“نفجر سفينة ونلوم هافانا ثم نحتلها”.. عملية نورثود الأمريكية للتحريض على حرب مع كوبا

عربي بوست
تم النشر: 2022/07/13 الساعة 10:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/13 الساعة 11:01 بتوقيت غرينتش
الزعيم الكوبي الشيوعي فيدل كاسترو - Shutterstock

نسمع كثيراً عن عملية خليج الخنازير، أو غزو خليج الخنازير، الذي حاولت عن طريقه الولايات المتحدة قلب نظام الحكم في كوبا، لكنها فشلت سريعاً واشتعلت أزمة بين البلدين، كانت الأكبر تقريباً خلال الحرب الباردة، لكن هذه العملية لم تكن الوحيدة التي حاول بها القادة الأمريكيون إنهاء حكم الزعيم الشيوعي فيدل كاسترو، الذي وصل إلى الحكم في كوبا، وفي هذا التقرير نحكي عن إحدى هذه العمليات، وهي عملية نورثود (Northwoods) التي هدفت إلى تنفيذ هجمات كاذبة ضد كاسترو.

عملية نورثود ضمن الهجمات ضد كاسترو

هذه الخطة السرية، نُظمت تحت مظلة مشروع كوبا المناهض لكاسترو، أو عملية النمس، واقترحت عدداً من الطرق التي تستطيع الولايات المتحدة من خلالها أن تزيف هجوماً كوبياً ضد أمريكا، وذلك لتجد طريقة لتبرير التدخل العسكري في كوبا، ثم السيطرة على مقاليد الحكم من حاكمها الشيوعي الجديد الموالي للاتحاد السوفييتي.

ففي مطلع ستينيات القرن الماضي؛ وتحديداً عام 1959، كانت الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة على أشدها، وفي تلك اللحظة صعد فيدل كاسترو إلى المشهد، بعدما أطاح الثوريُّ الشيوعيُّ كاسترو الزعيمَ الكوبيَ المدعومَ من الولايات المتحدة فولغينسيو باتيستا، وأسس كوبا لتكون أول دولة شيوعية في نصف الكرة الغربي. 

خططت الولايات المتحدة لعملية نورثود لإسقاط حكم الزعيم الكوبي الشيوعي فيدل كاسترو - Shutterstock
خططت الولايات المتحدة لعملية نورثود لإسقاط حكم الزعيم الكوبي الشيوعي فيدل كاسترو – Shutterstock

هنا؛ صار الأمريكيون، القلقون من التهديد البعيد المتمثل في الاتحاد السوفييتي، أمام حقيقة وجود دولة شيوعية على بُعد 145 كيلومتراً فقط من ساحل فلوريدا. وبدا أن الحرب الباردة يمكن أن تصير ساخنة.

"يجب على المرء ألا ينسى أن الولايات المتحدة لم تعد بعد الآن على مسافة لا يمكن أن يصل إليها الاتحاد السوفييتي مثلما كانت من قبل" – رئيس الاتحاد السوفييتي نيكيتا خروتشوف في يوليو/تموز 1960

لذلك؛ شرعت المنظمات الاستخباراتية في عملها من خلف الكواليس واقترح القادة العسكريون شن هجمات في خليج غوانتانامو، من خلال إغراق سفينة ممتلئة باللاجئين الكوبيين، أو حتى تدبير إسقاط طائرة مدنية. وقد كانت عملية نورثود أكثر من مجرد مكيدة فارغة، بل كانت خطة راسخة وقَّعت عليها هيئة الأركان المشتركة، وعُرضت على مكتب الرئيس الأمريكي جون كينيدي.

عملية خليج الخنازير وفشلها تمهيداً لعملية نورثود 

انطلقت الاستخبارات الأمريكية في البداية لتحييد خطر كاسترو بعملية خليج الخنازير التي دعمتها وكالة الاستخبارات المركزية عام 1961، والتي وُضعت تحت حكم الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور.

