كانت الإمبراطورية المغولية هائلة القوى، لكن قصيرة العمر نسبياً، امتدّت في أوجها من المحيط الهادئ إلى وسط أوروبا. ولكن رغم اتساع رقعتها لم تتّحد إلا لعقودٍ قليلة. وقد كانت أكبر إمبراطورية في التاريخ من حيث الأراضي المتجاورة قبل أن تتشرذم إلى إمبراطوريات صغيرة في ستينيات القرن الثالث عشر، بفعل الحرب الأهلية.
نشأت الإمبراطورية المغولية في السهوب الشرقية عام 1206. وفي الأصل، المغول قبائل رعوية من البدو يعود أصلها إلى أقصى شمال الصين. كانوا وثنيِّين، يعبدون الشمس وغيرها. وغالباً ما يُستخدم لفظ "التتار" في وصف قبائل المغول والترك والإيغور والسلاجقة من قاطني مناطق شمال الصين وما حولها.
ولأنهم من البدو الذين يرعون قطعاناً كبيرة من الحيوانات في منغوليا، فقد عُرفوا بمهارتهم كـ فرسان، حسبما كتبت ماري فافرو، الأستاذة المساعدة في قسم التاريخ بجامعة باريس نانتير، في كتابها: "القبيلة: كيف غيّر المغول العالم".
أتاحت لهم الخيول السفر على مدى مسافاتٍ بعيدة، والسيطرة على مساحةٍ شاسعة من الأراضي. وقد أجاد المغول كذلك استخدام القوس المركّب -وهو سلاح قوي يمكن لممتطي الخيول استخدامه وهم على ظهر جوادهم- ومنحهم ذلك ميزة قوية في المعارك، كما كتب تيموثي ماي، أستاذ تاريخ وسط أوراسيا بجامعة شمال جورجيا، في كتابه "الإمبراطورية المغولية: موسوعة تاريخية".
أرعبت جيوش المغول الوحشية العالم كلّه، عندما بدأت رحلتها الدموية في القرن الثالث عشر، من شرق آسيا في الصين وحتّى الخلافة العباسية. لكنّ المأساة اكتملت في بلاد المسلمين عندما اجتاحت هذه الجيوش -على يد قائدها هولاكو- العاصمة العباسية بغداد، وقتلت الخليفة المستعصم بالله في العام 1258.
لكن، كيف أصبحت الدولة المغولية دولةً مُسلمة، بعد أن كادت تتسبب في القضاء على الدولة الإسلامية بالكامل؟ كيف تحوّل أولئك الغزاة الذين جاؤوا من الشرق، ليُسقطوا حضارة المسلمين، إلى دين الإسلام؟
جنكيز خان، المؤسّس الأول لإمبراطورية المغول
وُلد جنكيز خان نحو عام 1160 وكان اسمه الأصلي تيموجين، وقد سيطر والده يوسغي على مجموعة تتألف من 40 ألف عائلة. قُتل يوسغي بالسمّ حين كان تيموجين طفلاً، فهجرته بعض العائلات التي كانت موالية لأبيه.
صمدت عائلة تيموجين، وصار هو نفسه في النهاية قائد المجموعة. شكّل تحالفاتٍ وبنى قوّته تدريجياً، فيما قاتل أحياناً بعض المجموعات. وبحلول 1206، غزا تيموجين غالبية مناطق منغوليا، وحصل على لقب جنكيز خان، الذي يُترجم أحياناً إلى "الحاكم العالمي".
الغزوات التالية لجنكيز خان اجتاحت العالم، مؤسّساً بذلك الإمبراطورية المغولية. ففي عام 1215 استولى على تشونغدو (القريبة من بكين المعاصرة)، التي كانت عاصمة سلالة جين الصينية. وفي عام 1219، شنّ حملةً عسكرية ضدّ خوارزم (الكائنة في إيران المعاصرة)، وغزا غالبية أراضي الدولة الخوارزمية.
فخلال فترة صعود خان، كانت هناك دولة إسلامية تتوسع في القارة الأسيوية هي الدولة الخوارزمية، والتي كان يقودها علاء الدين محمد الخوارزمي، الملقّب باسم محمد شاه خوارزم.
وفي عام 1206، وهو نفس عام سيطرة خان على كامل منغوليا، تمكن محمد شاه من السيطرة على أفغانستان، ثم سيطر عام 1207 على سمرقند، ليتحدى بعدها جنكيز خان.
