لو كنت تعيش في مدينة نيويورك في منتصف الستينيات من القرن الماضي، وسألت أي شخص يعيش في المدينة عن تفاصيل جريمة قتل كيتي جينوفيز فستجده غالباً على اطِّلاع كامل على القضية.
سواء أكان اسم القاتل أو الضحية، وحتى مكان وقوع الجريمة، والأهم من ذلك عدد الشهود الـ38 الذي شاهدوا فتاة تتعرض للطعن عدة مرات، ويتم اغتصابها، دون أن يقوم أحد منهم بإنقاذها أو حتى الاتصال بالشرطة.
وإن كنت درستَ علم النفس فغالبا ستقرأ عن جريمة قتل كيتي جينوفيز، وعن "تأثير المتفرج"، الذي يشرح ما حدث مع الشهود، ولماذا لم يُنقذ أحد منهم الفتاة المسكينة، وتركوها تنزف في الشارع حتى الموت.
من هي كيتي جينوفيز؟
ولدت كيتي جينوفيز في 7 يوليو/تموز عام 1935، في مدينة بروكلين في ولاية نيويورك، في حي هادئ، معروف بسكانه من العائلات الإيطالية والأيرلندية.
وعندما كانت مراهقة التحقت جينوفيز بمدرسة بروسبكت هايتس الثانوية، وهي مدرسة للفتيات فقط، حيث تميزت في فصول اللغة الإنجليزية والموسيقى.
وكانت تُعرف دائماً بالشخصية الثرثارة والحيوية، التي كانت تحظى بشعبية كبيرة في المدرسة، حتى انتُخبت رئيسة الفصل الدراسي بين زملائها.
في عام 1953، شهدت والدة كيتي جينوفيز جريمة قتل في الشارع، وهو ما دفع العائلة لاتخاذ قرار الانتقال إلى مدينة ثانية أكثر أماناً.
لكن كيتي التي كانت قد تخرجت في المدرسة في ذلك الوقت قررت البقاء في مدينتها التي وُلدت وترعرعت فيها، وافقت العائلة على بقاء كيتي في نيويورك وحدَها، ولم يكونوا يعلمون أنهم سيندمون على ذلك القرار أشد الندم.
وجدت كيتي عملاً لها، سكرتيرة في شركة تأمين، ثم بعد عقد من الزمان انتقلت إلى شقة في منطقة "حدائق كيو" في كوينز، التي كانت تعتبر منطقة آمنة للعيش.
ولأن كيتي جينوفيز كانت شخصية نشيطة ومثابرة تدرجت في الوظائف حتى أصبحت مديرة في الشركة التي كانت تعمل بها، وأصبحت تكسب من المال مبالغ جيدة، وكانت تدخر منها لتحقيق حلمها المتمثل في افتتاح مطعم إيطالي خاص بها، ولكن الموت كان لها أقرب.
جريمة قتل كيتي جينوفيز
في حوالي الساعة 2:30 من صباح يوم 13 مارس/آذار عام 1964، كانت جينوفيز تستقل سيارتها في طريقها للعودة إلى المنزل.
وعندما توقفت في إشارة مرور توقفت بجانبها سيارة بيضاء يستقلها شخص يدعى "ونستون موسلي"، كان موسلي يبلغ من العمر 28 عاماً، وترك زوجته وولديه نائمين في منزلهم.
وكان يبدو مثل أي رجل عادي، لكن الفرق بينه وبين أي رجل عادي آخر أنه كان يقود سيارته لساعات وفي جيبه سكين صيد حاد، باحثاً عن ضحية ليسرق أموالها، أو حتى يغتصبها إذا حالفه الحظ.
كان موسلي قد ارتكب جرائم اغتصاب سابقاً ولم يتم القبض عليه أو اكتشاف هويته، وبينما كان على وشك اليأس من إيجاد ضحية حتى شاهد كيتي في سيارتها وقرر ملاحقتها.
دون أن تنتبه أن موسلي كان يتعقبها بسيارته، وصلت جينوفيز إلى البناية التي تسكن فيها، وأوقفت سيارتها في موقف سيارات في زقاق، على بعد أمتار فقط من الباب الأمامي للمبنى الذي تسكنه.
وما كادت تخطو باتجاه الباب حتى خرج موسلي من سيارته، وأخذ يهرول باتجاهها ممسكاً سكين الصيد في يده، وبينما كانت كيتي تحاول الركض نحو مقدمة المبنى سرعان ما وصل إليها "موسلي" وطعنها مرتين في ظهرها.
