قضية مسلمي الإيغور المضطهدين من قبل السلطات الصينية باتت إحدى أهم القضايا التي تواجهها الصين، والتي تلعب الولايات المتحدة على وترها لتأليب الرأي العام العالمي ضد الصين، بجانب حركة الوعي التي انتشرت عن تلك القومية الصينية في العالم العربي، إلا أن العديد من سمات وخصائص تلك القومية لا تزال غير معروفة لدى الكثيرين، مثل لغة الإيغور المستخدمة حالياً.
اللغة الإيغورية لا تزال تُكتب إلى يومنا هذا بالأبجدية العربية، وهو الأمر الذي لا قد يعرفه الكثير منا في العالم العربي رغم ارتباط ذلك بجذور ثقافتنا، لذلك؛ دعونا نتعرف على اللغة الإيغورية وجذورها وكيف تشكلت.
الإيغور.. لغة التنوع الثقافي والحضاري
بدايةً، يعيش الإيغور بشكل أساسي في منطقة شينجيانغ المعروفة باسم تركستان الشرقية التي يفترض أنها تتمتع بالحكم الذاتي، وتقع في الركن الشمالي الغربي من الصين، ومن المثير للدهشة أن تركستان الشرقية تُعد أكبر وحدة إقليمية في الصين، إذ تشكل مساحتها حوالي سدس المساحة الإجمالية لجمهورية الصين الشعبية، كما أشار تقرير نُشر على موقع جامعة "هارفارد" الأمريكية.
ونظراً لموقعها على طول طريق الحرير القديم، أصبحت منطقة الإيغور مفترق طرق للتجارة والتبادل التجاري بين الشرق والغرب، وبالتالي مكاناً للاختلاط بين الشعوب والأعراق، ومساحةً لتبادل الثقافات الآسيوية والأوروبية، وهو الأمر الذي أثر على اللغة الإيغورية وأدى إلى تنوعها الثقافي.
واليوم يعيش ما يقرب من 10 ملايين من الإيغور في تلك المنطقة، الذين يشكلون أكبر عدد من السكان غير الصينيين في الصين، إذ يعود أصل الإيغور إلى أتراك آسيا الوسطى. ولا ينحصر وجود الإيغور في الصين فقط، إنما يوجد أيضاً بعض المجتمعات الإيغورية الأخرى في كازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان ومنغوليا التي يبلغ عدد سكانها أكثر من مليون نسمة، وهو ما يعني أن عدد متحدثي اللغة الإيغورية قد يصل إلى 11 مليون شخص.
وكذلك يوجد عدد من الإيغوريين في تركيا، كما يمكن العثور على مجتمعات صغيرة لهم في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وروسيا والمملكة العربية السعودية وأفغانستان وباكستان والهند وأوروبا، وفق موسوعة Britannica.
وبسبب جذور الإيغور التركية، تنتمي اللغة الإيغورية إلى عائلة اللغات التركية الألطية، والتي يتحدث بها الإيغور في داخل الصين (شينجيانغ – تركستان الشرقية) وخارجها (كازاخستان، وأوزبكستان، …)، كما أن اللغة الإيغورية هي اللغة الرسمية في منطقة تركستان الشرقية بجانب لغة الماندرين الصينية، إلا أن العديد من الإيغور لا يتحدثون بلغة الماندرين على نطاق واسع في جنوب شينجيانغ.
لا تقتصر اللغة الإيغورية على الإيغور فقط، إذ تُستخدم لغة الإيغور من قِبل غير الإيغور في الوقت الحالي، مثل الطاجيكيين وبعض الإيرانيين وحتى الروس الموجودين في تركستان الشرقية، وهو ما يعكس تنوع الأعراق المستخدِمة للغة الإيغورية، وعدم اقتصار اللغة على الإيغوريين فقط.
أما عن أصل كلمات اللغة الإيغورية، ونظراً لكون تلك المنطقة مركزاً للعديد من الثقافات وتنوع الاتصال اللغوي عبر تاريخ تلك المنطقة، وبجانب العديد من الكلمات ذي الأصل التركي المتشابهه مع اللغة التركية، فقد اعتمدت اللغة أيضاً على العديد من الكلمات المستعارة من الفارسية كذلك.
