في مثل هذا اليوم اغتيل المهاتما غاندي، أو موهانداس كرمشاند غاندي، الزعيم السياسي والروحي لحركة الاستقلال الهندية، أثناء تواجده في مدينة نيودلهي على يد متطرف هندوسي.
وقد حظي غاندي بتقدير دولي عالمي بسبب مذهبه في الاحتجاج اللاعنفي (ساتياغراها) لتحقيق التقدم السياسي والاجتماعي. ففي نظر الملايين من الهنود، كان غاندي هو المهاتما بمعنى "الروح العظيمة". وقد أصبح اسم "المهاتما غاندي" الآن واحداً من أكثر الأسماء شهرة حول العالم.
من هو غاندي وكيف كانت بدايته؟
هو محامٍ وسياسي وناشط اجتماعي وكاتب هندي أصبح زعيم الحركة القومية ضد التواجد البريطاني في الهند التي كانت حينها جزءاً من الإمبراطورية.
وبسبب نشاطه في هذا المجال، اكتسب غاندي شهرته وتأثيره في البلاد وأصبح علامة رمزية للمقاومة.
وبحسب موقع History التاريخي، وُلد غاندي في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 1869، بمدينة بوربندر الهندية. وكانت والدة غاندي شديدة التدين فحولت ابنها لليانية، وهي ديانة هندية صارمة أخلاقياً تدعو إلى اللاعنف والزُّهد والنباتية.
وقد كان غاندي طالباً عادياً خلال شبابه، ولكن في عام 1888 مُنح فرصة لدراسة القانون في إنجلترا. في عام 1891 عاد إلى الهند، لكنه فشل في العثور على عمل قانوني حتى قبل عام 1893 حينما حظي بعقد عمل لمدة عام واحد فقط في جنوب إفريقيا في إجراء الخدمات القانونية.
عندما وصل غاندي إلى جنوب إفريقيا، سرعان ما شعر بالفزع من التمييز والعزل العنصري الذي يواجهه المهاجرون الهنود على أيدي البريطانيين البيض هناك.
العنصرية ضد الهنود كانت بداية فتيل المقاومة
استقر غاندي في مدينة كوازولو ناتال بجنوب إفريقيا، وهناك تعرَّض للعنصرية وقوانين المستعمرة البريطانية التي قيدت حقوق العمال الهنود.
ويذكر غاندي لاحقاً في مذكراته إحدى هذه الحوادث، حينما تم إبعاده من مقصورة سكة حديد من الدرجة الأولى وألقي به من القطار فقط بسبب لونه. ومن هنا قرر محاربة الظلم والدفاع عن حقوقه كرجل هندي، بحسب موقع History.
وقد حدثت اللحظة الحاسمة تحديداً في 7 يونيو/حزيران 1893، أثناء رحلة بالقطار إلى بريتوريا، بجنوب إفريقيا، عندما اعترض رجل بريطاني أبيض على وجود غاندي في مقصورة السكك الحديدية من الدرجة الأولى، على الرغم من أنه كان يحمل تذكرة.
ولأن غاندي رفض الانتقال إلى الجزء الخلفي من القطار، تم إبعاده بالقوة وإلقائه من القطار في محطة في بيترماريتسبورغ.
أيقظ فعل العصيان المدني الذي قام به غاندي عزمه على تكريس نفسه لمحاربة "المرض العميق المتمثل في التحيز اللوني"، بحسب وصفه نقلاً عن موقع Biography البريطاني للسير الذاتية.
وبعد أن استعد غاندي للعودة إلى الهند في نهاية عقده لمدة عام علم بمشروع قانون جديد أمام الجمعية التشريعية في ناتال يحرم الهنود من حق التصويت. فقام بإقناع رفاقه المهاجرين بالبقاء وقيادة المعارضة ضد التشريع.
على الرغم من أن غاندي لم يستطِع منع تمرير القانون، إلا أنه لفت الانتباه الدولي إلى الظلم ونظام العنصرية البريطاني ضد الهنود.
وفي عام 1906، سعت حكومة ترانسفال إلى مزيد من تقييد حقوق الهنود، لذلك نظم غاندي حملته الأولى للساتياغراها، أو العصيان المدني الجماعي. وبعد 7 سنوات من الاحتجاج المتواصل السلمي، تفاوض على اتفاقية حل وسط مع حكومة جنوب إفريقيا.
