عندما نسمع بأسماء مثل مارتن لوثر كينغ أو نيلسون مانديلا أو مالكوم إكس، فإن أول ما سيخطر ببالنا هو مواقفهم الشُّجاعة التي بذلوا حياتهم من أجلها، حتى يعيدوا حقوق الأفارقة، ويحققوا المساواة لهم، وينهوا التمييز العنصري الذي تعرضوا له على مدار مئات السنوات.
لكن في الوقت ذاته، يواجه هؤلاء المناضلون اتهامات لا يمكن تأكيد مصداقيتها، فمنهم من تمّ وضعه على قوائم الإرهاب، ومنهم من اتهم بأنه زير نساء! تعالوا نتعرف عليهم وعلى إنجازاتهم، وعلى الاتهامات التي تعرضوا لها بشكل أكبر.
مارتن لوثر كينغ الابن.. زير نساء ومُشجع للاغتصاب!
وُلد مارتن لوثر كينغ الابن في 15 يناير/كانون الثاني 1929، بولاية أتلانتا الأمريكية، وكان زعيماً من أصول إفريقية، وناشطاً سياسياً إنسانياً مطالباً بإنهاء التمييز العنصري ضد السود في الولايات المتحدة.
يُعتبر مارتن لوثر كينغ الابن من أهم الشخصيات التي ناضلت في سبيل الحرية وحقوق الإنسان، من خلال تأسيس حركة مسيحية جنوبية كان لها الفضل في تحصيل حقوق الأفارقة.
وربما يعود الفضل في ذلك إلى والده الذي قاد في العام 1936، مسيرة للسود في أتلانتا؛ للاحتجاج على التمييز في حقوق التصويت.
عندما دخل كينغ الابن الجامعة عدّل من موقفه تجاه البيض، وركّز غضبه على الظلم بدلاً من كراهية شخص بعينه، واستطاع أن يدلي بخطاب أمام نصب لينكولن التذكاري وجَّهه إلى الحزبين الأساسيين في الولايات المتحدة "الجمهوري والديمقراطي"، وردد خلاله صيحته الشهيرة "أعطونا حق الانتخاب".
فيما بعد وتحديداً عند تولي الرئيس جون كينيدي البلاد، حاول لوثر كينغ أن يلفت انتباهه إلى الأزمة العنصرية المتزايدة، لكنّ الحكومة الجديدة لم تعره أي انتباه، فقرر أن يبدأ مقاومته السلميّة.
في صيف 1963 بدأ كينغ ينسق لمجموعة مظاهرات سلميّة، إحداها كانت بمشاركة 250 ألف شخص، من بينهم 60 ألف شخص أبيض، وتوجهوا جميعاً نحو نصب لينكولن التذكاري، وهي المظاهرة التي تعتبر الأكبر في تاريخ الحقوق المدنية بالبلاد.
وفي العام التالي صدر قانون حقوق التصويت الانتخابي الفيدرالي الذي أعاد للسود حقوقهم. وفي العام 1964 حصل على جائزة نوبل للسلام، وكان أصغر من يحوزها.
وعلى الرغم من التاريخ النضالي المشرف لكينغ الابن، فإن تقريراً نشره مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI ونقله موقع Independent البريطاني، قام بتلطيخ سمعته إلى حدّ ما.
ووفقاً للتقرير فإن مكتب التحقيقات الفيدرالي أطلق قبل نحو 6 عقود، عملية ضخمة ضمّت مخبرين سريين وشملت التنصت على مكالماته الهاتفية والتجسس على الغرف الفندقية التي أقام فيها.
ويضم التقرير قول ج. إدغار هوفر الذي كان أول رئيس لمكتب التحقيقات الفيدرالي، إنّ لوثر كينغ زعيم الحقوق المدنية كان "كاذباً سيئ السمعة" و"واحداً من أحقر الشخصيات في البلاد".
كما تضمن التقرير شريطاً مسجلاً لكينغ وهو يضحك ويقدم نصيحة لـ "قسّ" قام باغتصاب امرأة، وأن تلك الحادثة جرت على بُعد بضع أقدام فقط من البيت الأبيض.
إضافة إلى أن كينغ كان زير نساء، ودخل في علاقات مع نحو 40 امرأة خارج إطار الزواج.
قد يتساءل البعض: لماذا لم تقم المخابرات حينها بكشف هذه المعلومات وفضّلت التستر عليها؟
هذا السؤال أجاب عنه المؤرخ الأمريكي ديفيد جارو، الذي قال للصحيفة البريطانية: "في ذلك الوقت، كان يجب الالتزام بمبادئ الأخلاق في الولايات المتحدة، من خلال منع تداول الشؤون الخاصة بالرجال البارزين على أساس أنها (أخبار)، وهو ما كان يحمي جون كينيدي أيضاً".