كان خان قد أرسل رسلاً لشاه خوارزم بهدف عقد علاقاتٍ تجارية، لكن الأخير قتلهم بعدما ظنّ أحد أمرائه أنّهم جواسيس؛ ليبدأ جنكيز خان غزوه للدولة الخوارزمية، والتي انتهت فعلياً عام 1231.
ومن الجدير ذكره أنه لم يكن للمغول خبرات سابقة في حروب الحصار، قبل حملات جنكيز خان، الذي حثّ كذلك على تنفيذ إصلاحاتٍ في إدارة الإمبراطورية المغولية.
فقد كان لديه كُتَّاب من الإيغور، الذين عاشوا في وسط آسيا التي غزاها المغول، وأسس هؤلاء الكتاب نظام كتابة للغة المغولية اعتمد على الكتابة الإيغورية. وأدخل كذلك تغييرات إدارية على إمبراطوريته النامية.
كان الجانب الأهم لحكومته هم "القبيلة الذهبية"، التي تتكون من جنكيز خان وأحفاده. وبحسب القانون المغولي، يمكن لأبناء قبيلته الذهبية فقط أن يصيروا قادةً للمغول.
توفي جنكيز خان عام 1227 بعدما جعل إمبراطوريته على مساحة أكبر أربع أضعاف من الإمبراطورية الرومانية، والتي قسّمها قبل وفاته على أبنائه الأربعة: جوجي خان، وجغطاي خان، وأوقطاي خان، وتولي خان.
صار أوقطاي خان، ثالث أبناء جنكيز خان، الخان الأعظم -أي قائد المغول- فيما تولى تولي خان حكم خراسان مع أملٍ مستقبلي في التوسّع نحو العراق وديار بكر. تمكن بالفعل من بسط سيطرته على كافة الإمارات الفارسية، ووصل إلى حدود العراق، لكنه توفي في العام 1229، وخلفه ابنه هولاكو.
أمّا جوجي خان، وهو الابن الأكبر لجنكيز خان، فقد تولّى حكم القوقاز وأجزاء من روسيا. ولاحقًا أدخل ابنه "بركة خان"، زعيم القبيلة الذهبية، الإسلام إلى المغول والإمبراطورية المغولية.
وعند الحديث عن رموز المغول، غالباً ما يُذكر جنكيز خان وحفيده هولاكو، من دون أن يتم التطرق إلى أحد أعظم قادة المغول: الحفيد بركة خان.
بركة خان، المغولي المُسلم الذي وقف ضدّ هولاكو
أسلم بركة خان عام 1252، ويعود الفضل لإسلامه –طبقاً لبعض الروايات– إلى الشيخ الصوفي سيف الدين الباخرزي، الذي أسلم خان على يديه في بخارى، بعد ذلك عاد بركة خان إلى بلاده وبدأ يدعو إلى الإسلام، فأسلمت زوجته "ججك خاتون" واتخذت مسجداً من الخيام يُحمل معها أينما ذهبت.
وبعدما اعتلى رئاسة القبيلة الذهبية، خلفاً لشقيقه باتو خان، أخذ في إظهار شعائر الإسلام، وأكمل بناء مدينة سراي (تقع مكان مدينة سراتوف الآن في روسيا) وجعلها عاصمة القبيلة الذهبية، كما بنى فيها المساجد ووسّعها، حتى صارت أكبر مدن العالم وقتها، وجعلها على السمت الإسلامي الخالص.
جاء إسلام بركة خان وتولّيه الحكم في فترةٍ كان فيها المغول "الآخرون" الكابوس المفزع للمسلمين، حين كان ابن عمه هولاكو يهاجم بلاد المسلمين، وتمكن من دخول بغداد عام 1258؛ قبل عامين فقط من تلقي المغول الهزيمة التاريخية من جيش قطز في معركة عين جالوت الشهيرة.
وتُشير بعض المراجع إلى أنه، وعندما أقنع هولاكو أخاه الأكبر مونكو خان بمهاجمة بغداد وبقية بلاد المسلمين، لجأ بركة خان إلى أخيه باتو (الذي ساعد مونكو في الوصول إلى الحكم، بعد وفاة جيوك خان، أحد أحفاد جنكيز خان). وبالفعل اقتنع باتو وأقنع مونكو بوقف الحرب، فانتظر هولاكو حتى وفاة باتو، ثم شنّ حربه من جديد.
لماذا لجأ بركة خان إلى أخيه باتو؟ يُقال إن الرجلين كانا متأثرين كثيراً بزوجة والدهما جوجي خان، الأميرة رسالة بنت السلطان علاء الدين خوارزم شاه. فكانا دائمَي الدفاع عن المسلمين.
