دائماً ما نسمع عن تمويل الدول لميزانية منظمة الأمم المتحدة، وبأنّ هناك دولاً تدفع أموالاً أكثر من دول أخرى، ولكن السؤال الذي يجب طرحه هنا هو أنه على أي أساس تدفع الدول الأموال، هل هي بمثابة مساهمة أم أمرٌ مُلزم؟ وما الإجراءات التي تتخذ في حال امتناع إحدى الدول عن الدفع؟
كيف تحصل الأمم المتحدة على تمويلها من دول العالم؟
بداية فإنّ الجمعية العامة للأمم المتحدة هي الجهاز التمثيلي الرئيسي للتداول وصنع السياسة العامة، وتلزم الدول المنتسبة للجمعيّة بالتصويت على قضايا هامة محددة، مثل التوصيات المتعلقة بالسلام والأمن وانتخاب أعضاء مجلس الأمن، وتطبيق القرار بعد موافقة أغلبية ثلثي الدول الأعضاء، ولكل دولة عضو صوت واحد في الجمعية العامة.
أما بالنسبة لتمويل أعمال منظمة الأمم المتحدة التي تقرّها الجمعية العامة، فتتم عبر "اشتراكات مقرّرة" تسدّدها كلّ دولة عضو، وتُحدَّد وفقاً لصيغة تأخذ في الاعتبار حجم الاقتصاد الوطني في كلّ دولة وقوّته.
في حين تمول ميزانيّة الأمم المتّحدة العاديّة كافة الأنشطة التي تنشئها ولاية الجمعيّة العامة والهيئات الفرعيّة، بما في ذلك مجلس حقوق الإنسان، والتنمية، والسلم والأمن.
ووفقاً للبند 3 – 5 من النظام المالي والقواعد المالية للأمم المتحدة يتعين على جميع أعضاء الأمم المتحدة البالغ عددهم 193 دولة دفع مدفوعات لأجزاء معينة من المنظمة كشرط للعضوية.
ويختلف المبلغ الذي يجب على كل عضو دفعه، والمعروف باسم "المساهمة المُقدرة"، على نطاق واسع، ويتم تحديده بواسطة صيغة معقدة تأخذ في الاعتبار الدخل القومي الإجمالي والسكان.
وتعتبر الولايات المتحدة (22%) والصين (12%) واليابان (8%) وألمانيا (6%) أكبر من يمول المنظمة بإجمالي 49% من الدخل.
كيف تُقدر الاشتراكات المُقدرة؟
يعتمد جدول الاشتراكات في الميزانية العادية على القدرة النسبيّة لكل دولة عضو على المساهمة.
ويعد الدخل القومي الإجمالي للسنوات الـ6 السابقة لبلد ما بمثابة مقياس لتحديد ما يجب أن تدفعه تلك الدولة.
فيما يمكن للدول ذات الديون الخارجية المرتفعة أو ذات دخل الفرد المنخفض أن تخفض مساهمتها للجمعية بشكل كبير، ما يؤدي إلى زيادة "معدلات المساهمة" للدول الصناعية.
ولأسباب سياسيّة تم تحديد معدل مساهمة الولايات المتحدة بنسبة 22% من إجمالي دخل الأمم المتحدة، وهي تعتبر أكبر مساهم.
بينما الحد الأدنى لمعدل مساهمة البلدان الفقيرة أو الصغيرة فهو 0.001%.
تمويل قوات حفظ السلام
بالإضافة إلى الميزانية العادية للأمم المتحدة، تقدم الدول الأعضاء مساهمات مقدرة لتمويل بعثات السلام، وفقاً لما ذكره الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الألماني.
وهناك جدول معدل للاشتراكات المقررة لهذه المساهمات، والذي يقسم الدول الأعضاء إلى 10 مجموعات، تضم دولاً مختلفة، ويمنح خصومات إضافية للبلدان النامية ذات الدخل الفردي المنخفض.
بينما يتحمل الأعضاء الـ5 الدائمون في مجلس الأمن تكلفة ذلك كرسوم إضافية على معدلات مساهمتهم الأساسية، ليعكس ذلك المسؤولية السياسية الخاصة التي يتحملها الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن عن صون السلام والأمن.
ونظراً لتغيير عدد ومدة مهام قوات السلام، فإن هذه المساهمات تختلف من سنة إلى أخرى أكثر من تلك الخاصة بالمساهمات العادية.
ويتم تمرير ميزانيات بعثات السلام الفردية بشكل منفصل لمدة عام واحد، من يوليو/تموز إلى يونيو/حزيران التالي.
