أثارت قضية لافون، وهي عملية سرية إسرائيلية فاشلة موجهة ضد مصر في عام 1954، سلسلة من الأحداث التي كانت لها تبعات عميقة على علاقات القوة في الشرق الأوسط.
حتى أن آثار عملية التجسس الإسرائيلية تلك لا تزال أصداؤها تتردد حتى يومنا هذا. وقد شملت تلك الأحداث محاكمة وإدانة علنية لثمانية يهود مصريين نفذوا العملية السرية، وأعدم اثنان منهم فيما بعد.
الهدف كان عرقلة الانسحاب البريطاني من قناة السويس
بدأت "قضية لافون" بحادث أمني كان يُشار إليه في البداية باسم "esek bish" أو "العمل السيئ" باللغة العبرية.
ففي يوليو/تموز 1954، في عهد الرئيس السابق جمال عبد الناصر، بدأت إسرائيل عملية استخباراتية في مصر، تضمنت خطة لزرع قنابل في العديد من دور السينما ومكاتب البريد والمراكز الثقافية الأمريكية في القاهرة والإسكندرية.
وكان من المقرر أن يتم إلقاء اللوم في الهجمات على جماعة الإخوان المسلمين أو الشيوعيين أو الجماعات المعارضة أو القوميين المحليين وغيرهم، وذلك بهدف خلق مُناخ من العنف وعدم الاستقرار بما يكفي لحث الحكومة البريطانية على الاحتفاظ بقواتها المحتلة في قناة السويس المصرية.
وكان الهدف من تلك العملية تخريب المفاوضات بين مصر وبريطانيا العظمى فيما يتعلق بالانسحاب من قناة السويس، ومنع أي تطور في المشهد العربي بما يتيح أي توحُّد مستقبلي لمواجهة إسرائيل رداً على الهزيمة المدوية لهم في 1948.
ومن تداعيات كشف العملية القبض على 11 يهودياً مصرياً، عملوا كعملاء لإسرائيل، في القاهرة. وفي يناير/كانون الثاني 1955 حُكم على اثنين من المتهمين بالإعدام، وتم تنفيذ الحُكم، بينما أفرج عن اثنين لعدم كفاية الأدلة، وحُكم على الباقين ما بين السجن المشدد المؤبد والسجن 15 سنة مع الشغل أو السجن المشدد لسبع سنوات.
من جانبها، رفضت إسرائيل الاعتراف رسمياً بأي صلة بالعملية الفاشلة، وبالتالي لم تفعل شيئاً لمساعدة مواطنيها المعتقلين، معتقدة أنهم سيحصلون على أحكام خفيفة.
تفاصيل العملية
وفقاً لموقع Marefa للتوثيق والمعلومات، تلقت الخلية في مصر برقية توضح خطة وأوامر العمل كما يلي:
- العمل على الحيلولة دون التوصل إلى اتفاقية مصرية بريطانية.
- استهداف المراكز الثقافية والإعلامية والمؤسسات الاقتصادية.
- أي هدف يؤدي تدميره إلى توتر العلاقات بين مصر وبريطانيا وأمريكا.
- أحيطونا علماً بإمكانيات العمل في منطقة القناة.
- استمعوا إلينا في الساعة السابعة من كل يوم على موجة (G) لتلقي التعليمات.
وفيما بعد، اتضح أن موجة الراديو (G) هي موجة راديو إسرائيل وأن السابعة هي الساعة السابعة صباحاً وهو موعد برنامج منزلي يومي كانت المعلومات تصل عبره يومياً إلى الخلية. وعندما أذاع البرنامج طريقة "الكيك الإنجليزي" كانت هذه هي الإشارة لبدء العملية.
في مساء الثالث من يوليو 1954، انفجرت فجأة ثلاثة صناديق في مبنى البريد الرئيسي في الإسكندرية وسينما ريو، ملحقةً أضراراً طفيفة وعثرت السلطات المصرية على بعض الأدلة، مثل:
- علبة أسطوانية الشكل لنوع من المنظفات الصناعية كان شائعاً في هذا الوقت يُدعى "فيم".
- جراب نظارة يحمل اسم محل شهير في الإسكندرية يملكه أجنبي يُدعى "مارون أياك".
وبعد الفحص تبين أن العلبة الأسطوانية كانت تحتوي على مواد كيميائية وقطع صغيرة من الفوسفور الأحمر، ولأن الخسائر لم تكن بالضخامة الكافية فقد تجاهلت الصحافة المصرية الموضوع برمته.
