في حياة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العديد من الأسرار، بعضها لم يعُد خفياً والبعض الآخر قد لا ينكشف يوماً، أو ربما بعد عشرات السنين. ولكن في عام 2015، قرر الرئيس الروسي أن يكشف بعض الغموض الذي طال جوانب طفولته، وخصوصاً هوية والدته الحقيقية.
وفي مقال أشبه بالسيرة الذاتية تحدث عن والده فلاديمير بوتين الأب ووالدته ماريا إيفانوفا بوتينا، وروى بالتفاصيل كيف أن حذاءها الذي اشتراه والده لها كان السبب في إنقاذ حياتها لتنجبه بعد 8 سنوات من تلك الحادثة.
في تلك المقالة التي نُشرت في مجلة Russky Pioner، وصف فلاديمير بوتين تجارب والديه في لينينغراد خلال الحرب العالمية الثانية.
طفولة بوتين
وتحت عنوان "الحياة شيء بسيط ولكنها قاسية"، روى كيف نجا والده بأعجوبة من الموت في مهمة تابعة لشرطة NKVD أو الشرطة السرية، بالإضافة إلى إنقاذ والدته وفقدان شقيقه أثناء حصار لينينغراد.
وفقاً لبوتين، عند اندلاع الحرب كان والده عاملاً في أحد مصانع لينينغراد العديدة (الآن سانت بطرسبرغ).
على الرغم من أن بوتين الأب كان لديه ما يسمى ("تحفظ" باللغة الروسية)- وهي وثيقة توفر الإعفاء من التجنيد- تم فرزه للعمل في الصناعة الدفاعية، ثم تطوع للخدمة في الحزب الشيوعي.
تم تعيينه في النهاية إلى فرقة NKVD (مفوضية الشعب للشؤون الداخلية، أو الشرطة السرية في ذلك الوقت).
خلال إحدى المهمات، وبسبب خيانة أحد العسكريين، تم القضاء على فرقته بالكامل تقريباً من قبل الألمان، الذين قتلوا 24 من رفاقه البالغ عددهم 27.
تمكن بوتين الأب من البقاء على قيد الحياة بعد أن أمضى عدة ساعات في مستنقع، مختبئاً تحت الماء، ويتنفس من خلال قصبة بينما كان يسمع الجنود الألمان وهم يسيرون بجواره.
بعد ذلك، تم إرسال والد بوتين إلى "نيفسكي بياتاشوك"، وهي بقعة صغيرة ولكنها مهمة للغاية على طول نهر نيفا بالقرب من لينينغراد، والتي احتلتها القوات السوفييتية على حساب عشرات الآلاف من الأرواح.
أصيب الأب في مناوشة، ولكن أحد رفاقه الذي تصادف أن يكون أحد جيرانه من لينينغراد أنقذ حياته. جرّه الرجل في البداية عبر النهر المتجمد الذي تلقى آثار الرصاص، ثم حمله على ظهره طوال الطريق إلى المستشفى.
ووفق ما روى بوتين، أثناء وجود والده في المستشفى، أعطى حصصه الغذائية لزوجته، والتي بدورها أعطتها إلى ابنها، شقيق فلاديمير.
ولكن لسوء الحظ، سرعان ما اكتشف الأطباء هذا الأمر ومنعوها من زيارة زوجها المصاب.
كما روى بوتين قصة إنقاذ والدته التي تبدو وكأنها معجزة.
فعندما عاد الأب إلى المنزل من المستشفى بعد إصابته، رأى مسعفين ينقلون الجثث على نقالات، وتعرف على زوجته من بين القتلى بفضل حذائها الذي اشتراه لها.
واقتناعاً منه بأنها لا تزال على قيد الحياة، طلب من المسعفين التوقف، لكنهم أجابوا بأنها لن تستطيع النجاة، وهي القصة نفسها التي رواها لهيلاري كلينتون في السابق، وفق ما نشرت في كتابها Hard Choices العام 2014.
وكتب بوتين: "أخبرني والدي أنه وكز المسعفين بعكازيه وأجبرهم على نقلها إلى الشقة". وأضاف أن والده قام برعايتها حتى استعادت عافيتها، لتنجبه بعد عدة سنوات.