كما دخلت العديد من الكلمات ذي الأصل العربي إلى اللغة؛ مباشرة من خلال الأدب الإسلامي، أما في الآونة الأخيرة، فأصبحت كل من الروسية والصينية صاحبة تأثير كبير على اللغة الإيغورية، ورغم ابتعاد تلك المنطقة عن أوروبا ولغاتها، إلا أن عدداً من الكلمات المستعارة من أصل أوروبي قد وصلت أيضاً إلى الإويغور وذلك عبر الإمبراطورية الروسية قديماً، وفي العصر الحديث شكلت العولمة أداة لنقل العديد من كلمات اللغات الغربية خصوصاً الإنجليزية.
ومن الجدير بالذكر أن هناك عدة جامعات تقوم بتدريس اللغة الإيغورية في مقرراتها الدراسية، منها جامعات كبيرة مثل هارفارد؛ التي توفر سلسلة من الدورات مدتها سنتان، لتزويد الطلاب بالمهارات اللغوية العملية الأربع: التحدث والقراءة والكتابة والاستماع.
أبجدية اللغة الإيغورية: من أرخون التركية إلى تشاجاتاي العربية
حتى أواخر القرن الثامن الميلادي، كانت اللغة الإيغورية تستخدم أبجدية "أرخون" وهي الأبجدية التركية القديمة، ومن القرن الثامن إلى القرن السادس عشر، كُتبت الإيغورية بنظام أبجدي يُعرف باسم "الأبجدية الإيغورية القديمة" وهي حروف مشتقة من لغة سُجديان وهي لغة إيرانية قديمة تُستخدم في الوقت الحالي في أوزبكستان وطاجيكستان.
وعلى عكس أبجدية سُجديان التي كانت تُكتب من اليمين إلى اليسار في خطوط أفقية، كُتبت الأبجدية الإيغورية القديمة من اليسار إلى اليمين في أعمدة رأسية، كما استخدمت اللغة الإيغورية الأبجدية السريانية في تلك الفترة من الزمن، إلا أنها كانت تُستخدم في الوثائق المسيحية فقط أغلب الظن.
ومن القرن السادس عشر حتى أوائل القرن العشرين، اُعتمدت الأبجدية العربية في كتابة اللغة الإيغورية ولكن بنسخة معدلة تُعرف باسم "تشاجاتاي" المأخوذة من اللغة الجغتائية؛ وهي لغة اُستخدمت في إمبراطورية مغول الهند المسلمة التي أخضعت الأراضي الهندية لحكمها وبعض الدول الأخرى منذ القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر.
وخلال القرن العشرين، اعتمدت اللغة الإيغورية على الأبجدية اللاتينية (حروف اللغة الإنجليزية) كنتيجة مباشرة للتغيرات السياسية المستمرة في تلك المنطقة، مع ذلك كان استخدام الأبجدية اللاتينية لا تحظى بشعبية من قبل المجتمع الإيغوري.
وفي العام 1987 أُعيد النص العربي باعتباره الأبجدية الرسمية لكتابة اللغة الإيغورية، إلا أن هناك بعض الإيغور لا يزالون يستخدمون الأبجدية السريالية السلافية (مثل الحروف الروسية) في بلدان آسيا الوسطى، إلا أن الحرف العربي هو الأوسع انتشاراً واستخدماً من قبل الإيغور في الوقت الحالي.
نماذج لكلمات من اللغة الإيغورية
تحتوي اللغة الإيغورية على العديد من الكلمات التركية بجانب الفارسية والعربية، كما ذكرنا، وفي هذا الجدول؛ إليكم بعض النماذج من اللغة الإيغورية مكتوبة بالحروف العربية التشاجاتاية، وموضح بجانبها كيفية نطقها ومعناها:
النص الإيغوري | طريقة نطقه | المعنى بالعربية |
---|---|---|
ياخشىمۇسىز، مېنىڭ ئىسمىم … | /Yakh-shimusiz, mening ismim …/ | مرحباً، اسمي… |
ئىسمىڭىز نېمە؟ | /Ismingiz nime?/ | ما اسمك؟ |
قانداق ئەھۋالىڭىز؟ | /Qandaq eh-walingiz?/ | كيف حالك؟ |
.قانداق ئەھۋالىڭىز؟ مەن … | /Siz qeyerdin? Men …/ | من أين أنت؟ أنا من … |
ئازراق چاي ئىچەمسىز؟ | /Azraq chay ichemsiz?/ | هل تود بعض الشاي؟ |
ئېتىڭىز بەك چىرايلىقكەن | /Etingiz bek chirayliqken/ | لديك حصان جميل |
ھاجەتخانا قەيەردە؟ | /Hajet-khana qeyerde?/ | أين الحمام؟ |
كۆپ رەھمەت | /Kop rekh-met/ | شكراً جزيلاً |
خوش | /Khosh/ | مع السلامة |
نماذج على بعض كلمات وجمل اللغة الإيغورية، ومقتطفات من بعض نصوصها، التي تشبه اللغة التركية إلى حد كبير.