تمثلت خطة عملية خليج الخنازير في إرسال واشنطن قوات كوماندوز من الكوبيين اللاجئين في أمريكا، بعد تدريبهم وتسليحهم في معسكرات تابعة للمخابرات الأمريكية، وأطلقت على العملية اسم "غزو خليج الخنازير"، نسبة إلى خليج يقع جنوبي كوبا.

وفي 17 من مارس/آذار من العام 1960، أعطى الرئيس الأمريكي أيزنهاور موافقته على مقترح المخابرات، باستخدام المعارضين لكاسترو في الإطاحة به، ثم في يناير/كانون الثاني 1961، تولَّى الرئيس الأمريكي جون كينيدي الحكم في أمريكا خلفاً لأيزنهاور، فأعطى أوامره بتنفيذ عملية "غزو خليج الخنازير" ميدانياً. 

وفي 15 أبريل/نيسان 1961، بدأ تنفيذ العملية، بحملة قصف جوي شنّتها طائرات أمريكية يقودها متمردون كوبيون، واستهدفت القواعد الجوية الكوبية، وبعدها بيومين أتبعت الحملة الجوية بهجوم بري. 

لكن القوات المسلحة الكوبية تصدَّت لهجمات المتمردين، إذ كانوا أكثر عدداً منهم، وبعد 4 أيام فقط كانت القوات المتمردة أعلنت هزيمتها بعدما قُتل منهم 100 رجل، ووقع الباقون في الأسر، ثم فشِلت العملية بعد أن أخفقت الولايات المتحدة في وضع خطة ميدانية ملائمة للأوضاع في كوبا، فضلاً عن امتناعها عن تقديم غطاء جوي مباشر ودعم لوجستي وسياسي للمتمردين، حتى لا يبدو أنه تدخل أمريكي، أو احتلال لكوبا.

أدَّى فشل العملية إلى أزمة دولية كبيرة بين كوبا وأمريكا، لكن في المقابل ظهر كاسترو بطلاً في بلاده، وبدأت علاقته بروسيا تأخذ منحى آخر من التعاون، وهنا قرر الجيش الأمريكي أن دورهم قد حان.

ففي العام 1962، طالب الجنرال إدوارد لانسديل، رئيس عمليات مشروع كوبا المناهض لكاسترو (عملية النمس)، من هيئة الأركان المشتركة "وصفاً موجزاً ودقيقاً للذرائع التي يمكن أن تقدَّم مبرراً للجيش الأمريكي للتدخل في كوبا"، ورداً على ذلك، أصدرت هيئة الأركان المشتركة، بقيادة الجنرال ليمان ليمنيتزر، عملية نورثود.

المؤامرات المقترحة في عملية نورثود

في 13 مارس/آذار، قدم ليمنيتزر عملية نورثود أمام وزير الدفاع روبرت ماكنامارا. الوثيقة التي وافقت عليها هيئة الأركان المشتركة، حددت عدداً من الطرق التي يمكن من خلالها أن تحرض الولايات المتحدة على حرب ضد كوبا.

إذ اقترحت أحد الخطط تدبير "حوادث منسقة جيداً… في غوانتانامو وحولها"، لجعل الأمر يبدو كما لو أن القاعدة الأمريكية تتعرض لهجوم. من أجل جعل الهجوم يبدو موثوقاً، اقترحت عملية نورثود استخدام الشائعات، والكوبيين "الأصدقاء"، وإشعال الحرائق، وتنظيم الجنازات المزيفة من أجل "الضحايا".

واقترحت خطة أخرى "تذكر البارجة مين"، في إشارة إلى السفينة USS Maine، التي غرقت في ظروف غامضة في ميناء هافانا عام 1898، ما منح الولايات المتحدة مبرراً لخوض الحرب ضد إسبانيا. ويمكن ترتيب نسخة عام 1962 من هذه الخطة بطرق عديدة، وذلك في إشارة إلى عملية نورثود المقترحة.

بموجب الخطة، يمكن أن تفجر الولايات المتحدة سفينة في خليج غوانتانامو وتلقي باللوم على كوبا، أو يمكنها تفجير سفينة غير مأهولة، ثم تزيف عملية إنقاذ. وذكر التقرير: "قوائم الضحايا في الصحف الأمريكية يمكن أن تثير موجة مفيدة من مشاعر السخط الوطنية".

