في الوقت الذي يحتفل فيه العالم في الـ8 من مايو/أيار بذكرى انتصار دول الحلفاء على دول المحور بقيادة ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، يستذكر الجزائريون ذكرى المجازر التي ارتكبتها بحقهم فرنسا الفيشيّة في التاريخ ذاته.
الماضي الاستعماري الفرنسي قبل ارتكاب مجزرة الجزائر 1945
يعود تاريخ الاستعمار الفرنسي للجزائر إلى بداية القرن الـ19، عندما غزت قوة استكشافية فرنسية بقيادة الجنرال لويس دي بومون، البلاد في يونيو/حزيران 1830، لتنهي معها أكثر من 300 عام من الحكم العثماني.
ومع ذلك، سرعان ما اضطر الفرنسيون إلى إرسال قوات إضافية للتعامل مع القبائل الأمازيغية التي توحدت لطردهم، وقد استغرق الأمر حتى نهاية 1947 للفرنسيين للسيطرة على المنطقة.
في السنوات التالية، استقر العديد من الفرنسيين والأوروبيين الآخرين في البلاد، سرى هذا الاستعمار بسلاسة نسبياً في المدن الكبرى ولكنه تسبب في استياء سكان الريف عندما استولى بعض المستوطنين بشكل غير قانوني على أخصب قطع الأراضي الزراعية.
كيف بدأت مجازر 8 ماي في الجزائر؟
لنعد إلى ما قبل 77 عاماً، وتحديداً يوم 8 مايو/أيار 1945، وهو اليوم ذاته الذي وصلت فيه أنباء استسلام ألمانيا النازية إلى الغرب، اندلعت انتفاضة عفويّة في مدينة سطيف الجزائرية وبعض القرى المجاورة.
أثارت هذه المظاهرات رد فعل عنيفاً من قبل سلطات المستعمر الفرنسيّ ودفعته إلى ارتكاب مجازر بحق الجزائريين فيما عُرف باسم "مجازر 8 مايو" أو كما يطلق عليها أيضاً اسم "مذبحة سطيف".
بدأت القصة في مدينة سطيف وهي من أهم مدن الشرق الجزائري، عندما تم التخطيط للاحتفال بسقوط قوات المحور في الحرب العالمية الثانية، ومن ضمن هذا الاحتفال تم التخطيط لرفع أعلام دول الحلفاء وأبرزها: (الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، والاتحاد السوفييتي، والصين، وفرنسا، وبولندا، وكندا وغيرها).
كانت هذه الاحتفالية فرصة سانحة لمؤيدي حزب الشعب الجزائري الوطني الذي أسسه مصالي الحاج في العام 1937، من أجل رفع العلم الجزائري في الاحتفال؛ للفت الأنظار إلى مطالبهم بشأن استقلال الجزائر عن فرنسا.
لكن السلطات الفرنسية وفقاً لما ذكره موقع History of Yesterday التاريخي، حظرت تماماً أي عرض قومي للجزائريين في الاحتفالات، لكنّ شاباً يبلغ من العمر 26 عاماً فقط يدعى "بوزيد سعال"، أبى إلا أن يرفع العلم الجزائري، فقام شرطي يدعى "أوليفيري" بإطلاق النار عليه وإردائه قتيلاً، وهي اللحظة التي باتت بمثابة إعلان رسمي باندلاع الانتفاضة الجزائريّة بوجه الفرنسيين.
رد وحشي من الفرنسيين الذين قتلوا نحو 45 ألف جزائري!
أثارت حادثة مقتل بوزيد سعال سخط الجزائريين في سطيف وباقي المدن الجزائرية، بدأ الناس بالخروج في المظاهرات واتسعت رقعتها فتحولت إلى انتفاضة شعبيّة كاملة، كما انقلب حشد غاضب على البعثة الفرنسية وقتلوا قائدها.