ماهالا: كلمة أصلها عربي تزخر بثقافة الإيغور وتريد الصين طمسها
تقليدياً، يحب شعب الإيغور تبجيل قيم الأسرة والترابط المجتمعي الذي يجعل منهم لحمةً واحدة، وفي هذا السياق تنقسم أحياء الإيغور إلى ما يسمى "ماهالا"؛ وهي كلمة عربية الأصل مأخوذة من كلمة "محلة" أي مكان الاستضافة، التي تُستخدم في التركية بمعنى الحي، كما توجد في العديد من اللغات الآسيوية والأوروبية أيضاً.
وتُعد الماهالا مكاناً لتجمع العائلات والشعب الإيغوري خاصة في المناسبات والاحتفالات الثقافية، كما توفر الماهالا خدمات اجتماعية لسكانها، كما يتعاضد المجتمع الإيغوري عن طريق نظام الماهالا بدعوة الأعضاء لمساعدة بعضهم البعض في كثير من الأحيان خاصة عند الأزمات.
ويُقدّر الإيغور تراثهم الثقافي الموروث من أسلافهم وصولاً إلى أجدادهم القادمين من آسيا الوسطى، والذي يُعتبر كرم الضيافة الاستثنائي إحدى أهم خصائصه المشهور عنهم، وهو تقليد طويل الأمد بين الإيغور حيث تتم الإشادة بهم باستمرار من قبل جميع الزوار.
مؤخراً، استغلت السلطات الصينية الماهالا لتمارس ضغطاً ثقافياً على المجتمع الإيغوري بشكل عنصري، إذ فرضت السلطات على الإيغور زيارات من قبل عرق الهان الصيني، وهي أكبر عرقية في الصين، والتي تسيطر تقاليدها وتراثها الثقافي على مظهر البلاد وفلكلورها، متاجلهةً باقي الثقافات المحلية مثل الإيغورية، وذلك بسبب عدد عرق الهان الكبير داخل الصين، وجذوره القديمة حول حوض النهر الأصفر داخل الصين، وهو مركز الصين.
وبهذا الشكل، أصبح الهان ضيوفاً غير مدعوين تفرضهم السلطات الصينية فرضاً على الإيغوريين لاستقبالهم والترحيب بهم في الماهالا بهدف طمس الهوية والثقافة الأويغورية ودمج المجتمع الإيغوري بشعب الهان، وإرغامهم على ثقافة الهان الصينية، والتي تجعل من الصين أداة لطمس كل ما هو غير صيني في نظرها.
الثقافة الإيغورية والفنون
الإيغور معروفون أيضاً بمواهبهم في الفنون التطبيقية التي تشمل نقش المعادن ونحت الخشب وقطع الأحجار الكريمة والتطريز والنسيج، بجانب الغناء الإيغوري الذي يشتهر به الإيغور، والذي يتضمن عروضاً للأغاني الكلاسيكية والفلكلورية التي يأتي على رأسها "الاثنا عشر مقاماً" وهي ملحمة شفوية وطنية للإيغور.
الموسيقى الإيغورية، على يد المغني والموزع الإيغوري عبد الرحيم حيات
ويضم الفن الإيغوري عشرات الآلات الموسيقية التقليدية الخاصة بهم والتي توارثوها منذ القدم، فيما يشمل أدب الإيغور، الذي يعود تاريخه إلى نقوش "الأورخون" التركية القديمة، الحكايات الشعبية والنكات والقصائد والأمثال.
ولا تزال الفنون التطبيقية التقليدية الإيغورية تُستخدم في الحياة اليومية للناس، وعادةً ما يشتمل ذلك على المطبخ الإيغوري التقليدي الشهير بلحم الضأن المشوي والأسماك المشوية والأرز، بجانب بعض الأطباق المميزة؛ مثل اللاغمان (طبق معكرونة إيغوري)، والبيلاف (طبق أرز إيغوري به مكونات خاصة، وهو الاسم التركي للأرز)، بجانب الكباب المستخدم كثيراً عندهم (وهو لحم متبل ومحمر على أسياخ الشوي)، ونظراً لأن غالبية الإيغور من المسلمين السنة، فإن الطعام كله يكون "حلالاً" كما يطلقون عليه.