي شاركت بها فرقة الأقنجي، إلّا أنّها بقيت مستقلة عن الجيش العثماني، فلم يكن لأفراد الأقنجي رواتب كبيرة مثل جنود الانكشارية، وكان الحافز الأكبر لدى فرقة الأقنجي هي الغنائم التي كانت تغنم في المعارك.
دخلت فرقة المجانين في القرن السادس عشر تحت إدارة "رومالي بيلربي" والي البوسنة ووالي سماندرا. ونظراً للتوسع الكبير الذي شهدته الدولة العثمانية في ذلك الوقت، بدأت فرقة الأقنجي في فقدان دورها تدريجياً، إلى أنّ تمّ حلّها من قبل السلطان محمود الثاني عام 1829.
وتخليداً للدور الذي قام به عناصر فرقة الأقنجي التي كانت تلقب بكتيبة المجانين، وبعد مرور قرنين من الزمن تقريباً على حلّ الفرقة العسكرية، عادت آقنجي من جديد، وذلك بعد بعد أن تمّت سنة 2021، صناعة طائرة بدون طيار تركية وتسميتها باسم "بيرقدار أقنجي" نسبة للفرقة العثمانية العسكرية التي كانت تبث الرعب في ساحات المعارك.