وأضاف أنه حاول الوصول إلى الملفات التي تتحدث عنها المخابرات والموجودة في مجموعة المحفوظات الوطنية الأمريكية، لكنه لا يسمح للصحافة بالوصول إليها.
توفي مارتن لوثر كينغ الابن في 4 أبريل/نيسان 1968، عندما كان يهم لخطاب جماهيري في ممفيس بولاية تينيسي بالولايات المتحدة، قبل أن يغتاله جيمس إرل راي بطلقة من سلاحه القناص استقرت في حنجرته.
مالكوم إكس.. داعٍ للعنف ضد البيض!
وُلد مالكوم إكس يوم 19 مايو/أيار 1925، بمدينة أوماها بولاية نبراسكا الأمريكية، وله ثمانية إخوة من أب قس في أسرة من أصول إفريقية.
اضطر مالكوم وعائلته إلى تغيير مكان إقامتهم مرات عدّة؛ لتجنب تهديدات عنصرية من البيض طالت والده إيرل ليتل، بسبب مشاركته في منظمة "القومية السوداء".
ورغم تغيير السكن مرات عدّة فإن والده وُجد مقتولاً في العام 1931 على سكة قطار مدينة لانسنغ في ولاية ميتشغان، وتمّ توجيه أصابع الاتهام نحو مجموعة عنصرية متطرفة كانت تلاحق والده.
ما زاد الطين بلّة أن والدته أُدخلت إلى مصحة الأمراض العقلية بعد وفاة زوجها بـ7 أعوام، بسبب حزنها عليه، الأمر الذي شرذم أبناءها في مراكز الرعاية.
كان مالكوم إكس يرغب في دراسة القانون لكن عنصرية أستاذه بالمرحلة الثانوية جعلته يترك المدرسة، عندما قال له إنّ دراسة القانون هدف غير واقعي للسود، الأمر الذي جعله يرحل إلى مدينة بوسطن وينخرط بلعب القمار وترويج المخدرات حتى تمت إدانته بتهمة السرقة والسطو المسلح في العام 1946، وتم الحكم عليه بالسجن 6 سنوات.
استغل إكس فترة سجنه تلك بتثقيف نفسه بشكل ذاتي من خلال قراءة الكتب، وكان لا يزال يبلغ من العمر 21 عاماً فقط، كما انضم إلى حركة "أمة الإسلام" وبات أحد قادتها عند إطلاق سراحه من السجن، كما قام باتخاذ لقب "إكس" لقباً جديداً لعائلته بدلاً من "ليتل" الذي اعتبره دليلاً على العبودية.
خلال سنوات قليلة استطاع إكس مضاعفة أعضاء الحركة من 500 عضو في 1952 إلى 30 ألفاً في 1963، حتى صنفته صحيفة نيويورك تايمز بأنه أحد أكثر الخطباء الذين يحظون بمتابعة الأمريكيين في الولايات المتحدة.
كما يعتبر أحد المؤثرين الذين أدخلوا الملاكم الشهير كاسيوس كلاي إلى الإسلام واستبدال اسمه بـ"محمد علي كلاي".
خلال فترة وجوده في حركة "أمة الإسلام"، كان إكس يعمل وفقاً لمصالح الحركة التي كانت تعمل على تحريض السود على البيض من خلال دعوتها إلى تفوق الجنس الأسود وسيادته على الأبيض، وهو السبب الرئيسي الذي جعل البعض يحرّف سيرته الذاتية ويتهمه بأنه كان داعياً إلى العنف ضد البيض.
لذلك تؤكد ابنته إلياسا أنه وبعد خروجه من منظمة أمة الإسلام في عام 1964، تحولت أفكاره ومعتقداته تحولاً جذرياً، فانضم إلى منظمة المذهب السني وهناك تطورت مواقفه حول كثير من المواضيع مثل حقوق المرأة، والزواج بين الأعراق، وإمكانية العمل مع جميع الأجناس والألوان ضد الظلم وتحت رابط الأخوة المشتركة.
في 21 فبراير/شباط عام 1965، تعرض مالكوم إكس للاغتيال على يد 3 من أعضاء حركة "أمة الإسلام" في نيويورك.
نيلسون مانديلا وُضع على قوائم الإرهاب حتى 2008!