كم تبلغ تكلفة تمويل قوات حفظ السلام؟
تبلغ الميزانية المعتمدة لعمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام الأخيرة من يوليو/تموز 2021 حتى يونيو/حزيران 2022 نحو 6.38 مليار دولار أمريكي.
ويمول هذا المبلغ بعثات حفظ السلام والميزانية العملية للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في دارفور، واللوجستيات لبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال، ويوفر الدعم والتكنولوجيا والخدمات اللوجستية لجميع عمليات السلام من خلال مراكز الخدمة العالمية في إيطاليا.
أما أكبر 10 داعمين للاشتراكات لقوات حفظ السلام فهي:
الولايات المتحدة الأمريكية 27.89%
الصين 15.21%
اليابان 8.56%
ألمانيا 6.09%
بريطانيا 5.79%
فرنسا 5.61%
إيطاليا 3.30%
روسيا 3.04%
كندا 2.73%
جمهورية كوريا 2.26%
قبول التبرعات والهدايا
وفقاً للبند 3-12، فإن الأمين العام للأمم المتحدة وحده من يقرر قبول التبرعات أو الهدايا، سواء أكانت نقدية أو غير نقدية، بشرط أن تكون مقدمة لأغراض تتفق وسياسات المنظمة وأهدافها وأنشطتها.
وأيضاً يمكن قبول التبرعات في حال كانت المنظمة تحمل التزامات مالية إضافية، ولكن بشرط موافقة السلطة المختصة.
مساهمة الولايات المتحدة في ميزانيّة الأمم المتحدة هي الأكبر
على الرغم من أنّ الولايات المتحدة الأمريكيّة سعت إلى إجراء تخفيضات في تمويلها للأمم المتحدة في عهدة الرئيس دونالد ترامب، فإن التمويل الإجمالي بقي على قدم المساواة مع السنوات السابقة، في عهدة جو بايدن، ويقدر بنحو 11 مليار دولار سنوياً.
أما الأموال التي تدفعها الولايات المتحدة فإنها تذهب لدعم برامج الأمم المتحدة، فهي وفقاً لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي CFR:
(برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، برنامج الأمم المتحدة للبيئة، صندوق الأمم المتحدة للسكان، صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، برنامج الغذاء العالمي، الميزانية العادية للأمم المتحدة، مركز التجارة الدولية، مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وكالة إغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا)، هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع، الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إدارة منظمة التجارة العالمية، عمليات حفظ السلام، مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، منظمة الطيران المدني الدولي، منظمة العمل الدولية، صندوق النقد الدولي، المنظمة البحرية الدولية، الاتحاد الدولي للاتصالات، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، منظمة الصحة العالمية، المنظمة العالمية للملكية الفكرية، المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز).
ما العملات التي تدفع بها الدول اشتراكاتها؟
وفقاً للبند 3-10 من النظام المالي والقواعد المالية للأمم المتحدة، تحسب الاشتراكات السنوية والسلف المقدمة إلى صندوق الأمم المتحدة بالدولار الأمريكي.
كما يجوز سداد الاشتراكات بعملات أخرى في حال موافقة الجمعية العامة، بعد التأكد من أن تلك العملات لازمة لتغطية مصروفات ستدفع بها، أو أن تلك العملات تمثل أموالاً قابلة للتحويل والاستخدام بسهولة في الدول الأخرى.
فيما يحسب سعر التحويل للاشتراكات التي تدفع بها بأفضل سعر صرف متاح للأمم المتحدة في تاريخ الصرف.
ما الإجراءات التي تُتخذ بحق الدول التي تتخلف عن دفع مساهمتها؟
وفقاً للمادة 17، الفقرة 2 من ميثاق الأمم المتحدة، يتحمل الأعضاء نفقات المنظمة على النحو الذي تحدده الجمعية العامة.
وبالتالي تقوم لجنة الاشتراكات بإبلاغ الجمعية العامة بتوزيع نفقات المنظمة بين الأعضاء بشكل عام، وفقاً للقدرة على السداد.
كما تقدم اللجنة المشورة بشأن الإجراء الواجب اتخاذه فيما يتعلق بتطبيق المادة 19 من الميثاق المتعلق بالدول المتخلفة عن سداد مساهماتها.
وينص الميثاق على أن كل عضو في الأمم المتحدة يتأخر عن سداد اشتراكاته المالية في المنظمة لا يحق له التصويت في الجمعية العامة إذا كانت قيمة المتأخر عليه مساوية لقيمة الاشتراكات المستحقة عليه في السنتين الكاملتين السابقتين أو زائدة عنها.