وفي الرابع عشر من يوليو انفجرت قنبلة في المركز الثقافي الأمريكي (وكالة الاستعلامات الأمريكية) في الإسكندرية.
وعثر في بقايا الحريق على جراب نظارة مماثل لتلك التي عُثر عليها في الحادث الأول، غير أن السلطات المصرية رأت أن الشبهات تنحصر حول الشيوعيين والإخوان المسلمين.
وبرغم أن الصحافة لم تتجاهل الموضوع هذه المرة، لكنها أشارت إلى الانفجار والحريق باعتباره ناتجاً عن "ماس كهربائي"، بحسب موقع Sage Journal العلمي.
وفي مساء اليوم نفسه انفجرت قنبلة أخرى في المركز الثقافي الأمريكي بالقاهرة وعثر على جرابين من نفس النوع يحتويان على بقايا مواد كيميائية.
القبض على عنصر في الخلية أدى لكشف العملية
وفي 23 يوليو (الذكرى السنوية الثانية لثورة 1952 وإعلان الجمهورية المصرية) كان من المفترض وضع متفجرات في محطة القطارات ومسرح ريفولي بالقاهرة، وكذلك داري السينما (مترو وريو) في الإسكندرية.
إلا أن الأقدار لعبت دوراً في تعطيل العملية، إذ اشتعلت إحدى المتفجرات في جيب العميل المكلف بوضع المتفجرات بدار سينما ريو فأنقذه المارة.
ولسوء حظه تواجد رجل شرطة في المكان وتشكك في تصرفات الشخص المصاب، فاصطحبه إلى المستشفى بدعوى إسعافه من آثار الحريق.
هناك قال الأطباء إن جسم الشاب ملطخ بمسحوق فضي لامع وإن ثمة مسحوقاً مشابهاً في جراب نظارة كان يحمله في يده، ورجح الأطباء أن يكون الاشتعال ناتجاً عن تفاعل كيميائي.
وبتفتيش الشاب عثر معه على قنبلة أخرى عليها اسم "مارون أياك" صاحب محل النظارات. وبعد اعتقاله قال في التحقيقات إن اسمه فيليب ناتانسون، يهودي الديانة، وعمره 21 عاماً وجنسيته غير معروفة، واعترف بأنه عضو في منظمة هي المسؤولة عن الحرائق الأخيرة، بحسب موقع Encyclopedia للتوثيق.
وقد عثر في منزله على ورشة صغيرة للمفرقعات ومواد كيميائية سريعة الاشتعال وقنابل حارقة جاهزة للاستخدام وأوراق تشرح طريقة صنع القنابل. وبناءً على اعترافات ناتانسون تم القبض على اثنين آخرين، هما:
- فيكتور موين ليفي، مصري الجنسية يهودي الديانة، عمره 21 عاماً ويعمل مهندساً زراعياً.
- روبير نسيم داسا، مصري المولد يهودي الديانة، ويبلغ من العمر 21 عاماً ويعمل في التجارة.
وأمام المحققين أصر الثلاثة على أنهم يعملون بشكل فردي، وكان هدفهم من العمليات "أن يعرف الإنجليز والأمريكان أنهم سيخرجون من مصر بالقوة".
وقبل أن تنتهى التحقيقات كشفت تقارير المعمل الجنائي العثور على شرائح ميكروفيلم في منزل فيليب ناتانسون، وثبت فيما بعد أن هذه الشرائح دخلت مصر من باريس من خلال لصقها على ظهور طوابع البريد.
ولأن الميكروفيلم كان تطوراً تكنولوجياً فريداً في هذا الوقت، فقد كان قاصراً فقط على أجهزة المخابرات وشبكات التجسس، وبالتالي بدأت شبهة التجسس تحوم حول العملية.
وبعد تحليل الشرائح، اتضح أنها تحتوي على 7 وثائق عن تركيب واستعمال القنابل الحارقة إضافة إلى شفرة لاسلكي وأشياء أخرى.
سبب تسمية العملية بفضيحة لافون
عُرفت العملية التي أُطلق عليها اسم "عملية سوزانا" في نهاية المطاف باسم قضية لافون، نسبة إلى اسم وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك بنحاس لافون، الذي أُجبر حينها على الاستقالة نتيجة للفشل واستياء الرأي العام في دولة الاحتلال في ذلك الوقت.
