صُنف سيمو هايها أكثر القناصة فتكاً في التاريخ؛ نظراً إلى أنه قتل ما لا يقل عن 505 أشخاص في 98 يوماً فقط، خلال "حرب الشتاء" التي دارت بين فنلندا والاتحاد السوفييتي بين عامَي 1939 و1940.
وُلِدَ سيمو هايها في ديسمبر/كانون الأول 1905، بقرية "كيسكينين" التي كانت تقع آنذاك في إقليم كاريليا الفنلندي القديم، وأصبحت اليوم منطقة روسية. كان مزارعاً، وتمتع بالعديد من الهوايات، من ضمنها التزلج على الجليد، والصيد، والرماية.
في "حرب الشتاء"، قاتل سيمو هايها مع فنلندا ضد الاتحاد السوفييتي في ما يُطلق عليها تاريخياً "حرب الشتاء"، حين كان عمره 33 عاماً، وخدم مع الجيش الفنلندي 98 يوماً من أصل 105 أيام (استمرت الحرب 105 أيام)؛ لكن هايها لم يرَ نهايتها، لأنه تعرَّض للإصابة وأُدخل المستشفى خلال الأسبوع الأخير منها.
وخلال فترة 98 يوماً من الرعب الذي أشاعه لدى أعدائه، لم يُرَ هايها أو يُسمَع. كان يعمل ويستهدف الجنود السوفييت بدقة مميتة، لدرجة أنه قتل بإحدى المرات 25 رجلاً في يوم واحد.
القناص الذي قتل القناصة السوفييت
وفي كتابه "القناص الأبيض"، يروي تابيو ساريلاينن -وهو ضابط في الجيش الفنلندي قضى عقدين من الزمن في تدريب القناصة الفنلنديين، والكثير من الوقت بالبحث في حياة سيمو هايها وإنجازاته، فأجرى معه عشرات المقابلات بين عامي 1997 و2002، العام الذي توفي هايها فيه- يروي في الكتاب كيف أنه وبسبب احترافيته، سرعان ما وصلت سمعة هايها إلى خطوط الجبهة السوفييتية الذين صاروا يشيرون إليه باسم "الموت الأبيض"، لاسيما أنه كان يقتل قناصي العدو.
فحاول السوفييت قتله، من خلال قذيفة هاون أُطلقت على نطاق الموقع الذي يُطلق منه النيران. لكن، وعلى نحو لا يُصدَّق، لم يُقتَل هايها أو حتى يُجرَح، بل نجا من القذيفة بلا خدشٍ واحد. وفي مرة أخرى، سقطت قذيفة مدفعية قرب الموقع الذي يطلق منه النيران ومزَّقت ظهر معطفه السميك، لكنه نجا ولم يُصَب إلا بخدش بسيط في ظهره.
وبالنسبة لشخصٍ قضى وقتاً طويلاً على الجبهة، فإن سيمو هايها لم يشعر يوماً بالخوف: "كان يتعامل مع مهمته في القنص، مثلما كان يتعامل مع الصيد. وكان دائماً يفكر في طرق جديدة لخداع العدو والبقاء مختبئاً".
ويُشير أيضاً إلى أن هايها قد طوَّر أساليب ذكية، مثل سكب الماء على الجليد أمامه؛ حتى لا يتسبب عصف الفوهة في كشف موقعه من خلال تعكير لون بياض الثلج. وأصبح بارعاً أيضاً في استخدام الأصوات، ونيران المدفعية لتغطية تحركاته حين يغير مواقعه. وفي ظل ندرة الخرائط خلال الحرب، اعتمد هايها على ذاكرته من أجل العثور على أفضل مواقع الاختباء.
التفاني في العمل والمهارة في تقدير المسافات
تضاعفت مهارة هايها بفعل تحضيراته المكثفة للقنص. وبحسب موقع Extra History، كثيراً ما كان يزور أماكن إطلاق النار "المفضلة" لديه خلال الليل، ليحضّر الموقع ويُجري التحسينات التي يرى أنها ضرورية.
يمكن القول إنه كان مهووساً نوعاً ما بمهنته: فكان مثلاً ينظف سلاحه أكثر بكثير مما قد يفعل معظم الجنود، ويقوم بصيانته قبل وبعد أي مهمة. لكنه، وبحسب تابيو ساريلاينن، كان يعتبر نفسه متفانياً في العمل الذي يقوم به.
كانت بندقيته من طراز M/28-30، وكان يملكها منذ ما قبل الحرب، ومن دون حتى أن تكون بها عدسة تلسكوبية. كانت هي البندقية المعيارية التي تم إصدارها لقوات المشاة الفنلندية في أواخر الثلاثينيات، وكان هايها يُفضل موثوقية هذا النموذج وثبات إطلاقه، لاسيما أنه كان أتقن استخدامه.
وإضافة إلى هذه المهارات، كان والد سيمو هايها قد علَّمه مهارة بالغة الأهمية بالنسبة للصياد: القدرة على تقدير المسافات. فهذه مهارة لم يُولَد بها، بل تدرب عليها كثيراً. وفي معظم الحالات، كان تقديره شبه مثالي. وتعلَّم كذلك تقدير آثار الرياح والمطر، على إطلاق النار.
خبرة سيمو هايها في ساحة المعركة
شكَّل سيمو هايها، بشخصيته الفريدة وتدريباته المستمرة، كابوساً للقوات السوفييتية في غابات الشتاء الفنلندية، إلى أن أُصيب في 6 مارس/آذار 1940، بغابات أوليسما في منطقة كولا.
وقد أصابته طلقة متفجرة خلال هجومٍ سوفييتي، فدخل في غيبوبة لم يستيقظ منها إلا بعد أسبوع، جرى خلاله التوقيع على الهدنة بين البلدين. وقد عانى هايها بعد إصابته من تشوهٍ دائم في الوجه، وألماً شبه مستمر لسنوات طويلة.
بعد انتهاء الحرب، عاد إلى مزرعته، بعد أن خضع لما إجماليه 26 عملية جراحية في فكه، لم يتمكن بعدها من استعادة القدرة على النطق بشكلٍ كامل. وقد عاش وحيداً إلى حين انتقاله إلى مؤسسة "كيمي" لقدامى المحاربين -الذين أصيبوا بتشوهاتٍ خلقية في الحرب- عام 2001، حتى توفي عام 2002 عن عمرٍ يناهز 96 عاماً.
بعد رحيله، نُشر العديد من الكتب عنه كما كُتب -ولا يزال- عن سيرة حياته، فهو من أنجح القناصين الذين دفعوا ثمناً غالياً. وخلال المقابلات العديدة التي أجراها معه تابيو ساريلاينن في أواخر حياته، كان هايها دائم الحرص على تذكيره بأن "الحرب ليست تجربة مبهجة، لكن مَن قد يحمي هذه الأرض ما لم نكن مستعدّين لحمايتها بأنفسنا"؟