كانت أفعال هولاكو مثيرة للجدل، حتى بالنسبة للمغول أنفسهم. فقد كتبت ماري فافرو أن بركة خان أدان قرار إعدام الخليفة المستعصم. وتقول السجلات "إنه في عام 1259، كتب بركة خطاباً إلى مونكو خان، يتعهد فيه بمحاسبة هولاكو على إراقة الكثير من دماء الأبرياء". لكن مونكو خان مات قبل أن يصل الخطاب إليه.
بعد عين جالوت وتولي الظاهر بيبرس الحكم في مصر والشام، حدث تقارب بينه وبين بركة خان الذي أخذ يقنع المزيد من الجنود المغول بالدخول إلى الإسلام، حتى دخل بركة في حلف مع بيبرس وسط مراسلات لا تنقطع، وبدأ يثير المشاكل والفتن بين زعماء وقادة المغول.
حرب أهلية بين المغول للصراع على الحاكم الأوحد
عندما مات مونكو خان في أغسطس/آب 1259، لم يكن هناك توافق على خليفته، فاندلعت حربٌ أهلية مزّقت الإمبراطورية المغولية إلى الأبد. طالب شقيقا مونكو خان، إريك بوك وقوبلاي، بعباءة الخان الأعظم، ونظم كل منهما مجلس التتويج الخاص به.
ووفق موقع Live Science، فقد اتخذ القادة المغول على اختلاف مشاربهم جانباً مختلفاً، وشرعوا في خوض القتال بعضهم ضدّ بعض.
وفي عام 1263، أُجبر إريك بوك على الاستسلام. صحيح أن قوبلاي خان هو الذي حكم في نهاية المطاف، غير أنه لم ينتزع الاعتراف بأنه الخان الأعظم من جميع قادة المغول، ولم يقدر على بسط سلطته على كامل رقعة الإمبراطورية المغولية، لكنه توسّع إلى الصين!
فصارت الإمبراطورية المغولية مقسمةً إلى عددٍ من الإمبراطوريات الصغيرة التي حكمت مساحاتٍ شاسعة من الأراضي حول آسيا وأوروبا.
هولاكو أسّس الدولة الإلخانية وأولاده أسلموا
كانت الدولة الإلخانية إحدى الدول التي انتشرت في أعقاب الحرب الأهلية المغولية، والتي حكمت عام 1263 منطقةً امتدت من إيران إلى أجزاءٍ من تركيا المعاصرة.
اعتنق حكامها الإسلام عام 1295، وصمدت حتى أواسط القرن الرابع عشر، قبل أن تُدمّر آخر آثارها عام 1357.
اشتهرت الدولة الإلخانية بالإنجازات المعمارية. وكان أشهر مثال على هذه الإنجازات الضريح الذي شُيد لمحمد أولجايتو (يعرف كذلك بـ "قبة السلطانية")، أحد حكام الدولة الإلخانية، في مدينة سلطانية بإيران.
في الدولة الإيلخانية اشتهر ابن هولاكو السابع، أحمد تكودار، الذي أسلمَ وأعلن التصالح مع دولة المسلمين في مصر والشام (المماليك) قبل أن يقتله المغول.
ما إن توفي شقيقه أباقا خان حتى بدأ الصراع على العرش من بعده، وقد كان يدور بين الذين أيّدوا أن يكون أرغون بن أباقا هو الحاكم، وبين من اعتبروا أن قانون جنكيز خان يجعل كبير الأسرة هو الحاكم. وبهذا، فمن المفترض أن يصبح أحمد تكودار هو الإيلخان (مصطلح يُطلق على الحاكم).
اجتمع أمراء المغول واختاروا أحمد تكودار، سيراً على قانون جنكيز خان، وكان وصوله للحكم مُبشِّراً للمسلمين، سواءً للذين كانوا تحت حكم المغول في إيران والعراق، أو للمسلمين في دولة المماليك بمصر والشام.
وعلى عكس غيره من الأمراء المغول الذين أعلنوا إسلامهم طمعاً بمكاسب سياسية، اتخذ تكودار خطواتٍ لتوطيد علاقته بالعالم الإسلامي والزعماء المسلمين. فأرسل كتاباً إلى السلطان المنصور قلاوون يخبره بذلك، كما بعث برسالةٍ لعلماء بغداد يعلن نفسه فيها "حامياً للدين الإسلامي"، وأمر ببناء المساجد وإقامة الشريعة.
