من مارلون براندو وأودري هيبورن، وصولاً إلى مايكل جاكسون؛ أثبتت نظارات ريبان أنها صديقة المشاهير وأنها رقمٌ صعب في عالم الموضة. طيلة 85 عاماً، تمكنت هذه العلامة التجارية من أن تتصدّر السوق التجارية.
لكن وبالعودة إلى التاريخ، فإن تلك النظارات الشعبية لم تُصنّع في البداية لتنافِس في عالم الموضة، إنما لعزل عيون الطيارين وحمايتها من ضوء الشمس في الغلاف الجوي العلوي. تعالوا نتعرّف إلى القصة المثيرة وراء تلك النظارات.
أصل نظارات ريبان
في أوائل القرن العشرين، عندما بدأ طيارو الاختبار بالتحليق أعلى جبل إيفرست، كان عليهم تحصين أنفسهم ضدّ درجات الحرارة المنخفضة، والتي كانت تصل إلى ما يُقارب الـ62 درجة تحت الصفر.
وللنجاة من التجمّد، ارتدى الطيارون أغطية جلدية وعزلوا عيونهم بواسطة الـGoggles، نظارات واقية كانت حينها مبطّنة بالفراء. رفع هذه النظارات الواقية، ولو للحظة، كان من شأنه أن يتحوّل إلى مخاطرة بالموت.
بدأت القصة في العام 1920 عندما تجرأ الطيار الأمريكي رودواف شرودر، المعروف بـ"شورتي"، على ركوب طائرة ذات سطحين فوق 33 ألف قدم. تعطلت نظاراته الواقية حينها، ولم يكن لديه خيار سوى خلعها. ما هي إلا لحظات، حتى تشوش بصره، وسرعان ما تجمّدت عيناه.
تمكّن شرودر من الهبوط بالطائرة في ذلك اليوم، وساعد صديقه جون ماكريدي في إخراجه من قمرة القيادة. بعد شهر، صعد ماكريدي إلى الطائرة نفسها بهدف تحطيم الرقم القياسي للارتفاع الذي سجّله زميله شرودر.
وكما حصل مع شرودر، اعتمد ماكريدي على نظارات واقية مصمّمة لحماية عينيه من البرد. لكن يبدو أن النظارة لم تكن مظلمة بما فيه الكفاية، لأن ضوء الشمس الساطع في الغلاف الجوي العلوي كان مؤذياً لعينيه.
وهكذا لجأ ماكريدي إلى شركة Bausch & Lomb لتصميم نظاراتٍ واقية مناسبة- بشكلٍ خاص- لحماية العيون من الانبهار في الستراتوسفير؛ وهي إحدى طبقات الجو العليا التي تعلو طبقة التروبوسفير، وتمتد من ارتفاع 18 إلى نحو 50 كلم فوق سطح البحر.
شكل الـAviator الذي اشتهرت به نظارات ريبان
بحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن ماكريدي أعطى الشركة شكل النظارات الأصلي- الذي اشتهرت به علامة "الريبان" التجارية- إضافةً إلى اللون الملائم لـAviator، وفق ما أعلنت ابنته سالي ماكريدي والاس.
وبحلول أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي، وعدت إعلانات نظارات ريبان التابعة لشركة Bausch & Lomb بـ"حمايةٍ حقيقية من الوهج العلمي" للصيادين ولاعبي الغولف.
ورغم أن اسم Aviator لم يكن قد أُطلق على تلك النظارات، إلا أن الشركة التقطت جوهر نظارات الـGoggles التي استخدمها الطيّارون آنذاك. وقد بيعت هذه النظارات في البداية كأحد مكمّلات للأغراض الرياضية، ولم تتعدَّ تكلفتها بضع الدولارات.
بدأ تصنيع النظارات وبيعها في عام 1937؛ وقد أُطلق عليها في البداية اسم Ray-Banner، فقد اشتُقّ اسم العلامة التجارية من القدرة على حظر أشعة الشمس. ومن هنا جاء اسم Ray-Ban.
لاحقاً خلال الحرب العالمية الثانية، أصبحت نظارة الـAviator عتاداً أساسياً للعسكريين الأمريكيين، بمن فيهم الجنرال دوغلاس ماك آرثر، رئيس أركان جيش الولايات المتحدة آنذاك والتي غالباً ما كان يرتديها في جولاته ومهماته الرسمية.
بدأ تسويق نظارات ريبان في الخارج سنة 1960، في أوروبا وأمريكا فقط؛ وقد عرفت إقبالاً عالمياً منقطع النظير في الثمانينيات، حين بدأت الشركة تخاطب جميع الفئات العمرية من خلال تصنيع أشكالٍ وألوانٍ مختلفة.
بحلول سبعينيات القرن الماضي، دخلت الألوان إلى إطارات "الريبان"، واستُحدثت نسخة نسائية باللون الوردي، والأحجار المتلألئة. وقد عملت الشركة بذكاءٍ حاد، فبدا وكأن هناك Aviator يناسب الجميع.
نظارات ريبان ونجاحٌ عالمي منقطع النظير
حينها بدأت نظارات "الريبان" تلقى رواجاً عالياً بين الوجوه الأكثر شهرةً في ذلك القرن؛ من إلفيس بريسلي، إلى جيمس دين، وصولاً إلى المجرم تيد كازينسكي الذي أرهب الولايات المتحدة طيلة 20 عاماً، والمعروف باسم Unabomber.
ولمن تابع سلسلة Unabomber، التي عرضتها نتفليكس في العام 2020، فإن الصورة الأشهر التي وُزّعت للقاتل تيد كازينسكي، كان يرتدي فيها نظارات ريبان الشهيرة؛ حتى إن الفيلم الذي صدر في مايو/أيار الماضي عن قصته، يُبرزه بالنظارات الشهيرة.
كان مارلون براندو أوّل من جعل نظارات "الريبان" نجمةً في هوليوود، عندما تزيّن بها مع السترة الجلدية الشهيرة في فيلم The Wild One عام 1951. لاحقاً بدأت الشركة تُطلق حملات إعلانية، ولجأت إلى أيقونات في هوليوود، مثل أودري هيبورن التي ارتدت نظارات على شكل Wayfarers في فيلم Breakfast at Tiffany's عام 1961.
في التسعينيات، رسّخت "ريبان" وجودها في السوق العالمية عندما اجتاحت هوليوود. لم يبقَ ممثلٌ لم يرتدِ النظارات الشهيرة:
- دينزل واشنطن في Malcolm X عام 1992.
- تيم روث في Reservoir Dogs عام 1992.
- ويل سميث وتومي لي جونز في Men In Black عام 1997.
- جوني ديب في Fear and Loathing in Las Vegas عام 1998.
وفي العام 1999، استحوذت الشركة الإيطالية Luxottica على Bausch & Lomb من خلال صفقةٍ بقيمة 640 مليون دولار. وفي العام 2006 باعت الشركة 14 مليون نظارة، وكانت تطمح أن تصل إلى المليار.
ومع هذا التاريخ الثري، لا نبالغ لو قلنا إن العلامة التجارية الأمريكية قد تركت بصمةً غير مسبوقة في التاريخ الثقافي حول العالم، ولا يمكن إنكار تأثير هذه النظارات على أجيالٍ بكاملها.