ماذا يخطر ببالك عندما نتحدث عن سويسرا؟ قد تتذكر الساعات السويسرية الفاخرة، أو البنوك الآمنة التي يلجأ إليها أصحاب الأموال حول العالم، ولا بد أن اسم هذا البلد مرتبط في مخيلتك بشكل أو بآخر بالسلام والاستقرار، ومن الطبيعي أن تكون هذه الصورة عن سويسرا التي أعلنت حيادها وابتعادها عن الحروب الدولية منذ فترة طويلة.
وما قد لا تعلمه أن سويسرا كانت وادعة حتى في تلك الأيام التي اضطرت فيها لخوض الحروب، فقد استطاعت أن تنهي حرباً أهلية دينية بطبق "حساء".. تعالوا نروِ لكم القصة:
طبق "حساء" يوقف الحرب في سويسرا
تدور أحداث قصتنا في في أوائل القرن السادس عشر، عندما نشأ صراع بين القوات البروتستانتية ومقرها "زيورخ" والقوات الكاثوليكية ومقرها "تسوغ"، إذ كان الكاثوليك يمثلون تيار الإصلاح المسيحي في سويسرا.
خاض الطرفان نزاعات عُرفت تاريخياً باسم "حرب كابيل الأولى"، وعلى الرغم من النهاية شديدة السلمية لهذه الحرب فإنها بدأت بإراقة بعض الدماء، فقد قام البروتستانت بإعدام قِس كاثوليكي في ثورجو في مايو/أيار 1528 ورد الكاثوليك بإحراق قس بروتستانتي في بادن.
كذلك نشأت صراعات على ملكيات الأراضي بين الطرفين فأغار الكاثوليك على أراضي البروتستانت وأغار البروتستانت على أراضي الكاثوليك، وحلَّت الفوضى في المعسكرين المتنازعين مع فشل جميع محاولات الوساطة لحل النزاع.
وبعد كر وفر ونزاعات واستفزازات من كلا الجانبين، أعلنت زيورخ الحرب أخيراً في 8 يونيو/حزيران من عام 1529، واحتلت ثورجو وأراضي دير سانت غال وسارت بجيوشها إلى كابيل، على حدود تسوغ.
لكن لم يخطر ببال أحد من أمراء الحرب، أن الجوع سيكون كفيلاً بإيقاف النزاع بين الطرفين وإحلال السلام ولو لمدة بسيطة من الزمن.
جنود جائعون يحسمون النتيجة
تقول الحكاية إن الجيشين المتصارعين اللذين التقيا في كابيل لم يريقا الدماء في ساحة المعركة، بل قاما ببساطة بتقاسم بعض الحساء الساخن اللذيذ.
فبينما كان الجيشان في الميدان بدأ الحديث عن وساطة لتجنب الحرب المفتوحة بين الطرفين، وبينما كانت المفاوضات تجري بالفعل تجنب الجنود من الطرفين القيام بأي أعمال استفزازية ولم يكن لديهم رغبة في واقع الأمر بنشوب القتال.
وبينما لم يحسم أمر المفاوضات بعد كان الجنود من كلا المعسكرين يتبادلون أطراف الحديث وتآخوا فيما بينهم.
وتقول سوزان كورتالس، المؤرخة السابقة في دير كابيل عن تلك اللحظات: "استمرت المفاوضات، ولكن لدهشة الجميع، توسط المشاة في هدنة خاصة بهم على قدر للطهي أثناء تواجدهم في ساحة المعركة. بطبيعة الحال، كانوا يعانون من الجوع بعد المسيرة الطويلة، وكان لدى زيورخ الكثير من الخبز والملح، بينما كان لدى تسوغ فائض من الحليب من مزارعها. ومن هناك ولدت الأسطورة".
فبدلاً من أن يشتبك الجنود الجائعون مع بعضهم البعض، قاموا ببساطة بصنع طبق لذيذ من الحساء وتقاسمه كرمز للإخاء والسلام.
وهكذا حسم هؤلاء الجنود نتيجة حرب كابيل الأولى لصالح السلام، والطعام!
مع ذلك، ولسوء الحظ، لم يكن الحساء كافياً لوقف القتال إلى أجل غير مسمى.
فقد نشبت حرب كابيل الثانية عام 1531. ومن المفارقات أن الحظر الغذائي المفروض على الكاثوليك أعاد الجيشين إلى الحرب؛ مما أدى إلى حل في الإصلاح البروتستانتي في سويسرا. في النهاية، كان الفوز حليف الروم الكاثوليك عندما قُتل زعيم زيورخ البروتستانتي هولدريش زوينجلي.
ومع ذلك، أصبح الحساء الأسطوري والأراضي التي كان من المقرر أن تشهد حرب كابيل الأولى رمزاً دائماً للسلام في سويسرا. ولا يزال هناك نصب تذكاري للقاء الجيشين في ساحة المعركة الأصلي غير الدموي حتى يومنا هذا، وفقاً لما ورد في موقع History Net.
تقول كورتالس: "شهدت هذه الحقول بعضاً من أهم اللحظات في تاريخ سويسرا". وأضافت: "وجدت سويسرا طريقة لتقديم تنازلات هنا. للتركيز على ما هو مشترك بيننا بدلاً من التركيز على خلافاتنا. يبدو الأمر رائعاً، لكننا فعلناه مع وعاء من الحساء".
حساء الحليب.. أيقونة وطنية سويسرية
منذ أن ساهم هذا الحساء في إنهاء الحرب أصبح طبقاً سويسرياً تقليدياً، وفقاً لما ورد في شبكة BBC البريطانية.
وقد صنع الجنود حساء قوامه الرئيسي من الحليب والخبز، وقد كتب الطاهي والمدون السويسري آندي بايلوت: "اختلط الجنود من كلا الجانبين وتناولوا العشاء معاً في نهاية المطاف. من المفترض أن القوات من تسوغ قدمت الحليب، وأولئك من زيورخ قدموا الخبز لصنع هذا الحساء".
وعلى الرغم من عدم وجود وصفة دقيقة للحساء الذي صنع منذ 500 عام، فإنه بات طبقاً تقليدياً فاخراً يقدم في مختلف المدن السويسرية، ويصنع بشكل أساسي من الخبز والحليب بينما تضاف إليه إضافات عدة تختلف من مدينة إلى أخرى مثل الزبدة والجبن والبصل والثوم.