كثيرة هي القصص المأساوية من حرب فيتنام، أجبر الكثير من الفيتناميين العيش في الأدغال هرباً من أهوال الحرب والقصف الأمريكي، وكانوا غالباً يفرون جماعات وعوائل، ثم يعودون بعد فترة إلى قراهم أو ينزحون إلى قرى أُخرى.
لكن "فان لانغ" ووالده كانت لهما قصة مأساوية مختلفة، بعد فرارهما إلى قلب الأدغال هرباً من الموت فعاشوا هناك 40 عاماً حتى أصبح لقبه "طرزان الحقيقي"، وما كان أكثر حزناً هو نهاية حياته بسبب إعادته للعيش بين البشر، والتمتع بـ"ملذات الحياة الحديثة".
قصف أمريكي كان السبب وراء هروب "طرزان الحقيقي" ووالده
عام 1972، كان "فان ثانه" مزارعاً عادياً يعيش في إحدى القرى الصغيرة في فيتنام مع عائلته في ظل حرب مستمرة منذ 18 عاماً، فانضم لقوات الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام "الفيت كونغ" التي كانت تقاتل الجيش الأمريكي في فيتنام.
وفي يوم مشؤوم قصفت القوات الأمريكية قريته، فكانت تلك اللحظة التي غيرت حياة "فان ثانه" إلى الأبد، قُتل والدته وابناه الكبيران في القصف، ونجت زوجته واثنان من أبنائه، ولكن يبدو أن الصدمة كانت أكبر من أن يتحملها عقله، فهاجم زوجته وضربها، وأخذ ابنه "فان لانغ" وذهب للعيش في الأدغال.
وهناك كانت بداية قصة "طرزان الحقيقي".
لسنوات طويلة بعد تلك اللحظة، لم يكن لدى "فان ثانه" وابنه أي تواصل مع العالم الخارجي، أو أي تواصل مع البشر، والأكثر من ذلك لم يكن لديهم أي فكرة عن انتهاء الحرب.
للبقاء على قيد الحياة، عاشوا على صيد الحيوانات الصغيرة مثل القوارض والخفافيش، وأكل ما يستطيعون من النباتات، أما ملابسهم فصنعوها من لحاء الأشجار لتقيهم برد الشتاء وهجوم الحشرات داخل تلك الأدغال الرطبة، كما أنهم بنوا لهم كوخاً صغيراً فوق شجرة ليحميهم من الحيوانات المفترسة.
"طرزان" امتلك جسم رجل بالغ وعقل وبراءة طفل صغير
بعد مرور أكثر من 40 عاماً من العيش في الغابة، لم يكتسب "فان لانغ" أي مهارات اجتماعية، أو يعرف أي شيء عن الحياة خارج الغابة، ولم يعد يذكر شيء عن حياته السابقة حين كان طفلاً يعيش مع والدته في القرية، مع بشر آخرين غير والده، ولم يكن يتحدث كلمات كثيرة، فوالده أصلاُ لم يتعافَ من صدمته النفسية بعد مقتل عائلته.
وخلال فترة العيش في الغابة، صادف "لانغ" عدة مزارعين أو صيادين داخل الغابة، لكنه كان يهرب بمجرد رؤيتهم. فانتشرت قصته بين القرويين وأصبحوا يلقبونه "طرزان".
في عام 2013 ساءت حالة الأب الصحية، فقرر الخروج من الغابة مع ابنه والذهاب إلى قريته القديمة للحصول على الرعاية الطبية، وكان يعتقد أن حرب فيتنام لا تزال مستعرة، في ذلك اليوم كان هذا أول تواصل لـ"فان لانغ" مع بشر آخرين عدا والده ومع "الحضارة".
حين وصلت الأنباء عن عودة "فان ثانه" وابنه "لانغ" إلى القرية هرع الابن الآخر لـ"فان ثانه" الذي بقي مع أمه، وشقيق "لانغ"، للقائهم وأقنعهم مع مجموعة من القرويين بالبقاء في القرية والعيش معهم.
كان "لانغ" يمتلك جسم رجل بالغ، لكنه بعقل وبراءة طفل صغير.
لم يكن يعرف ما هي النساء، كان يلاحظ الفرق بالشكل لكنه لم يفهم سبب الاختلاف بين الجنسين، فهو لم يشاهد امرأة في حياته.
نهاية حياة "طرزان الحقيقي" بعد أن اكتسب العادات السيئة من "الحياة العصرية" الجديدة
عام 2021 وعن عمر يناهز 52 عاماً رحل "لانغ" عن عالمنا، بعد معاناته مع المرض وإصابته بسرطان الكبد، وقال أصدقاؤه إن أسلوب حياته الحديث، الذي يتضمن الكثير من الأطعمة المصنعة والكحول والتدخين في بعض الأحيان، أثر على صحته وأدى إلى وفاته.
وقال ألفارو سيريزو، صديق "لانغ": "أنا حزين جداً لرحيله، لكن بالنسبة لي، فإن وفاته هي أيضاً حرية له، لأنني أعرف أنه كان يعاني في الأشهر الماضية".
"لقد كان إنساناً جميلاً، إن نسيانه أمر مستحيل، وافتقده كل يوم، لكنني لم أحب رؤيته يعيش في الحضارة. لقد كنت دائماً قلقاً من أنه وجسده لن يكونا قادرين على التعامل مع مثل هذا التغيير الجذري".
"سيريزو" قال إنه التقى لانغ من خلال عمله في تصوير وثائقي عن حياة "لانغ" وقضى الكثير من الوقت معه في الغابة، وسجل طريقة حياته ورأى أيضاً كيف كان يصطاد الفريسة، ويعيش في البرية.
وختم "سيريزو" حديثه عن صديقه الراحل: "لقد كان الشخص الأكثر روعة الذي قابلته على الإطلاق، وكان لطيفاً للغاية في نفس الوقت، عندما كنا نعيش معاً في الغابة لعدة أيام، كان كل شيء يستغرق منِّي ساعات لتحقيقه، يمكنه فعل ذلك في ثوانٍ، لقد كان طفلاً صغيراً يتمتع بمهارات خارقة".
بينما وصفه شقيقه قائلاً: "لانغ طفل في جسد رجل، لا يفهم الكثير من المفاهيم الاجتماعية، قضى حياته كلها في الغابة، إذا طلبت منه أن يضرب شخصاً ما، سيفعل ذلك بقسوة".
وتابع : "إنه لا يعرف الفرق بين الخير والشر، إنه مجرد طفل، لا يعرف شيئاً، معظم الناس يعرفون ما هو جيد وسيئ في الحياة، لكن أخي لا يعرف".