عاشت والدة بوتين حتى عام 1999، بينما توفي والده عام 1998.
وأشار الرئيس الروسي إلى أن والده كان من عائلة مكونة من 6 أشقاء، توفي 5 منهم في الحرب.
كما قُتل بعض أقارب والدته في النزاع. وأكد في الوقت نفسه أن والديه لم يكرها الجنود الألمان.
وينقل عن والدته ما قالته في طفولته: ""كيف يمكن لأي شخص أن يكره هؤلاء الجنود! كانوا أناساً عاديين وماتوا أيضاً في المعركة. إنهم عمال مثلنا تماماً. لقد تم إرسالهم إلى الجبهة أيضاً".
سيرة ذاتية تفخر بالأب والجد
وكان بوتين بعد وصوله إلى الرئاسة، نشر سيرته الذاتية في أوائل عام 2000 بعنوان "الشخص الأول: صورة شخصية صريحة من قبل الرئيس الروسي".
الكتاب نتاج مقابلة مطولة مع بوتين أجراها ثلاثة صحفيين روس، وفيها يقول: "لقد جئت من عائلة عادية، لم يخبرني والداي بأي شيء عن نفسيهما"، ولا سيما والده الذي يصفه بـ"الرجل الصامت". وأضاف: "أعرف عن عائلة والدي أكثر من عائلة أمي".
من ناحية أخرى، وصف بوتين بالتفصيل كيف قاتل والده بشجاعة في الحرب العالمية الثانية، وزعم أن جده كان يعمل طاهياً للينين وستالين، بينما توفي شقيقاه اللذان يكبرانه، فيكتور وألبرت.
كما تضمن الكتاب مداخلة من معلمته التي قالت إنه لم يكن من المعتاد أن تنجب امرأة في عمر الـ41 في الاتحاد السوفييتي آنذاك، وأنها توقعت له مستقبلاً باهراً.
من هي والدة بوتين الحقيقية؟
من الجدير ذكره أن جدالاً دار مطلع القرن الحالي حول قصة سيدة تدعى فيرا بوتينا، والتي زعمت أن فلاديمير بوتين هو ابنها الحقيقي بعد فوزه بالانتخابات في عام 2000.
تعيش هذه السيدة في جورجيا وتقول إن والد بوتين روسي الجنسية كان يعمل في تصليح السيارات ويدعى بلاتون بريفالوف، حملت منه بوتينا بينما كان متزوجاً من امرأة أخرى.
وكشف تحقيقات إعلامية استقصائية عن ولادة صبي يدعى فلاديمير بوتين في جورجيا عام 1959 -1960.
وقالت المرأة إنها بعد زواجها من جندي جورجي يدعى جورجي أوسبافيلي، تخلت عن ولدها وسلمته لوالدتها في روسيا.
تعتقد بوتينا أن عائلة بوتين المذكورة في سيرته الذاتية تبنته من جدّيه. وتقول المرأة لصحيفة Telegraph إن عناصر من المخابرات الجورجية والروسية زاروها في محاولة لإسكاتها بينما أبدت استعدادها لإجراء فحص الحمض النووي.
ومن اللافت وفاة الصحافي الروسي آريتوم بوروفيك بتحطم طائرة أثناء توجهه إلى تبيليسي لتصوير وثائقي عن طفولة بوتين في مارس/آذار 2000.
كما قُتل الصحافي الإيطالي أنتونيو روسو الذي كان يعد تقريراً عن طفولة بوتين أيضاً، إذ عُثر على جثته مقيدة اليدين على جانب الطريق على بعد حوالي 35 كيلومتراً شرق تبيليسي في صباح أكتوبر/تشرين الأول من العام 2000، بينما اختفت من غرفته بالفندق، كاميرته وهاتفه وحاسوبه المحمول، حسب ما نشر موقع Zeit Online الألماني.
تعد طفولة بوتين حافلة بالأسئلة والأسرار والقصص غير الواضحة، لا يعلم إجابتها- وربما لن يعلم- إجابتها أحد إلا بوتين نفسه.