في ذلك الوقت المتأخر من الليل كان الشارع فارغاً، ومعظم الناس نائمين، صرخت كيتي جينوفيز طلباً للمساعدة وهي تنزف من ظهرها: "يا إلهي، لقد طعنني! ساعدوني!". استيقظ "روبرت موزر" أحد جيرانها على صوت صراخها، ورأى الصراع يحدث في الأسفل، ولكنه لم يكلف نفسه عناء التدخل، واكتفى بالصراخ على موسلي قائلاً: "اترك تلك الفتاة وشأنها!".
أدرك موسلي أن الجيران قد استيقظوا، وخوفاً من تحديد هويته هرب بسرعة من مكان الحادث وعاد إلى سيارته.
كانت جينوفيز المسكينة تنزف بشدة، ولكنها لم تُصب بأي جروح قاتلة، فحاولت استجماع قوتها والدخول إلى المبنى، لعلها تغلق الباب وراءها وتحمي نفسها، أو تصعد إلى شقتها ثم تطلب الشرطة.
ولكن في مدخل المبنى، وقرب الدرج انهارت الفتاة، ولم تستطع المشي أكثر من ذلك.
في هذه الأثناء كان موسلي قد غطّى وجهه، وعاد بعد 10 دقائق، بعد أن وجد أنه لم ينزل أحد إلى الشارع ليمنعه من فعلته، وجد موسلي جينوفيز ملقاة على الأرض واعية بالكاد، في ردهة قرب بوابة المبنى، وأصبحت بعيدة عن أنظار الجيران أو أي أشخاص في الشارع.
هذه المرة طعن موسلي الفتاة المنهارة مراراً وتكراراً، ولمدة 30 دقيقة كانت كيتي جينوفيز تصرخ، ولكن دون مجيب، ثم اغتصبها وسرق ما تملكه، ولم يكن المبلغ سوى 49 دولاراً فقط.
وفرّ من مكان الحادث تاركاً جينوفيز فاقدة للوعي تنزف حتى الموت، حتى اكتشفتها جارتها العجوز، التي حملتها بين ذراعيها، ونادت على الجيران لطلب الشرطة، وحين وصلت سيارة الإسعاف كان قد فات الأوان وفارقت جينوفيز الحياة قبل وصولها المستشفى.
38 "شاهداً لم يتدخل منهم أحد بسبب "تأثير المتفرج
نشرت الصحف في الأيام التالية أخباراً عن جريمة قتل كيتي جينوفيز، ولم تحظَ القضية باهتمام كبير، ولكن بعد الجريمة بأسبوعين نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالاً بعنوان "38 شاهداً رأى جريمة قتل لم يتصل بالشرطة".
ليشتعل النقاش في كل الولايات المتحدة حول تقصير الشهود ومسؤوليتهم بتقديم المساعدة، التي ربما كانت أنقذت حياة كيتي جينوفيز.
تبعتها الصحيفة في اليوم التالي بتحليل قدّمه خبراء في علم النفس عن سبب اختيار الناس عدم نجدة جينوفيز، وشرحوا فيه ما سمّوه "تأثير المتفرج" وأنه عند وجود شخص بحاجة للمساعدة، وكان هناك حاضرون آخرون، فإن احتمال المساعدة يرتبط عكسياً مع عدد المتفرجين.
أي أنه كلما زاد عدد المتفرجين قلت احتمالية أن يُقدم أحدهم المساعدة.
أما موسلي فقُبض عليه بعد أسبوعين في جريمة سرقة، وحين شاهد محقق الشرطة سيارة موسلي تذكر أن الشهود على جريمة قتل كيتي جينوفيز وصفوا سيارة مشابهة، وبعد الضغط عليه اعترف بجريمته وجرائمه الأخرى.
تعرّض مقال نيويورك تايمز الذي تسبب في الضجة الإعلامية لانتقادات، واتُّهم باختلاق ظاهرة اجتماعية لأغراض الإثارة، حيث ادعى العديد من الجيران أنهم حاولو المساعدة، واتصلوا فعلاً بالشرطة، أو اتصلوا بأصدقاء اتصلوا بالشرطة.
وأياً كان عدد الشهود، أو ما قاموا به، فإنه لم يكن كافياً لإنقاذ كيتي من موت بطيء وحشي، وجريمة اغتصاب استمرت لنصف ساعة وهي تصرخ دون مجيب.