عندما تُذكر الحضارات الإفريقية القديمة، فإن أول ما يخطر بالبال هو الحضارة المصرية القديمة الفرعونية العظيمة، وقد تكون الحضارة الوحيدة التي يعرفها كثيرون عن تلك المنطقة.
لكن القارة الإفريقية في الحقيقة كانت موطناً للعديد من الحضارات القديمة العظيمة الأخرى على مر حقب تاريخية مختلفة.
كانت بعض هذه الحضارات موجودة منذ آلاف السنين، بينما ازدهرت حضارات أخرى مؤخراً.
تعرفوا معنا في هذا التقرير على 8 من أعظم الحضارات القديمة في إفريقيا.
1. حضارة مصر القديمة.. الأقدم والأشهر
يمكن القول إن مصر القديمة هي أشهر الحضارات الإفريقية القديمة التي بدأت حوالي عام 3400 قبل الميلاد.
لكن في الأصل، كانت هناك مملكتان مصريتان تحكمان هذه الإمبراطورية العظيمة. إحداهما كانت في صعيد مصر، الذي كان مقرها فيما يعرف الآن بوسط مصر وجنوبها، على طول نهر النيل.
أما المملكة الأخرى فقد كانت هي مصر السفلى، ومقرها أساساً في منطقة دلتا النيل شمالي مصر الحالية.
وفي عام 3100 قبل الميلاد، غزا ملك مصر العليا "مينا" مصر السفلى ووحد المملكتين.
أما بناء الأهرامات فقد تم خلال فترة الدولة القديمة بين عامي (2686 – 2181 قبل الميلاد)، بما في ذلك الهرم الأكبر، وهو أحد عجائب الدنيا السبع في العالم القديم.
2. مملكة كوش التي غزت مصر وحكمتها لقرن
في شمال السودان وقرب الحدود مع مصر، تمتد أرض صحراوية شاسعة تسمى النوبة، والتي كانت قبل ما يقرب من 5000 عام موطناً لحضارة إفريقية قوية وغنية ومملكة تسمى "كوش" في السودان.
ازدهرت مملكة كوش بين عامي 1069 قبل الميلاد و350 للميلاد. وقد كانت تضم مساحة شاسعة من الأراضي على طول نهر النيل فيما يعرف الآن بشمال السودان.
كانت المملكة مركزاً اقتصادياً يدير تجارة مربحة للعاج والبخور والحديد والذهب. كما كانت شريكاً تجارياً ومنافساً لمصر القديمة في الشمال.
وما لا يعرفه الكثيرون أنه في القرن الثامن قبل الميلاد، غزا الكوشيون مصر، وأسسوا الأسرة المصرية الخامسة والعشرين، التي حكمت مصر لأكثر من قرن.
وإذا كنت تعتقد أن الأهرامات موجودة في مصر فقط فأنت مخطئ؛ إذ تعتبر المنطقة المحيطة بالعاصمة الكوشية القديمة "مروي" اليوم موطناً لأنقاض أكثر من 200 هرم كانوا في مملكة كوش، والتي يتجاوز عددها عدد الأهرامات الموجودة في مصر كلها.
3. مملكة بونت.. "أرض الآلهة" وموطن المصريين الأصلي
لا يوجد إجماع نهائي من قبل المؤرخين حول مكان وجود حضارة بونت القديمة، ومع ذلك، يعتقد معظم العلماء أنها كانت تقع في مكان ما في شرق إفريقيا، ربما على طول ساحل البحر الأحمر أو شمال غرب الصومال الحالية وجيبوتي وإريتريا.
تأسست المملكة حوالي عام 2500 قبل الميلاد. وأغلب ما يُعرف الآن عن حضارة بونت القديمة يأتي من المصادر المصرية القديمة، التي تؤكد أن المملكة كانت غنية بالأبنوس والذهب والمر والحيوانات البرية مثل القرود والنمور. كما كانت مصر شريكاً تجارياً رئيسياً لبونت.
كان لحضارة بونت أيضاً تأثير ثقافي وديني عميق على مصر القديمة. حتى إن قدماء المصريين اعتقدوا أن بونت كانت موطنهم الأصلي، وأطلقوا عليها اسم "أرض الآلهة".
4. قرطاج.. من مدينة إلى إمبراطورية سكنها نصف مليون شخص
بدأت مملكة قرطاج كمدينة فيما يعرف الآن بتونس حوالي القرن الثامن أو التاسع قبل الميلاد.
بنى قرطاج المستوطنون الفينيقيون الذين هاجروا إلى المنطقة من لبنان القديم. ومع مرور الوقت، نمت المدينة لتصبح إمبراطورية سيطرت على أجزاء كبيرة من شمال إفريقيا الساحلية، وشبه الجزيرة الأيبيرية الجنوبية، وجزء من جزر كورسيكا وسردينيا وصقلية في البحر الأبيض المتوسط.
