يعود الظهور الأول لمصطلح "أمراء الحروب" إلى القرن التاسع عشر، وعام 1856 تحديداً، عندما استخدمه الكاتب والفيلسوف الأمريكي رالف والدو إيمرسون في معرض نقده للأرستقراطية في إنجلترا ضمن كتابه "السمات الإنجليزية".
يُطلق مصطلح أمير الحرب على الشخص الذي يتبنى فكرة ضرورة قيام حرب، ويملك في الوقت نفسه كل الأدوات اللازمة للانخراط بالحرب. وبالأدوات، نعني السلطة والسيطرة العسكرية والسياسية، والاقتصادية أحياناً.
وغالباً ما تكون حكومة البلد الذي يسيطر عليه أمير الحرب ضعيفة وغائبة، لا تقوم بدورها الوطني ولا تبسط سلطتها المدنية، بسبب السيطرة القسرية للقوات الموالية لأمير الحرب على الأغلب. فغالباً ما يُنظر إلى وجود أمير حرب أو أمراء حرب على أنه مؤشر على ضعف حضور الدولة وفشلها.
بين اليابان والصين.. أصل استعمال المصطلح
انتشر المصطلح تاريخياً لوصف الفوضى الحاصلة في الصين، بعد انتهاء حكم سلالة تشينغ وبداية عهد جمهورية الصين، بين عامَي 1916 و1928.
استمر عصر أمراء الحرب منذ وفاة يوان شيكاي عام 1916، وكان أوّل رئيس للصين وتميّز عهده بالفوضى بسبب صراعه مع العناصر الثورية بقيادة صن يات سن، وحتى عام 1928.
استمرّت الحرب الأهلية طيلة فترة عصر أمراء الحرب، وكانت تدور بين فصائل البلاد المختلفة. أكبر تلك الحروب كانت حرب السهوب الوسطى التي شارك فيها أكثر من مليون جندي.
قد يسأل البعض: كيف ذلك؟ والعهد الياباني، المعروف باسم "فترة سينغوكو"، والذي تميّز بالاقطاعيين وأمراء الحرب هو أقدم من عهد جمهورية الصين.
صحيح. فترة سينغوكو بدأت في عام 1467 واستمرّت لأكثر من عقدٍ قبل إعادة توحيد البلاد، تقاتل فيها اليابانيون فيما بينهم -الدايميو أو أمراء الحرب- بهدف السيطرة على مناطق مختلفة وواسعة من البلاد.
قبل ذلك.. يمكن إطلاق تسمية أمراء الحرب أيضاً على فترة الممالك الثلاث في الصين، والتي كانت أقدم من فترة سينغوكو في اليابان. فهي تعود عملياً إلى عام 221 بعد استيلاء تساو بي على عرش مملكة هان في الصين، حين انقسمت الصين إلى 3 إمبراطوريات:
- مملكة واي تقع في شمال الصين، واسمها تساو تساو.
- مملكة شو في جنوب غرب الصين، واسمها ليو باي.
- مملكة وو في جنوب شرق البلاد، واسمها سون تشوان.
يمكن إطلاق تسمية أمراء الحرب على الفترتين، في الصين أولاً واليابان لاحقاً، إلا أنه لم يتمّ استخدام المصطلح بشكلٍ واضح إلا بعد عقودٍ على انقضاء الحقبتين التاريخيتين. وبالتالي، فإن مصطلح "أمراء الحرب" يُطلق على عصر أمراء الحرب في تاريخ الصين الحديث.
من حروب أهلية إلى أكبر حرب آسيوية
بعد عهد سلالة تشينغ، بدأ تاريخ جمهورية الصين عام 1912، مع تشكيل جمهورية الصين كجمهورية دستورية وضعت حداً لنحو ألفي عام من الحكم الإمبراطوري.
وكانت سلالة تشينغ حكمت الصين نحو 350 عاماً، من 1644 حتى 1912، وقد شهد حكمها العديد من الحروب المتنقلة. حتى جاء يوان شيكاي في 1913 ثم وفاته في 1916. ورغم ذلك، فإن الفوضى استمرّت بعد تشكيل جمهورية الصين حتى عام 1928.
وعلى الرغم من التوحيد الظاهري للصين في عام 1928، تحت حكم الحزب الشيوعي الصيني -المعروف أيضاً باسم الكومينتانغ- إلا أن عصر أمراء الحرب لم ينتهِ تماماً، بل استمرّ حتى عام 1949 حتى سيطرة الحزب الشيوعي الصيني.
حينها، تمّ توحيد الجمهورية عندما حكم بعد الحملة الاستكشافية الشمالية. ويمكن القول إن البلاد دخلت حينها في مراحل تطوير وتحديث وتصنيع استمرّت لسنواتٍ قليلة، قبل أن تبدأ حرباً جديدة مع اليابان في عام 1937 بحادثة "ماركو بولو".
وبعد الهجوم الياباني على الأسطول الأمريكي في ميناء بيرل هاربر عام 1941، تداخلت الحرب مع نزاعات أخرى في الحرب العالمية الثانية.
ويرى بعض الباحثين أن تصاعد اندلاع الحرب اليابانية الصينية الثانية على نطاق واسع في سنة 1937 كان بداية الحرب العالمية الثانية، لاسيّما وأنها كانت أكبر حرب آسيوية في القرن العشرين راح ضحيّتها أكثر من 10 ملايين مدني صيني، ونحو 4 ملايين عسكري صيني وياباني.
وعلى الرغم من استمرارها في احتلال جزءٍ من أراضي الصين، استسلمت اليابان في الثاني من سبتمبر/أيلول 1945، بعد إلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناغازاكي. وكان الحلفاء، وقبل انتهاء الحرب العالمية الثانية، قرّروا إعادة الأراضي التي ضمّتها اليابان إلى الصين في ختام مؤتمر القاهرة في نوفمبر/تشرين الثاني 1943، بما فيها منشوريا وتايوان. كما تمّ الاعتراف بالصين، كواحدة من أكبر الحلفاء خلال الحرب، وأصبحت واحدة من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.