بدأت القصة عندما نفى الفرنسيون ملك المغرب محمد الخامس إلى كورسيكا سنة 1953، وعيَّنوا عوضاً عنه ابن عمه محمد بن عرفة الذي كان مجرد أداة بيد الحماية الفرنسية، لتسيير البلد على طريقتهم.
لم يرضَ الشعب المغربي بابن عرفة سلطاناً لهم، فخرجوا للتظاهر في وجه الفرنسيين، وكان من بينهم علال بن عبد الله، الذي ضحَّى بحياته دفاعاً عن استقلال البلاد، وعودة السلطان الشرعي للمغرب إلى العرش.
علال بن عبد الله الغيور على الوطن
وُلد علال بن عبد الله في مدينة جرسيف شرق المغرب، سنة 1916، كبر وترعرع هناك، وعمل حرفي دهان، وصاحب مقهى خاص، أصبح يطلق عليه اسمه حالياً تكريماً له.
انتقل بن عبد الله للعيش في مدينة الرباط، عاصمة المغرب، بعد أن تعرض لعدة مضايقات من طرف أحد أعوان الحماية الفرنسية في جرسيف.
تمكن علال من إنشاء علاقات جيدة مع تجار المدينة ورجالها من الوطنيين، وذلك بفضل حسن أخلاقه، وخصاله الحميدة، إذ تميز بغيرته العالية تجاه وطنه، وتشبثه بالمقدسات الدينية والوطنية.
وبسبب غيرته على بلده، أصبح علال بن عبد الله واحداً من أشهر المقاومين المغاربة، بعد أن تم اغتياله من طرف الشرطة، خلال محاولته اغتيال السلطان محمد بن عرفة، المُنصب من طرف الحماية الفرنسية، بعد أن تم نفي السلطان الشرعي للمغرب محمد الخامس.
اغتيل رمياً بالرصاص
تسبَّب نفيُ ملك المغرب السلطان محمد الخامس وعائلته من طرف الحماية الفرنسية، في 20 أغسطس/آب 1993 إلى كورسيكا، في عيد الأضحى، بإثارة غضب المغاربة المطالبين باستقلال البلاد ضد هذا القرار التعسفي، الذي جاء كرد فعل من طرف الفرنسيين، بعد رفض الملك المغربي التوقيع على ظهائر الإصلاحات المزعومة من أجل حكم مشترك للبلاد، وتشبثه باستقلال المغرب.
بعد نفي السلطان المغربي، وضعت الحماية الفرنسية مكانه ابن عمه محمد بن عرفة سلطاناً جديداً للبلاد، ليكون تحت تصرفهم والتحكم في البلاد من خلاله، مما نتج عنه تصعيد المقاومة ضد الحماية، وتنظيم مظاهرات من تأطير حزب الاستقلال.
بعد هذه الأحداث المطالبة بعودة السلطان محمد الخامس وإعادة استقلال المغرب، وفي يوم 11 سبتمبر/أيلول 1953، توجَّه المقاوم علال بن عبد الله بسيارته في اتجاه موكب السلطان محمد بن عرفة، الذي كان متجهاً إلى مسجد أهل فاس من أجل أداء صلاة الجمعة، وفي يده سكين بنية اغتياله، لكن أحد ضباط الموكب اعترض طريقه، وفي نفس اللحظة أطلق عليه عناصر الشرطة السرية الرصاص، فمات مباشرة بعد أن اخترق جسمه ثماني رصاصات.
اغتياله سبب عودة السلطان إلى العرش
حدث اغتيال علال بن عبد الله كان له أثر قوي لدى الشعب المغربي، الذي تجند بشكل أكبر من أجل استعادة استقلال الأراضي المغربية من الحماية الفرنسية، وإعادة السلطان محمد الخامس إلى عرشه، الأمر الذي نتج عنه ما سُمي ثورة الملك والشعب.
لكن عودة السلطان من المنفى استغرقت مدة سنتين، قام خلالها المغاربة بعدة مظاهرات، تسببت في أزمة سياسية في البلاد، أربكت النظام الحاكم، الذي كان على رأسه محمد بن عرفة، وتتحكم فيه الحماية الفرنسية.
ومن كورسيكا نقل محمد الخامس وعائلته إلى مدغشقر سنة 1954، إلى أن تمت إعادته إلى منصبه في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1955، عقب مؤتمر "أكس ليبان" الذي جمع أطرافاً سياسية مغربية وفرنسية، ونتج عنه قرار تنحية محمد بن عرفة من العرش، وإعادة محمد الخامس بشرط تشكيل حكومة مغربية تضم مختلف المكونات السياسية، وذلك في إطار التفاوض مع الحكومة الفرنسية من أجل إدخال إصلاحات على نظام الحماية.
محمد الخامس عن علال بن عبد الله: رمز للتضحية والوفاء
في الذكرى الأولى لثورة الملك والشعب، تقدم الملك محمد الخامس بكلمات شكر لعلال بن عبد الله، الذي مات دفاعاً عن الوطن، وقال عنه إنه أعظم مثال على التضحية والوفاء والغيرة عن الوطن، وإن هذا اليوم هو عيد له ولكل الشهداء الذين ماتوا فداء للوطن.
بعد عام من عودته من المنفى، وقَّع الملك محمد الخامس اتفاقية استقلال المغرب في 2 مارس/آذار 1956، ليحصل المغرب بعد ذلك على استقلاله الرسمي في 18 نوفمبر/تشرين الثاني من نفس السنة، واستعاد الحكم على عدة أقاليم من بينها إقليم طرفاية سنة 1958.