في أوجها، كان عدد سكان قرطاج نفسها يقارب نصف مليون نسمة. لكن بحلول منتصف القرن الثالث قبل الميلاد، دخلت الإمبراطورية القرطاجية في صراع مع قوة عظمى قديمة أخرى، منها الإمبراطورية الرومانية، ما أدى إلى حروب انتهت عام 146 قبل الميلاد.
5. أكسوم.. موطن مملكة سبأ
نشأت مملكة أكسوم في حوالي القرن الرابع قبل الميلاد، واستمرت إلى القرن العاشر الميلادي فيما يعرف الآن بإريتريا وإثيوبيا. ويُعتقد أن المملكة كانت موطن ملكة سبأ.
بحلول القرنين الثاني والثالث بعد الميلاد، كانت أكسوم عملاقاً تجارياً وقناة حيوية للتجارة بين أوروبا القديمة والشرق الأقصى. وكانت أهم سلعها الذهب والعاج.
ويجدر بالذكر أن أكسوم كانت من بين الإمبراطوريات الأولى التي تبنت المسيحية. لكن بحلول القرن السابع أو الثامن الميلادي تدهورت الإمبراطورية، على الرغم من أن إرثها الديني لا يزال موجوداً في شكل الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية الشهيرة.
6. إمبراطورية الذهب "مالي"
ظهرت إمبراطورية مالي في القرن الثالث عشر الميلادي، واستمرت حتى القرن السادس عشر الميلادي. ويعود الفضل في استمرار هذه الحضارة وازدهارها لثلاثة قرون متتالية إلى رواسب الذهب الضخمة داخل أراضيها التي شملت مساحات شاسعة من غرب إفريقيا، من المحيط الأطلسي إلى الحدود بين مالي والنيجر الحالية.
في الواقع، يُعتقد أن إمبراطورية مالي أنتجت ثلثي إجمالي الموجود من الذهب في العالم.
كما كان الشخص الذي يُعتقد أنه أعظم حكام الإمبراطورية، مانسا موسى، الذي حكم في أوائل القرن الرابع عشر، ثرياً لدرجة أن ثروته لا يمكن تصورها حتى بمعايير اليوم.
وقد كانت مالي في تلك الحقبة إمبراطوريةً ثرية في ذروة ازدهارها وقوتها، بل يعتقد بعض الباحثين أنها كانت أقوى الإمبراطوريات وأغناها وأكبرها على الإطلاق.
حيث إن المنطقة كانت وما زالت غنية بالذهب الذي كان حاضراً بقوّة في القصص التي رويت عن ملكها مانسا موسى وخليفته أبي بكر مانسا، الذي أغدق بالذهب على شعب مصر ومكة عند زيارته لهما وقيامه بمناسك الحج.
7. إمبراطورية سونغاي
تم تشكيل إمبراطورية سونغاي في القرن الخامس عشر، وشملت بعض الأراضي التي كانت تخضع سابقاً لسيطرة إمبراطورية مالي. في الواقع، حلّت إمبراطورية سونغاي إلى حد كبير محل إمبراطورية مالي باعتبارها القوة البارزة في المنطقة حينها.
في أوجها، كانت إمبراطورية سونغاي أكبر من أوروبا الغربية ويعود الفضل في نجاحها إلى السياسات التجارية القوية ونظام الحكم البيروقراطي المتطور الذي كان فيها، كما يشير موقع World History.
ولكن منذ الربع الأخير من القرن السادس عشر، بدأت إمبراطورية سونغاي بالانهيار بسبب الحروب الأهلية التي اندلعت من أجل حق الخلافة التي أفسدت الإمبراطورية منذ وفاة الملك محمد في عام 1528. واختفت بذلك آخر إمبراطورية عظيمة حكمت غرب إفريقيا منذ القرن السادس.
8- زيمبابوي.. مملكة "البيوت الحجرية"
زيمبابوي هو اسم مدينة قديمة تقع في دولة زيمبابوي الحالية. في الواقع، سميت دولة زيمبابوي على اسم المدينة القديمة نفسها. كما كانت تسمى أحياناً زيمبابوي العظمى.
أما سبب تسميتها فهو أنها كانت تتكون من جدران وهياكل حجرية كثيرة، واسم "زيمبابوي" في لغة السكان الأصليين يعني "البيوت الحجرية".
يعود تاريخ المدينة إلى القرن العاشر، على الرغم من أنها كانت بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر مركزاً لإمبراطورية شاسعة سيطرت على جزء كبير من الأراضي في بوتسوانا وزيمبابوي وموزمبيق الحالية.كان للإمبراطورية اقتصاد قائم على تربية الماشية وزراعة المحاصيل وتجارة الذهب على ساحل المحيط الهندي.
لكن لأسباب غير معروفة، أفل نجم إمبراطورية زيمبابوي العظمى في القرن الخامس عشر وهجرها ساكنوها، لكن بعض العوامل التي يرجحها المؤرخون هو نفاد موارد المملكة والاكتظاظ السكاني الذي أنهكها، وفقاً لموقع National Geographic.