وفي محاولةٍ منه لتوسيع دائرة الإسلام، حاول نشره بين أمراء وطوائف المغول. لم ينجح بشكلٍ كبير، لكنّه استطاع أن يُقنع البعض منهم بما بذله من عطايا ومنحٍ وألقاب.
كانت فترة حكم الإيلخان أحمد تكودار، وفكرة وصول مسلمٍ إلى سُدّة الحُكم في مملكة المغول في فارس تقدّماً كبيراً، وفتح تكودار بذلك الطريق لمن بعده، وأصبح المغول لاحقاً مسلمين.
وحتى لو استغلّ بعض الإيلخانات الإسلام من أجل إحراز انتصاراتٍ عسكرية ومنافسة المماليك، لكنّ الإسلام انتشر بشكلٍ كبير في تلك الدولة بعد أحمد تكودار.
لم يستمر تكودار إيلخاناً للمغول أكثر من سنتين، وراحت أحلامه ونواياه الطيبة مع مجيء أرغون المتعصّب -كأبيه أباقا وجدّه هولاكو- بعدما هزم تكودار مع الداعمين له وأزاحوه عن العرش وقتلوه في العام 1284.
وظلّ خلفاء تكودار أحمد على وثنيتهم، حتى دخل غازان -سابع الإيلخانات- في الدين الإسلامي عام 1295، وجعله دين الدولة الرسمي في فارس. وكان العالم المسلم ابن كثير قد ذكر إسلام غازان، وأوضح هو وغيره من المؤرخين أن الفضل في إسلامه يرجع إلى الأمير التركي الصالح توزون، الذي أسلم غازان بجهوده.
وقال ابن كثير: "وفيها ملك التتار غازان بن أرغون بن أبغا بن تولى بن جنكيز خان فأسلم، وأظهر الإسلام على يد الأمير توزون رحمه الله، ودخلت التتار أو أكثرهم في الإسلام ونثر الذهب والفضة واللؤلؤ على رؤوس الناس يوم إسلامه، وتسمّى بمحمود، وشهد الجمعة والخطبة، وخرب كنائس كثيرة، وضرب عليهم الجزية، ورد مظالم كثيرة ببغداد وغيرها من البلاد".
"الخان الأعظم" يؤسّس سلالة المغول في الصين
لعل أشهر الإمبراطوريات الصغيرة التي انطوت عليها الإمبراطورية المغولية هي "سلالة يوان" التي قادها قوبلاي خان. وفي حين كان هولاكو يعيث فساداً ببلاد المشرق الإسلامي، كان أخوه الكبير قوبلاي يحتل جنوب غربي الصين وفيتنام المُعاصرة.
في عام 1263، سيطرت هذه السلالة على غالبية أراضي شمال ووسط الصين، لكن جنوب الصين كانت تسيطر عليه "سلالة سونغ الجنوبية"، ويحكمها إمبراطور صيني يبسط حكمه على نحو 50 مليون صيني في ذلك الوقت.
بحلول عام 1273، أدت مثابرة المغول إلى سقوط مدينة شيانغيانغ المُحصّنة. وتدريجياً، بدأت عوالم سلالة سونغ الجنوبية الثرية في الانهيار تماماً أمام قوبلاي خان، الذي استمرّ في التقدّم نحو الجنوب.
وفي عام 1279، سقطت أراضي سونغ الجنوبية كاملةً في قبضة قوبلاي خان، ولاقى الإمبراطور حتفه. وحينها توحدت الصين للمرة الأولى منذ قرون، تحت حكم سلالة يوان المغولية، التي كان قوبلاي خان على رأسها.
ولعل أبرز ما فعله المغول في الصين هو تشييد مدينة زانادو. استخدمت هذه المدينة عاصمةً صيفيةً لحكام سلالة يوان، وأُضفيت عليها صبغة رومانسية من الثقافة الشعبية. وقد ضمّت منطقة فخمة، ومدينة إمبراطورية، ومدينة خارجية، كما امتدت على مساحة وصلت إلى حوالي 484 ألف متر مربع. كشفت الحفريات الأثرية عن تنانين كانت تزين القصور.
ويقال إن المستكشف ماركو بولو زار زانادو حوالي العام 1275 وادّعى أنه خدم قوبلاي خان بوصفه مسؤولاً، وظل يترقى في المناصب حتى وصل إلى منصب حاكم منطقة. لكن زيارة ماركو بولو إلى زانادو وعمله لدى قوبلاي خان يُعدّ مصدر جدلٍ بين المؤرخين المعاصرين.