وفي عام 1914، عاد غاندي إلى الهند وعاش حياة من الزهد والروحانية على هامش السياسة الهندية وتطورات المشهد هناك في تلك الفترة، وفي عام 1915، أسس معبداً في أحمد آباد بالهند، وكان مفتوحاً لجميع الطوائف.
ومن هذه النقطة عاش غاندي الذي كان يرتدي مئزراً وشالاً، حياة قاسية مكرسة للصلاة والصوم والتأمل. وأصبح يُعرف باسم "المهاتما"، وهو ما يعني "الروح العظيمة"، بحسب Biography.
الإضراب احتجاجاً على التجنيد الإلزامي والاعتقال دون محاكمات
قام غاندي بدعم بريطانيا في الحرب العالمية الأولى، لكن في عام 1919 أطلق "ساتياغراها" احتجاجاً على التجنيد العسكري البريطاني الإلزامي للهنود، وإقرار قانون يتيح اعتقال الهنود دون محاكمات.
وقد لبى مئات الآلاف من الهنود دعوته للاحتجاج، لكن قامت القوات البريطانية بقيادة العميد البريطاني ريجنالد داير بفتح نيران مدافع رشاشة على حشد من المتظاهرين العزَّل وقتلت ما يقرب من 400 شخص.
لذلك قاد غاندي حركة للمطالبة بالحكم الذاتي الهندي. ودعا إلى مقاطعة جماعية، وحث المسؤولين الحكوميين الهنود على التوقف عن العمل لدى التاج البريطاني، وناشد الطلاب بالتوقف عن الذهاب إلى المدارس الحكومية، والجنود لترك مناصبهم، والمواطنين على التوقف عن دفع الضرائب وشراء البضائع البريطانية.
وبحسب الموسوعة البريطانية للتاريخ Britannica، بحلول عام 1920 أصبح زعيم الحركة الهندية من أجل الاستقلال من الحكم البريطاني. وقد أعاد تنظيم المؤتمر الوطني الهندي كقوة سياسية وأطلق مقاطعة واسعة النطاق للسلع والخدمات والمؤسسات البريطانية في الهند.
ثم في عام 1922، ألغى فجأة الإضراب الشعبي عندما اندلعت أحداث من العنف في البلاد.
بعد شهر واحد، ألقت السلطات البريطانية القبض عليه بتهمة إثارة الفتنة، وأدانته وحكمت عليه بالسجن لمدة 6 سنوات، لكنها أطلقت سراحه مبكراً بسبب إجرائه عملية الزائدة الدودية.
بعد عامين، أطلقت السلطات البريطانية سراح غاندي عام 1924، ليقوم من فوره بقيادة "صيام" أو إضراب عن الطعام احتجاجاً على العنف بين الهندوس والمسلمين في البلاد، والذي قال إن الاحتلال البريطاني يزكيه لأهداف سياسية.
ثم منذ هذا الإضراب الذي امتد 3 أسابيع، امتنع عن السياسة بشكل عام.
ضريبة الملح وعودة لقيادة المشهد السياسي
عاد غاندي إلى السياسة النشطة عام 1930 للاحتجاج على قانون الملح البريطاني، الذي لم يمنع الهنود فقط من جمع أو بيع الملح- وهو عنصر غذائي أساسي- ولكنه فرض ضريبة باهظة أصابت أفقر سكان البلاد بشكل خاص.
خطط غاندي لحملة جديدة سُميت بمسيرة الملح، والتي استلزمت السير 390 كيلومتراً إلى بحر العرب، حيث قام وحشود من عشرات الآلاف من المؤيدين الهنود بتبخير المياه وصنع الملح في تحدٍّ رمزي لاحتكار الحكومة.
تلك المسيرة أسفرت عن اعتقال غاندي و60 ألفاً آخرين، لكنها في الوقت ذاته اكتسبت احتراماً دولياً جديداً ودعماً لغاندي ومطالب حركته. حتى إنه قد حصل على لقب "رجل العام" لمجلة تايم لعام 1930.