ومع ذلك، يجوز للجمعية العامة أن تسمح لهذا العضو بالتصويت إذا اقتنعت بأن عدم الدفع ناتج عن ظروف خارجة عن إرادة العضو، في حين تجتمع لجنة الاشتراكات لمدة 3 إلى 4 أسابيع بشكل سنوي، ويتم عادة في شهر يونيو/حزيران من كل عام للنظر بشأن الدول المتخلفة عن الدفع.
ففي العام 2021 قررت الجمعية العامة في قرارها 72/2 المؤرخ في أكتوبر/تشرين الأول بالسماح لـ3 دول أعضاء متخلفة عن دفع مستحاقاتها بالتصويت في الجمعية حتى نهاية دورتها السادسة والسبعين، وهذه الدول هي (جزر القمر، سان تومي وبرينسيبي، الصومال).
في حين أبقت قرارها بمنع التصويت على 7 دول هي: (الكونغو، إيران، بابوا غينيا الجديدة، السودان، فانواتو، فنزويلا).
متى تأسست منظمة الأمم المتحدة؟
في العام 1942، بدأت فكرة إنشاء منظمة الأمم المتحدة عن طريق دول الحلفاء الأساسيين (الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا، الصين، الاتحاد السوفييتي) التي وقعت وثيقة لدعم إنشاء الهيئة، إضافة إلى 21 دولة تساندهم في قتال دول المحور.
وفي العام التالي دعا الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت إلى تسميتها بهذا الاسم خلال مؤتمر موسكو الذي أقيم في العام 1943، بهدف إعادة توحيد صفوف الحلفاء في مواجهة الزعيم الألماني أدولف هتلر وإنشاء هيئة دولية تقوم على مبدأ السيادة والمساواة بين جميع الأمم.
وأيضاً خلال مؤتمر طهران الذي أقيم في العام ذاته، والذي تم خلاله تبني فكرة إقامة منظمة تحل مكان عصبة الأمم.
فباتت الدول الحلفاء تستخدم في السنوات الأخيرة من عمر الحرب العالمية الثانية مصطلح "الأمم المتحدة"، في إشارة إلى تحالفها فقط.
لكن مع نهاية الحرب اجتمع ممثلو حكومات الدول العظمى المنتصرة في الحرب (الولايات المتحدة الأمريكيّة، وفرنسا، والصين، وبريطانيا، والاتحاد السوفييتي)، في واشنطن، بمؤتمر دومبارتون أوكس، وذلك من أجل وضع اقتراحات لتنظيم عمل المنظمة وتحويلها من منظمة للحلفاء إلى هيئة تضم جميع دول العالم.
وبناء على ذلك المؤتمر اجتمعت تلك الدول مجدداً في 24 أكتوبر/تشرين الأول 1945 في سان فرانسيسكو، وأعلنت رسمياً تأسيس هيئة الأمم المتحدة برئاسة النرويجي تريغف لي، الذي أصبح أول أمين عام للهيئة، ومقرها الرئيسي في الولاية الأمريكية نيويورك.
فيما كان عدد الأعضاء حين تأسيسها 50 دولة، أمّا في الوقت الحالي فقد وصل عدد أعضائها إلى 193 دولة مستقلة.
كما تم إنشاء 6 أجهزة رئيسية تابعة للهيئة -منها ما كان سابقاً تابعاً للعصبة وتم نقل ملكيته للهيئة- وهذه الأجهزة هي: الجمعية العامة، ومجلس الأمن، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الوصاية، والأمانة العامة، ومحكمة العدل الدولية.
أما ميثاق الأمم المتحدة الذي تم وضعه حين التأسيس فضمّ 19 فصلاً، بها تعليمات واضحة لضمان حفظ السلام في العالم، عن طريق حل النزاعات سلمياً، وما الذي يجب فعله في حالات تهديد السلم ونظم الوصاية الدولية، وتدابير حفظ الأمن في الدول المنكوبة والتي تعاني من صراعات أهلية.
كما جاء في مقدمة الميثاق تعهد الدول المشاركة في الهيئة بإنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحروب التي ذاقها العالم خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، والحفاظ على الحقوق الأساسية للإنسان وتحقيق العدالة والتسامح والعيش في سلام.
قد يهمك أيضاً: من منظّمة تقتصر عضويتها على الأقوياء، إلى هيئة تضم كافة الدول.. لماذا فشلت "عصبة الأمم"؟ وكيف قرر العالم استبدالها بـ "الأمم المتحدة"؟