وقد أنكرت إسرائيل علناً أي تورط لها في الحادث حتى عام 2005، عندما حصل العملاء الناجون على شهادات تقدير من الرئيس الإسرائيلي موشيه كاتساف.
وبحسب كتاب Global Terrorism، كان السؤال الرئيسي الذي أثير في ذلك الوقت في إسرائيل هو ما إذا كان وزير الدفاع بنحاس لافون، أو الضابط المسؤول عن عمليات المخابرات -الكولونيل بنيامين جيفلي- هو الذي أعطى الأمر بتنفيذ العملية الفاشلة غير المدروسة، ولم يتم إبلاغ رئيس الوزراء موشيه شاريت بها قبل تنفيذها.
وحتى يومنا هذا لا توجد إجابة واضحة عن هذا السؤال. إلا أن السياسة الإسرائيلية تأثرت بشدة على مدى ما يقرب من عقد من الزمان من تداعيات القضية، خاصة وأن رئيس الأركان آنذاك، موشيه ديان، قال إن لافون هو من أصدر الأمر، لكن آخرين اختلفوا على دقة تلك المعلومات.
تداعيات فشل العملية
حاولت إسرائيل استرضاء مصر للإفراج عن الخلية بعد أن أثارت القضية والأحكام الجدل في الشارع الإسرائيلي، كما أن الولايات المتحدة وبريطانيا طالبتا عبد الناصر بالإفراج عن المحتجزين، وبعث ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني ومسؤولون خطابات وطلبات مماثلة جميعاً قُوبلت بالرفض المطلق.
وفي بدايات عام 1968 تم الإفراج عن سجناء القضية ضمن صفقة تبادل للأسرى مع مصر في أعقاب نكسة يونيو/حزيران. وقد استقبلتهم رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير بنفسها بصحبة وزير الدفاع موشيه ديان ورئيس الأركان.
وتم تعيين معظم هؤلاء الجواسيس في الجيش الإسرائيلي كوسيلة مضمونة لمنعهم من التحدث بشأن القضية، وفقاً لموقع MidEastWeb العبري.
وبعد 20 سنة من أحداث عملية سوزانا ظهرت مارسيل نينو وروبير داسا ويوسف زعفران للمرة الأولى على شاشة التلفزيون الإسرائيلي وهاجموا الحكومات الإسرائيلية التى لم تكلف نفسها عناء البحث عن طريقة للإفراج عنهم.
استغلال القضية سياسياً لدى الحكومة الإسرائيلية
يُعتقد أن هذه العملية وتبعات القضية قد ظهر على خلفية صراعات سياسية حادة بين لافون الذي عُين وزيراً للدفاع بعد اعتزال بن غوريون، وبين أتباع الأخير مثل موشيه ديان وشمعون بيريز.
ففي أعقاب استقالة لافون، عاد بن غوريون من عزلته السياسية لتولي منصب وزير الدفاع، وبعدها فاز مرة أخرى برئاسة الوزراء واستمر حتى استقالته الثانية عام 1963 على خلفية تطورات القضية.
وقد بادرت الحكومة والكنيست الإسرائيلي إلى تشكيل عدة لجان تحقيق لكشف السؤال الأهم "من أعطى الأوامر بتفعيل الخلية؟"، اللجنة الأولى لم تصل إلى أي استنتاج، فيما وصلت لجنة تحقيق سياسية إلى أن لافون بريء وأن عملية تزوير وثائق قد تمت من قبل اللواء جيبلي، إلا أن بن غوريون لم يقبل بنتائج هذه اللجنة واستمر بالمطالبة بلجنة تحقيق قضائية.
وقد كان بن غوريون من أشد المؤيدين للتحقيق في قضية لافون، ما أدخله في صراعات حادة مع حزبه المُقب بـ"مباي"، الذي لم يعطه الدعم لاستمرار التحقيق، لذلك أعلن استقالته مرة أخرى عام 1963.
كما استمر بالضغط على من أعقبوه في رئاسة الوزراء ومنهم ليفي أشكول، إلا أن رد حزب مباي كان مدوياً، حيث تم انتخاب أشكول مرة أخرى للترشح لرئاسة الوزراء مقابل رفض ترشيح بن غوريون في عام 1965.
وتعتبر هذه القضية جزءاً من خلفية انشقاق بن غوريون عن مباي وتكوين حزب رافي لاحقاً، وفقاً لموقع مؤرخين 73 المصري لتوثيق الحروب والأحداث العسكرية.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.