عاد مؤخراً إلى الشوارع واحد من أبرز المهرجانات العالمية الشهيرة، وأكثرها خطورة أيضاً، وهو مهرجان الثيران أو الركض مع الثيران، الذي يقام سنوياً في إسبانيا، وهو المهرجان الذي بدأ بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وأصبح أيقونة مميزة للثقافة الإسبانية، وكان قد توقف منذ عام 2020 إثر الإجراءات الاحترازية لجائحة كورونا.
وربما يعتقد البعض أن المهرجان هو مجرد نشاط احتفالي فيه شيء من التهور فقط، ولكنه ارتبط بتاريخ قديم في إسبانيا، كما ارتبط أيضاً باقتصاد إسبانيا كوجهة سياحية أوروبية كلاسيكية، ودخل المهرجان الوعي الجمعي العالمي من خلال سرد إرنست همنغواي عنه، وهو واحد من أشهر الروائيين العالميين الحائزين جائزة نوبل.
كيف بدأ مهرجان الثيران؟
يعيد أغلب المؤرخين في أوروبا مهرجان الثيران المسمى "سان فيرمين"، والذي يقام في مدينة بامبلونا، إلى القرن السادس عشر 1591، والذي بدأ احتفالاً دينياً يقام في يوليو/تموز من كل عام لمصارعة الثيران تيمنا بأحد القديسين الذين اشتهروا برعاية الثيران وهو القديس "فرمين"، إذ كانت تساق مجموعة من الثيران من مركز البلدة إلى مكان الحلبة للمصارعة مساءً، لتبدأ النزالات بين الفرسان المصارعين والثيران الشرسة.
بعض الروايات قالت إن ركض الثيران هو طقس أصيل في الاحتفال، وبدأ في أوائل القرن السابع عشر، عندما كان يحاول الكثير من تجار الماشية والثيران الفوز بدخول ثيرانهم الحلبة أولاً، وبينما كانوا يحاولون نقل الثيران بسرعة ذات يوم أطلقوا الثيران من أعنتها لتركض بشكل حر، ثم سارع الشباب الإسبان في الركض جوارها أو أمامها، فتحولت إلى "لعبة" ممتعة وجزء من الطقس السنوي للمهرجان، والذي استمر إلى اليوم.
خطورة المهرجان
هو بالفعل واحد من أكثر مهرجانات العالم الذي يتسم بالخطورة، ففي الممرات والشوارع الضيقة في بامبلونا يتم إطلاق سراح 8 ثيران للركض بشكل حر، وحالما تبدأ الثيران الركض يبدأ المتجمعون في الشوارع والأزقة بالركض أمامها، في محاولة لحث الثيران على مطاردتهم إلى الوجهة النهائية.
وبالطبع ينتج عن هذه المطاردات إصابات تتراوح بين الخفيفة إلى المميتة؛ خاصة الإصابات المباشرة من قرون الثيران، وبينما لا تتعدد حالات الوفاة بكثرة في المهرجان إلا أنه خلال الـ 100 عام الأخيرة مات 16 شخصاً على الأقل متأثرين بإصابات نتجت عن المطاردات.
تخليد المهرجان في الرواية العالمية
في أوائل العشرينيات من القرن العشرين كان للكاتب الروائي الأمريكي الشهير "إرنست همنغواي" بالارتحال إلى إسبانيا، وكان من بين الأماكن التي زارها ووقع في غرامها مهرجان "سان فيرمين" في بامبلونا، وتأثر به بقوة.
وفي عام 1926 قام همنغواي بكتابة واحدة من أشهر رواياته "الشمس تشرق أيضاً" The Sun Also Rising، وكانت أحداث كبرى وأساسية في الرواية تدور في بامبلونا أثناء مهرجان سان فيرمين.
وأسهم أسلوب همنغواي السلس والشيق في تشويق كل من قرأ روايته لزيارة إسبانيا وحضور المهرجان الشهير، بل إن انتشار الرواية أسهم بشكل مباشر في إقبال الملايين على المهرجان في فترة الثلاثينيات والفترات اللاحقة.
مهرجان سان فيرمين أو La Fiesta الإسباني الشهير ليس فقط من علامات إسبانيا الاجتماعية والثقافية؛ فهو أيضاً مصدر هام للدخل في إسبانيا؛ فهو يجتذب الملايين من المغامرين والسائحين من كل أرجاء العالم سنوياً.
في عام 2020 قبل أن توقف الجائحة المهرجان الشهير كان الدخل الصافي من أرباح رياضات الثيران يصل إلى 571 مليون يورو، من بينها صافي 130 مليون يورو من عائدات الأنشطة الجانبية ومنها مهرجان الركض أمام الثيران.
بالطبع لن تخلو أي أنشطة احتفالية تتضمن الحيوانات من اعتراض نشطاء حماية الحيوانات، فقد تعالت الدعوات منذ عقود لتوقف هذا المهرجان -وأنشطة مصارعة الثيران عامة- إنقاذاً للحيوانات، وتتم بالتوازي مع المهرجان سنوياً العديد من التظاهرات الحقوقية من قبل جمعيات ونشطاء حماية الحيوان الذين يسمون المهرجان "حمام الدم".