كان العالم الكندي كيث مور ضمن حضور المؤتمر الدولي للإعجاز العلمي الذي عُقد في موسكو أواخر السبعينيات، وهناك سمع بعض الآيات التي تحدثت عن تكوين الجنين والظلمات الثلاث ونمو الإنسان، فأُثير فضوله.
تساءل العالم الذي يعد من أحد كبار العلماء في علم التشريح والأجنة كيف يمكن لكتاب من القرن السابع أو لشخص قبل 1400 عام أن يصف أطوار تطور الجنين بهذه الدقة، والتي لم تكُن معروفة حتى القرن الماضي، فبدأت رحلته مع تدبر القرآن.
وبعد رحلة طويلة من البحث والمقارنة بين ما ورد في آيات القرآن الكريم، وما لاحظه شخصياً، أقر العالم بصدقية الآيات المذكورة، وقال إن ما ورد في القرآن الكريم لا يمكن أن يصدر عن محمد (عليه الصلاة والسلام) في القرن السابع الميلادي، خصوصاً أن العلماء لم يكتشفوه إلا في أواخر القرن العشرين، مقراً بأنه كلام الله وبأن محمداً رسول الله.
ورغم هذا الإعلان الذي أقر علناً، إلا أن مور لم يقر صراحةً إسلامه، وإن كان الداعية الإسلامي زغلول النجار وعبد المجيد الزنداني أكدا هذا الأمر.
من هو كيث مور؟
وُلد كيث مور أو كيث إل مور عام 1925 لأب يشغل منصب قسيس مدينة برانتفورد الكندية.
تابع تحصيله العلمي حتى أصبح أستاذاً في قسم التشريح بكلية الجراحة بجامعة تورنتو الكندية، وعميداً مشاركاً للعلوم الطبية الأساسية ورئيساً لقسم التشريح من 1976 إلى 1984.
كان أيضاً عضواً مؤسساً في الرابطة الأمريكية لعلماء التشريح السريري (AACA) ورئيس الرابطة بين عامي 1989 و1991، وتصفه جامعة ويسترن الكندية المرموقة بأنه "أسطورة التشريح".
تلقى عشرات الجوائز الطبية المحلية والعالمية، إحداها من الملكة إليزابيت الثانية، بسبب إنجازاته واكتشافاته وكتبه المعتمدة في كليات الطب العالمية، وأهمها كتاب "Clinically Oriented Anatomy" و "The Developing Human Clinically Oriented Embryology".
في أواخر السبعينيات، حضر مور المؤتمر الدولي للإعجاز العلمي الذي عُقد في موسكو، وهناك سمع بعض الآيات التي تحدثت عن تكوين الجنين والظلمات الثلاث ونمو الإنسان، فأُثير فضوله.
يروي الدكتور زغلول النجار قصة إسلام كيث مور في كتابه (الذين هدى الله) بالقول على لسانه: "تحول المؤتمر بعد ذلك إلى مشهد إنساني مؤثر عندما وقف أحد العلماء الروس ليشهر إسلامه، تأثراً بالآيات القرآنية، وكم كانت الفرحة عارمة للجميع حينما خرج من خلف الغرفة الزجاجية أربعة مترجمين – لم نرهم ولم نحادثهم على الإطلاق بقدر ما كانوا يقومون بعملية الترجمة من العربية إلى الروسية والعكس – وأخذوا يرددون بصوت واحد نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، بل إنني علمت بعد ذلك بأن 37 عالماً روسياً أعلنوا إسلامهم بمجرد رؤيتهم حلقات المؤتمر التي كان يبثها التلفزيون الروسي على الهواء مباشرة في ذلك اليوم".
وأضاف الكتاب نقلاً عن مور قوله: "وقف الجميع مذهولين أمام تلك الشهادة الجماعية للمترجمين، بعد أن دخل الإيمان قلوبهم، وأحسست حينها أن قلبي أنا الآخر بات قاب قوسين أو أدنى من أن يخرج بكلماته التي سأسلم فيها مباشرة، لكنني لم أكن في تلك الفترة نظراً لظروف اجتماعية مستعداً لإعلان إسلامي، وفضلت انتظار الوقت الملائم، ولم أستطِع تمالك نفسي حتى بدأت أقول للجميع: إن التعبيرات التي تفضلتم بها وأوجزتم فيها تكوّن الإنسان لتبلغ من الدقة ما لم يبلغه العلم الحديث، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على أن القرآن لا يمكن أن يكون إلا كلام الله، وأن محمداً رسول الله، وقبل أن أختم حديثي التفت إليَّ عالم مسلم وقال لي: إذاً فأنت مسلم؟ فقلت له ليس بعد، لكنني أشهد أن هذا القرآن هو كلام الله، فرد علي بالقول إذاً أنت مسلم، لكنك لا تعلم ولا تدري، فأجبته على الفور أنا لست بمسلم الآن لكنكم لا تتعجبوا إذا ما سمعتم يوماً ما أن كيث مور أعلن إسلامه ودخل في دين الله".
