أطل الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في مقطع فيديو يؤكد فيه تمسكه بخيار المقاومة في مواجهة الهجوم الروسي، واقفاً أمام واحد من أشهر مباني العاصمة كييف: House with Chimaeras أو "منزل الكيميرا".
لذلك المنزل في الواقع قصة مثيرة، فقد بقي صامداً طوال قرابة 121 عاماً، وشهد الحرب العالمية الثانية واحتله الحزب الشيوعي بعدها إلى أن أصبح أخيراً مقراً رئاسياً، وقبل ذلك كله كان ملكية خاصة لمهندس شغوف بالصيد، وبسبب مظهره القاتم أحاطت به الأساطير فقيل إنه منزل "ملعون".
تعالوا نتعرف على قصته من البداية:
منزل الكيميرا في أوكرانيا
يعتبر House with Chimaeras أو "منزل الكيميرا" أو "منزل هوروديكي" أحد أكثر المباني استثنائية في العاصمة الأوكرانية كييف، فهو مصمم على طراز فن الآرت نوفو (طراز حديث يعتمد على الزخارف)، وعلى الرغم من مظهره الخرساني الذي قد يوحي بالكآبة فإنه يجذب العديد من السياح.
يقع هذا المبنى في الحي نفسه الذي يقع فيه مكتب رئيس أوكرانيا، وقد تم استخدامه منذ عام 2005، مقراً رئاسياً للاحتفالات الرسمية والدبلوماسية. لذلك أغلق الشارع المواجه للمبنى أمام حركة مرور السيارات، أما حركة المشاة في الشارع فتخضع لدوريات المراقبة، بسبب قربه من مبنى الإدارة الرئاسية.
بِيع في المزاد العلني بسبب "شغف الصيد"
على الرغم من أن تصميم منزل الكيميرا معقد إلى حد ما، فإن تشييده كان سريعاً نسبياً، فقد صممه المهندس البولندي-الأوكراني الشهير فلاديسلاف هوروديكي عام 1901، وتم الانتهاء من بنائه عام 1903، وكان هذا المنزل ملكية خاصة في البداية لمصممه المهندس هوروديكي.
يتميز هذا المنزل بأنه غير متماثل، فقد بُني على أرض شديدة الانحدار، ويتكون من ثلاثة طوابق على جانب شارع بانكوفا وستة على جانب ميدان إيفان فرانكو.
وبُني منزل الكيميرا بتقنيات مبتكرة على ركائز خرسانية سمحت بتماسكه فوق الأرض المنحدرة، أما التشطيب فكان عبارة عن إسمنت.
عندما تنظر إلى واجهة منزل الكيميرا سيلفت نظرك عدد هائل من منحوتات الحيوانات من وحيد القرن إلى الضفادع والفيلة والسحالي والغزلان والنسور وغيرها، كما ستلاحظ العديد من مشاهد الصيد (فقد كان هوروديكي صياداً شغوفاً). أما الفنان الذي قام بنحت هذه التحف المتقنة فقد كان المهندس المعماري الإيطالي إميليو سالا، وفقاً لما ورد في موقع Daily Art Magazine.
وعلى الرغم من اهتمام هوروديكي بأدق التفاصيل في منزله الذي صممه بشغف، فإن عشقه للصيد والترحال أوقعه في أزمة مالية جعلته غارقاً في ديون لا يستطيع سدادها، مما جعله مضطراً إلى بيع هذه التحفة الفنية في المزاد العلني عام 1913.
احتله الحزب الشيوعي ثم استحوذت عليه الحكومة
بعد فترة الاضطرابات التي أعقبت الثورة الروسية عام 1917، تم تأميم منزل الكيميرا وتحول إلى سكن جماعي، حيث احتلت كل شقة فيه قرابة 9 إلى 10 عائلات.
وخلال الحرب العالمية الثانية، تعرض المبنى لأضرار كبيرة في هيكله، وهجره ساكنوه، لكن بعد الحرب احتلته اللجنة المركزية للحزب الشيوعي وحوّلته إلى مركز لتجمُّع النخبة من الحزب.
وفي عام 2002، تم ترميم المبنى وفقاً لمخططات مصممه هوروديكي، وأعيد افتتاحه عام 2004 باعتباره متحفاً ومقراً للاجتماعات الرئاسية لزوار الحكومة الأوكرانية، إذ تم اعتباره واحداً من "روائع الفن الأوكراني".
وفي أبريل/نيسان 2005، بات مقراً رئاسياً للاحتفالات الرسمية والدبلوماسية، ويتضمن غرفاً خاصة بالمفاوضات وأخرى لتوقيع الوثائق الرسمية وكذلك قاعة خاصة للتغطيات الإعلامية.
ومن الجدير بالذكر أنه قد تم استخدام هذا المنزل لعقد لقاء بين الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يوشينكو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما زار كييف عام 2006.
لكن لماذا أطلق عليه اسم "منزل الكيميرا"؟
الكيميرا هو مخلوق خيالي شهير في الأساطير الإغريقية يمتلك رأس وجسد أسد من ناحية، ورأس وضرع ماعز من ناحية أخرى، أما ذيله فكان عبارة عن رأس ثعبان.
وعلى الرغم من وجود العديد من منحوتات الحيوانات داخل المنزل وخارجه، فإنه لا يتضمن تمثالاً لمخلوق الكيميرا الأسطوري، لكن المنزل سُمي بهذا الاسم إشارة إلى أسلوب معماري اعتمده هوروديكي يتضمن استخدام الحيوانات كعناصر زخرفية للمبنى ويعرف باسم "زخرفة الكيميرا".
ملعون وبُني تكريماً لفتاة قتلها العشق.. أساطير حول المبنى
على مر السنوات، رافقت الأساطير مبنى الكيميرا، ربما بسبب مظهره الغريب والقاتم، لكن العديد من تلك الأساطير المنتشرة شعبياً في أوكرانيا تفتقر إلى المصادر الموثوقة للتأكد منها.
وتقول أشهر الأساطير المحيطة بمنزل الكيميرا، إن ابنة مصممه ومالكه الأصلي هوروديكي انتحرت، حيث رمت بنفسها في نهر الدنيبر بعد أن مرت بعلاقة عاطفية مؤلمة، وقيل إنها انتحرت بعد أن خاضت نزاعات مع عائلتها، وبغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى انتحارها فقد أصيب والدها هوروديكي بالجنون وصمم هذا المنزل الكئيب تخليداً لذكراها.
أما الأسطورة الثانية فتقول إن هوروديكي دخل رهاناً مع مجموعة المهندسين المعماريين الآخرين، كان منهم مهندس شهير يدعى ألكسندر سكوبيليف، إذ تحدوه بأن يستطيع أن يبني منزلاً على قطعة الأرض منحدرة التضاريس تلك، فقام هوروديكي بابتكار تقنيات جعلت المستحيل ممكناً وبنى منزل الكيميرا الذي مازال صامداً حتى يومنا هذا.
أما الأسطورة الثالثة فتقول إن المنزل ملعون منذ أن اضطر هوروديكي إلى بيعه في المزاد العلني بعد أن عجز عن سداد ديونه، لذلك سيكون جميع سكانه تعساء أو أنهم سيواجهون أزمات مالية، وتقول الحكايا الشعبية إن هذا ما حدث لجميع من سكن هذا المنزل من بعد هوروديكي.