في عام 1931، تم إطلاق سراح غاندي مجدداً بشكل استثنائي لحضور مؤتمر المائدة المستديرة حول الوضع في الهند بالعاصمة البريطانية لندن، بصفته الممثل الوحيد للكونغرس الوطني الهندي.
وبحسب Britannica، كان الاجتماع بمثابة خيبة أمل كبيرة لحركته، وبعد عودته إلى الهند تم سجنه مرة أخرى. أثناء وجوده في السجن تلك المرة، قاد صياماً جديداً واضراباً كاملاً عن الطعام للمرة الثانية احتجاجاً على سياسة "نبذ" الحكومة البريطانية للهنود الفقراء الذين احتلوا أدنى طبقات النظام الطبقي في البلاد وعدم تمثيلهم.
وقد أجبرت الاحتجاجات التي قادها ضد القرار بتعديله فعلاً.
وبعد تلك المرحلة، غادر غاندي المؤتمر الوطني الهندي في عام 934، وانتقلت القيادة إلى ربيبه جواهر لال نهرو. وقد ابتعد مرة أخرى عن السياسة للتركيز على التعليم والفقر والمشاكل التي تعاني منها المناطق الريفية في الهند.
الحرب العالمية الثانية ومطالب بالاستقلال عن التاج البريطاني
مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، عاد غاندي داعياً إلى التعاون الهندي مع المجهود الحربي البريطاني مقابل الاستقلال. لكن بريطانيا رفضت تلك المبادرة وسعت إلى تقسيم الهند من خلال تأليب الجماعات الهندوسية والمسلمة المحافظة.
رداً على ذلك، أطلق غاندي حركة "اتركوا الهند" عام 1942، والتي دعت إلى انسحاب بريطاني كامل من الهند.
ولقاء هذه الدعوة، سُجن غاندي والقادة القوميون الآخرون حتى عام 1944.
ازدياد حدة الانقسام بين الهندوس والمسلمين
في عام 1945، وصلت حكومة جديدة إلى السلطة في بريطانيا، وبدأت المفاوضات من أجل استقلال الهند. حينها سعى غاندي إلى توحيد الهند، لكن الرابطة الإسلامية، التي نما نفوذها خلال الحرب، اختلفت مع رؤيته.
بعد محادثات مطولة، وافقت بريطانيا على إنشاء دولتين مستقلتين جديدتين هي الهند ذات الغالبية الهندوسية، وباكستان المسلمة في 15 أغسطس/آب 1947.
وقد عارض غاندي بشدة هذا التقسيم الذي سرعان ما أفضى إلى أحداث عنف دموية بين الهندوس والمسلمين قبل أن يصبح التقسيم ساري المفعول.
في محاولة لإنهاء الفتنة الدينية في الهند، لجأ غاندي مجدداً إلى الصوم وزيارة المناطق المضطربة لتعزيز دعوات دعم تلك البقع المتضررة.
اغتيال رمز المقاومة السلمية من المسافة صفر
وخلال إحدى هذه الزيارات الاحتجاجية في نيودلهي، أطلق ناثورام جودسي، وهو متطرف هندوسي كان معارضاً لموقف غاندي الذي رآه متسامحاً ومتعاطفاً مع المسلمين، الرصاص عليه وأرداه قتيلاً من مسافة قريبة. ليموت غاندي عن عمر 78 عاماً في 30 يناير/كانون الثاني 1948.
وقد تم إعدام جودسي وشريكه في الجريمة شنقاً في نوفمبر/تشرين الثاني 1949. وحُكم على متآمرين آخرين بالسجن مدى الحياة.
وحتى بعد اغتيال غاندي، كان التزامه باللاعنف وإيمانه بالعيش البسيط Minimalism – وحتى صنع ملابسه الخاصة، وتناول نظام غذائي نباتي واستخدام الصوم للتطهير الذاتي والتشافي وكذلك كوسيلة للاحتجاج – علامة للمضطهدين والاعتراض السلمي التي ألهمت ملايين الناس في جميع أنحاء العالم.
وكان من بين القادة الذين وجدوا الإلهام في حياة غاندي نيلسون مانديلا، ومارتن لوثر كينغ، اللذان ذكرا في مناسبات عدة أنهما وجدا في رؤية القائد الهندي وسيلة مُلهمة للمطالبة بالحقوق والمساواة وتحقيق العدالة.