وواصل حديثه قائلاً: "بعد انتهاء ذلك المؤتمر عدتُ إلى موطني، وانزويت إلى دراسة معمَّقة للقرآن الكريم، خاصة فيما يتعلق بالآيات التي تتمحور حول دراسة تكوين الإنسان، ومنها قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)، "سورة المؤمنون: الآيات 12 – 14".
بعد ذلك، وفي في عام 1980، دُعي الدكتور مور إلى السعودية لإلقاء محاضرة في علم التشريح وعلم الأجنة في جامعة الملك عبد العزيز. وأثناء وجوده هناك، تواصلت معه لجنة علم الأجنة بجامعة الملك عبد العزيز وطلبت مساعدته في تفسير آيات معينة من القرآن وبعض الأقوال في الأحاديث التي أشارت إلى التكاثر البشري والتطور الجنيني.
قال مور إنه قبل أي شيء اندهش من الدقة العلمية لبعض العبارات التي وردت في القرآن في القرن السابع الميلادي.
ثم استكمل كيث مور عمله مع لجنة علم الأجنة وإجراء دراسات مقارنة للقرآن والحديث وعلم الأجنة الحديث.
وبالفعل، قدمت اللجنة ونشرت عدة أوراق مع مور وآخرين شاركوا في تأليف عدد من الأوراق.
ومن التعابير التي أثارت دهشة مور على سبيل المثال كلمة "مضغة" في آية "ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً" (14 المؤمنون)، وقال: "بالفعل، إن الإشارة إلى المعرفة التي لدينا حول بنية ومظهر الجنين الفعلي، وأنه يمر بمرحلة يشبه حجم شيء صغير يمكن أن تمضغه الأسنان".
وفي عام 1986، دُعي مور مجدداً لحضور المؤتمر العلمي للإعجاز القرآني الذي عُقد بالقاهرة، حيث دارت نقاشات حول دراساته الخاصة بعلم الأجنة وما ورد في القرآن.
وهناك صرح بأنه لا يعتقد بأن الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام) أو أي شخص غيره قادر على معرفة ما يحدث في خلق كل طور من أطوار الإنسان، لأنها لم تُكتَشَف إلا في أواخر القرن العشرين، حسب قوله.
وأكد صحة كل ما ذُكر في القرآن الكريم عن تطور الجنين وأنه يتطابق كلياً مع ما يعرفه كعالم أجنة.
وكانت طبعة خاصة من كتاب مور نُشرت في السعودية بعنوان "تطوير الإنسان: علم الأجنة الموجه سريرياً" في عام 1983 بعنوان "الإنسان النامي: علم الأجنة الموجه إكلينيكياً مع الإضافات الإسلامية"، والذي شارك معه في تأليفه الدكتور عبد المجيد الزنداني.
وعن هذا الكتاب قال مور إنه كتاب يستحق أن يدرسه الطلاب المسلمون وفي كل دول العالم ليثبت صحة ما ورد في القرآن الكريم.
إسلام مور صراحةً بقي مثار جدل لفترة طويلة من الزمن، وبينما لم يؤكد مور اعتناقه الإسلام، إلا أنه لم ينكره.
وفي العام 1990 عندما سُئل مور مباشرة عن اعتناقه الإسلام، قال إنه لم يجد صعوبة في تصديق ما ورد في القرآن وأن محمداً رسول الله، وأضاف أنه وُلد في منزل متدين يشجع على احترام الديانات الأخرى وأنه يؤمن بأن عيسى كما محمد رسولان من عند إله واحد.
كما قال بأنه لا يشعر بأنه يحتاج لاعتناق الإسلام ليعبد الله وبأنه يتفهم جيداً اعتناق زملاء له الإسلام بعدما اطلعوا على القرآن، وأضاف: "ولو لم أكن مؤمناً بالله لفعلت الشيء نفسه، ولكن لي طريقتي المختلفة في عبادة الله، لكننا جميعاً نعبد الله نفسه ولو عملنا سوياً سنعيش في عالم أسعد".
توفي مور عام 2019، وطلب في وصيته أن يتم حرق جثته في مراسم عائلية خاصة، حسب ما نقل أولاده عنه في ورقة تأبينه، كما أوصى بعدم إرسال ورود إلى جنازته وشجَّع على التبرع بدلاً منها لجمعيات خيرية.