وفي نهاية المطاف، عاشت سلالة يوان لمدة قصيرة، قبل أن يبدأ تمرّداً في عام 1368، نتج عنه تدمير زانادو. ودفع هذا التمرّد الحكام المغول للعودة إلى منغوليا، مما أتاح لسلالةٍ صينية جديدة -وهي سلالة مينغ- بالسيطرة على الصين.
القبيلة الذهبية، التي عرفت الإسلام عن طريق بركة خان
يستخدم مصطلح "القبيلة الذهبية" لوصف الإمبراطورية المغولية التي سيطرت على مناطق من أوروبا. في عام 1263، سيطرت القبيلة الذهبية على مناطق من شرق أوروبا والقوقاز وغرب روسيا الحالية.
القبيلة الذهبية -التي حكمها بركة خان، بعد وفاة شقيقه باتو، وكرّسها في عهده لتكون إمبراطورية إسلامية- حافظت على علاقات جيدة مع القوى الأوروبية، مثل جمهورية جنوة في إيطاليا، وكانت تستخدم أحياناً أبناء جنوة بوصفهم وسطاء تجاريين.
كذلك حاولت القبيلة الذهبية السيطرة على أمراء المدن التي حكمتها، مثل موسكو، واستخدامهم وسطاء لجمع الضرائب. وفي بعض الأوقات كان الأمراء يتعاونون مع القبيلة الذهبية، بينما كانوا يطلقون الثورات ضد القبيلة الذهبية، التي كانت تضطر لإخمادها.
في المرحلة الزمنية بين أواسط القرن الرابع العشر وأواخره، واجهت القبيلة الذهبية عدداً من المشكلات، من بينها الطاعون الأسود، والثورات، والنزاعات حول من ينبغي له قيادة القبيلة، التي شهدت حالةً من التشرذم.
وشهدت أواخر القرن الرابع عشر تعرّض القبيلة الذهبية لهجمات من الدولة التيمورية، التي نشأت في إيران ووسط آسيا وقادها حاكم جديد وقتئذٍ، يُدعى تيمورلنك.
في العام 1395، حققت قوات تيمورلنك نصراً حاسماً في معركة نهر تيريك في القوقاز؛ مما أدى إلى تدمير غالبية أراضي القبيلة الذهبية. وتفككت بقية القبيلة الذهبية خلال القرن الخامس عشر.
خانية الجغطاي، الأطول عمراً في حكم المغول
كانت خانية الجغطاي، الإمبراطورية المغولية الأطول عمراً في أعقاب الحرب الأهلية التي عصفت بالإمبراطورية، وحكمت مساحةً كبيرة من الأراضي في وسط آسيا.
لا يوجد الكثير من المعلومات عن دخول الإسلام في هذا الفرع الذي حكم المنطقة الوسطى من إمبراطورية المغول، لكن الكثير من حكام هذه الدولة كانوا يستعينون بوزير من المسلمين، على الرغم من أن جغطاي خان كان يضيّق على المسلمين فيما يتعلق بشعائرهم. ويعتقد البعض أن جغطاي كان من ألد أعداء المسلمين من بين جميع إيخانات المغول.
لكن أرغنة، وهي زوجة قراهولاكو، حفيد جغطاي خان وخليفته في الحكم، ربّت ابنها على الإسلام.
وقد طالب في العام 1264 بالحكم، الذي كان محل نزاع بين أمراء المغول، لكن سرعان ما خلعه ابن عمه براق خان. ولم ينتشر الإسلام بشكلٍ واضح في هذا الفرع من إمبراطورية المغول، إلا في القرن الرابع عشر، بعدما أسلم طرما شيرين خان، ابن جغطاي خان، عام 1326.
اعترفت خانية الجغطاي بسلطة قوبلاي خان بوصفه "الخان الأعظم" لمدة قصيرة، قبل الانفصال في أواخر ستينيات القرن الثالث عشر، ثم شنّت حرباً في نهاية المطاف ضد سلالة يوان؛ وذلك وفقاً لما كتبه زانات كونداكباييفا، الأستاذ لدى جامعة الفارابي الوطنية الكازاخستانية، في كتابه "تاريخ كازاخستان: من العصر الأول حتى العصر الحالي".
استمرت خانية الجغطاي حتى نهاية القرن السابع عشر. وفي ستينيات القرن الرابع عشر، فُقد النصف الغربي من إمبراطورية خانية الجغطاي خلال حربٍ مع الإمبراطورية التيمورية، التي أسّسها تيمورلنك.