وصلت أخبار الانتفاضة الشعبية إلى العاصمة باريس، فتم إرسال الجنرال ريموند دوفال مصحوباً بقوة عسكرية كبيرة لقمعها.
على مدار عدّة أيام نفذ الاستعمار الفرنسي وميليشياته عمليات قتل جماعية، بحق الجزائريين، في عدة مناطق، أبرزها: سطيف والمسيلة وقالمة وخراطة وسوق أهراس، ولم تستثنِ الأطفال ولا النساء ولا كبار السن، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الجزائريّة.
وأضافت الوكالة أن القوات الفرنسية أعدمت كثيراً من المدنيين عن طريق إطلاق النار عليهم من مسافة قريبة، بينما نُقل آخرون في شاحنات ليتم دفعهم إلى الوديان، أو إخراجهم من المدن وإعدامهم قبل حرق جثثهم، ومن ثم دفنهم في مقابر جماعية، وأن الفرنسيين استخدموا أيضاً أفران الجير؛ للتخلص من جثث الضحايا.
وتقدّر الوكالة مقتل نحو 45 ألف جزائري خلال تلك المذبحة، في حين تقول مصادر غير رسمية إن الأعداد تتجاوز ذلك الرقم.
في حين وكالة أنباء روسيا اليوم إن قوات الجيش الفرنسي بدأت عملياتها ضد المتظاهرين الجزائريين في سطيف في 14 مايو/أيار، فأرسل الطراد (Duguay-Trouin) حممه على المدينة، إضافة إلى المدفعية الثقيلة، دخلت عقب ذلك ساحة المجزرة الطائرات الحربية التي حولت سطيف إلى ركام مرسلة عليها 41 طناً من القنابل، وبالنهاية دخل المشاة إلى المنطقة لتنظيفها من الأحياء.
هذا الحدث كان شرارة الثورة التحرير الجزائرية ثم الاستقلال
كانت هذه المذبحة الشنيعة كفيلة بإيقاف الانتفاضة الشعبية، لكنها كانت بمثابة شرارة قابلة للاشتعال في أي لحظة، وكانت اللحظة المناسبة في عام 1954 عندما انتشرت أخبار في الجزائر عن تعرض الفرنسيين لهزيمة ساحقة في ديان بيان فو، على يد الفيتناميين وبأنها بدأت تنسحب من مستعمراتها في جنوب شرقي آسيا، ما أعاد للجزائريين تطلعاتهم القديمة إلى الاستقلال.
وبالفعل لم تكد تمضي أشهر قليلة، حتى بدأت جبهة التحرير الوطنية بقيادة أحمد بن بلّة بإطلاق شرارة "الثورة التحريرية" التي استمرت على مدار نحو 8 سنوات حتى العام 1962، لتعترف بعدها فرنسا بالجزائر دولة مستقلة، وليتم تعيين أحمد بن بلة ذاته أول رئيس للجزائر بعد الاستقلال.
انتقادات رسمية جزائرية متواصلة للمذابح الفرنسية
في حين يواصل القادة الجزائريون بالوقت الحالي استنكار تلك المجازر التي ارتكبها الفرنسيون في بلادهم، كما يواصلون مطالبتهم فرنسا بالاعتراف والاعتذار عن الجرائم في تلك الفترة الاستعمارية، لكن باريس تطالب في كل مرة بطيّ صفحة الماضي والتوجه نحو المستقبل.
آخر تلك المطالبات جاءت من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في 7 مايو/أيار 2022، عندما وصفها بـ"المجازر البشعة التي لا يمكن أن يطويها النسيان".
كما أضاف الرئيس الجزائري أن مجازر 8 مايو/أيار ستظل محفورة بمآسيها في الذاكرة الوطنية.
قد يهمك أيضاً: الملك المغربي محمد الخامس كان سيصعد معهم.. قصة اختطاف فرنسا طائرة زعماء الثورة الجزائرية