تضمنت مقترحات أخرى في عملية نورثود تطوير "حملة إرهاب شيوعية كوبية" في فلوريدا، أو ربما في واشنطن العاصمة، وإغراق قارب يحمل لاجئين كوبيين (سواء كان ذلك حقيقياً أو مزيفاً)، والتخطيط لشن هجمات معلنة ضد اللاجئين الكوبيين، وتفجير القنابل، وزرع الأدلة التي تشير إلى أن كوبا كانت تدبر لشن هجوم في جنوب أمريكا.

ربما كانت المؤامرة الأكثر طموحاً في عملية نورثود تنطوي على تلفيق "حادث سوف يعرض بصورة مقنعة أن طائرة كوبية هاجمت طائرة مدنية وأسقطتها"، ويمكن أن تضم الطائرة المدنية المزيفة طلاباً مزيفين، أو أي مجموعة من الأشخاص ذوي الاهتمامات المشتركة، من أجل إضفاء صبغة واقعية على الحادث.

وبرغم ذلك، لم تبتعد خطة نورثودد عن الورق والحبر الذي كُتبت به. بحسب موقع قناة ABC، أبلغ الرئيس جون كينيدي ليمنيتزر مباشرةً في 16 مارس/آذار 1962 أنه ليس لديه خطط لاستخدام أي نوع من القوة لاستهداف كوبا.

إرث عملية نورثود

قال جيمس بامفورد، الذي سلط الضوء على العملية في كتابه المنشور عام 2001 Body of Secrets، إنه على مدى عقود، كانت مجموعة المؤامرات المناهضة لكاسترو معبأة داخل أحد  الأدراج، وقال بامفورد في حديثه مع ABC: "إن سبب إبقاء هذه الأمور سرية لوقت طويل هو أن الأركان المشتركة لم ترغب في إفشائها أبداً؛ لأنها كانت محرجة للغاية".

صحيحٌ أن جميع الأطراف الرئيسيين المرتبطين بعملية نورثود فارقوا الحياة -فقد اغتيل كينيدي في نوفمبر/تشرين الثاني 1963- فإن الأشخاص القريبين من الرئيس أنكروا تماماً معرفتهم بالمؤامرة المناهضة لكاسترو.

طابع يحمل صورة الزعيم الكوبي الشيوعي فيدل كاسترو مع رئيس الاتحاد السوفييتي ليونيد بريجنيف (بين عامي 1964 و1982) - Shutterstock
طابع يحمل صورة الزعيم الكوبي الشيوعي فيدل كاسترو مع رئيس الاتحاد السوفييتي ليونيد بريجنيف (بين عامي 1964 و1982) – Shutterstock

وفي حديثه مع صحيفة The Baltimore Sun، قال ثيودور سورنسن، المستشار الخاص لكينيدي في البيت الأبيض: "لم أسمع قط بعملية نورثود. لم أسمع بها قط ولا أصدقها. بكل وضوح، كانت غير قانونية كلياً، وغير حصيفة على الإطلاق".

أما روبرت ماكنامارا، الذي يُزعم أنه رأى الخطة قبل الرئيس، فقد أنكر هو الآخر معرفته بها. أخبر ماكنامارا صحيفة The Baltimore Sun قائلاً: "لم أسمع عنها قط. لا أستطيع تصديق أن رؤساء الأركان كانوا يتحدثون أو يشاركون فيما يمكن أن أسميه "عمليات من نوعية عمليات وكالة الاستخبارات المركزية".

على هذا النحو، يبدو إرث عملية نورثود غامضاً على نحو مناسب، كما أشار موقع All That's Interesting الأمريكي، لكنه يعكس توترات الحرب الباردة والمخاوف بشأن كوبا، ويكشف كذلك عن الطرق التي كان كبار الضباط الأمريكيين يضعونها في الحسبان.  

تحميل المزيد