وُلد نيلسون مانديلا عام 1918 وسمّاه والده روليهلاهلا، أي "المشاكس" بلغته الأفريكانية.
وبعد وفاة والده في سنٍّ صغيرة انتقل للعيش مع حاكم شعب الثامبو الذي كان على علاقة جيدة بوالده.
كفلت له تلك العلاقة موقعاً مميزاً بين الأطفال، فقد كان أحد الأطفال الأفارقة الأوائل الذين استطاعوا الدخول للمدرسة الابتدائية، ثمّ أكمل دراسته في مدرسة الإرسالية.
وفي اليوم الأول أعطته مدرّسته اسم "نيلسون" على عادة المدرسة في تلك الفترة بإعطاء الأطفال الأفارقة أسماء أخرى.
بدأ نيلسون مسيرته النضالية في الكليّة، فقد انضمّ للاحتجاجات الطلابية التي انطلقت ضدّ سياسات التمييز العنصريّ، وطُرد على أثر مشاركته تلك من الكلية عام 1940
وعبر رحلةٍ طويلة استطاع مانديلا أن يكمل دراسته بالمراسلة ليحصل على ليسانس الحقوق من جوهانسبرغ.
انضمّ مانديلا إلى حزب المؤتمر الوطني الإفريقي وأصبح من قياداته، وكانت خطبه تؤثر بشدة في الجماهير، وفي الخمسينيات ومع تصاعد الأحداث بين المحتجين وحكومة الفصل العنصري وصلت اشتراكات الحزب من 80 ألف عضو إلى 100 ألف.
مجزرة شاربفيل
في يوم 21 مارس/آذار 1960، تجمّعت حشود السود أمام مركز للشرطة في مقاطعة ترانسفال في مظاهرات؛ احتجاجاً على قوانين الاجتياز، وهي قوانين استعمارية سنّتها بريطانيا قديماً لتقييد حركة السود من أماكن تجمعاتهم إلى المدن التي يقطنها عادةً المستعمرون وذوو البشرة البيضاء.
أطلقت الشرطة الرصاص الحيّ على الحشود، فأودت بحياة 69 محتجاً سلمياً، وكان إجمالي الضحايا 289 بينهم 29 طفلاً. واليوم تعتبر ذكرى هذا اليوم عطلةً رسميّة؛ تخليداً لحقوق الإنسان وضحايا مذبحة شاربفيل.
أسس نيلسون مانديلا ورفاقه منظمةً عسكرية باسم "رمح الأمّة" عام 1961، لتكون الجناح المسلّح للمؤتمر الوطني الإفريقي الذي كانت مقاومته حتى الآن مقاومة سلميّة.
وبدأت المنظمة استهداف منشآت حكوميّة وعسكرية، واتهمتها الحكومة اتهاماتٍ عديدة، من بينها أنها منظمة شيوعية تعمل لحساب الاتحاد السوفييتي، ليتم اعتقال مانديلا ويوضع بالسجن.
وفي يوليو/تموز 1963، وبينما كان مانديلا يقضي حكماً بالسجن 5 سنين، داهمت الشرطة مزرعةً كانت مقراً لمنظمة رمح الأمة، ووجدت بعض الوثائق وفيها اسم مانديلا، فاتهمته الحكومة بالتخريب والتآمر وغيرها من التهم، فتم الحكم عليه بالسجن المؤبد، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة تضعه على قوائم الإرهاب لديها.
وبعد 27 عاماً من السجن، وبعد ضغوطٍ دولية كبيرة ونضالٍ للسود في جنوب إفريقيا، اضطرت الحكومة إلى الإفراج عن نيلسون مانديلا عام 1990.
وعبر مفاوضاتٍ طويلة، ونقاش مطوّل مع الرئيس الجنوب إفريقي حنيها ويليام دي كليرك، انتهى نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا أخيراً، ونال نيلسون مانديلا ودي كليرك مناصفةً جائزة نوبل للسلام عام 1993.
بعد تلك المفاوضات الصعبة، تبنّت جنوب إفريقيا دستوراً عادلاً، وأقرت كلّ الحقوق لكلّ مواطني جنوب إفريقيا على قدم المساواة، وانتخب مانديلا رئيساً لها عام 1994، وكان حينها في عمر 76. فكان أوّل رئيس أسود يحكم جنوب إفريقيا.
وفي عام 2008 صدّق الرئيس الأمريكي جورج بوش على شطب رئيس جنوب إفريقيا السابق نيلسون مانديلا وحزب المؤتمر الوطني الذي كان يتزعمه، من لائحة الإرهاب.