افتتان الإنسان بالحيوان قديم قدم الرسومات الأولى في الكهوف، وليس من الغريب أن تكون حدائق الحيوان عبر التاريخ واحدة من أكثر المقاصد الترفيهية بالنسبة للإنسان، برغم مناداة العديد من نشطاء حماية الحيوانات بمدى ابتعاد فكرة حدائق الحيوان عن الآدمية والرفق بهذه المخلوقات التي خلقت لتعيش في بيئاتها الطبيعية.
ولكن رغم ذلك لا تزال حدائق الحيوانات مزاراً مهماً للبشر طيلة الأوقات، وهو ما قد يجعلك تتساءل كيف بدأ تاريخ حدائق الحيوان؟ وكيف كانت قديماً؟ وأين؟ وهو ما سوف يتطرق إليه تقريرنا التالي.
أول حديقة حيوان في التاريخ
أول التجمعات لحيوانات برية أو تجمع لحيوانات بعيداً عن بيئتها الأصلية يعود إلى 2500 عام، قبل الحقبة العامة (قبل الميلاد)، بتدوينات ونقوش الحضارات القديمة في مصر، وحضارة بلاد ما بين النهرين، وكانت تلك الرسوم تتضمن حيوانات نادرة بالنسبة لمصر، مثل الفيلة والدببة والطيور الملونة، وحتى الدلافين والزَّراف والقردة العليا.
بالطبع لم تكن هي نفسها حدائق الحيوان المتعارف على فكرتها حالياً هي ما كانت عليه قديماً في بلاد مصر وما بين النهرين، ولكن الأمر كان أن الجيوش عادة ما تأتي بهذه الحيوانات، بعيداً عن بيئتها كتذكارات للنصر أو حتى لتربيتها في بيئات محلية وتوليد المزيد منها في البلاد، وليس لهدف المشاهدة أو تأمل هذه الحيوانات كما هو الحال اليوم، ولكن الأمور تغيرت لاحقاً
حدائق الحيوان قديماً
بعض المصادر تشير إلى أن الملكة حتشبسوت أسست أول "معرض عام" بهدف مشاهدة الحيوانات في حوالي عام 1480 قبل الميلاد، ويعتقد باحثون أن أول حديقة للحيوان بدأت بالحيوانات التي أحضرتها رحلة استكشافية، أرسلتها الملكة إلى دولة إريتريا الحديثة، والتي عرفت باسم "بلاد بونت" قديماً، ولم تدوّن الشواهد التاريخية السبب الحقيقي لبنائها لحديقة الحيوانات أو معرض الحيوانات، ولكن من المُرجح بحسب علماء المصريات أن ذلك كان لإظهار قوتها وثروتها وحقها في الحكم.
كما عثرت بعثات أثرية في الصين، وكان أبرز أمثلتها "حديقة الذكاء" التي الإمبراطور وين وانغ حوالي عام 1060 قبل الميلاد، وهي تضم الغزلان والطيور والأسماك، وكانت مفتوحة للجماهير العادية لمشاهدة نوادر الحيوانات.
كما كانت هناك العديد من الحفريات والآثار لوجود حدائق الحيوان في شكلها التقليدي في أغلب دول العالم، وكان أبرزها أمريكا الجنوبية، وتحديداً المكسيك، حيث كانت هناك حدائق حيوان تحتوى عدداً من الحيوانات المفترسة المحبوسة في أقفاص في فترة حضارة "الأزتك"، بجوار دلائل وجود حدائق الحيوان في بلدان مثل اليونان القديمة وروما القديمة التي احتوت على حيوانات برية مثل الدببة ووحيد القرن والنمور.
بداية تطور حدائق الحيوان
بدأت حدائق الحيوان في أوائل تاريخها بكونها حدائق خاصة للملوك والأمراء وعِلية القوم، وخاصة في أوروبا قبل القرون الوسطى، فمثلاً في إنجلترا، في عهد الملك هنري الأول أنشئت حديقة حيوان في حوالي عام 1110 في أحد المزارع الملكية الخاصة في مقاطعة أوكسفوردشاير. وتضمنت هذه الحديقة حيوانات غريبة على الجغرافيا الأوروبية مثل: النمور والجمال والأسود الإفريقية.
وكانت بعض تلك الحيوانات تعيش غالباً في تلك الفترات حياة فقيرة، مليئة بالترهيب وشُح الطعام، وكان يموت منها الكثير نظراً لقلة العناية أو لدخولها في حالات اكتئاب مثلما روت بعض المصادر عن موت الأسود والزراف والفيلة في فرنسا في القرن الخامس عشر، بجوار استخدام الحيوانات في الترفيه وتأدية العروض والحركات البهلوانية عبر الضرب والمعاملات غير الإنسانية.
بعد ذلك وبعد فترات القرون الوسطى، بدأت حدائق الحيوان في الدخول إلى دائرة الاهتمام من قبل الجميع بمن فيهم الأثرياء والنبلاء.
مع بداية عصر التنوير في أوروبا وبدايات القرن السابع عشر تحديداً، بدأت حدائق الحيوان بأشكالها الحديثة في الظهور في أنحاء أوروبا، وبدأ الاهتمام فيها برعاية الحيوانات والتركيز على الأبحاث العلمية والطبية التي تتمحور حولها بعد أن بدأ الشغف الإنساني في الازدياد حول بيولوجيا الحيوانات وعلومها.
أقدم وأكبر حدائق حيوانات العالم
تُعيد الكثير من المصادر أول حديقة حيوان منظمة إلى باريس بفرنسا عام 1793، والتي قام على الاهتمام بها الملك الفرنسي لويس السادس عشر وزوجته، وكانت مقصداً رئيسياً وهاماً للطبقة الأرستقراطية آنذاك، وإبان الثورة الفرنسية نقلت إلى منطقة أخرى في باريس، وعرف باسم دو جاردان دي بلانت، ولا تزال هذه الحديقة موجودة بنفس بنائها الأصلي حتى اليوم، وما زالت تحتوى مجموعة كبيرة من الحيوانات من مختلف أنحاء العالم.
ولكن أقدم حديقة حيوان في العالم التي لا تزال تعمل حتى اليوم هي حديقة حيوانات فيينا بالنمسا، والتي يعود تاريخ إنشائها إلى 1752، والتي تقع مكان قصر "شكونبيرن" الملكي الخاص بالملك "فرانز ستيفان" الأول، التي مرت بتاريخ طويل، كان من أبرز نقاطه أنها احتوت أول زرافة في تاريخ النمسا، والتي أثارت اهتمام النمساويين لدرجة الهوس، لدرجة أنه ظهرت موضات في الملابس وتصفيف الشعر مستوحاة منها.
أما لقب أكبر حديقة حيوانات في العالم حالياً فهو لحديقة "ذا وايلدس سافاري بارك" في ولاية أوهايو الأمريكية، التي تبلغ مساحتها 3704 أفدنة من المساحات المفتوحة، وتحتوي أكثر من 25 فصيلة من الحيوانات البرية، بما فيها الذئاب والجمال ووحيد القرن والغزلان والحمير الوحشية وأفراس النهر والطيور البرية وغيرها.