في أوائل القرن الـ20، كان المخترع الأمريكي ذو البشرة السوداء يواجه شتى أنواع العنصرية والتحيزات، لكنها لم تمنعه من تقديم اختراعات أنقذت ملايين الأرواح، وما زالت تستخدم في شتى أنحاء العالم حتى يومنا هذا.
غاريت مورغان، المخترع الرائد
كانت السنوات الأولى من حياة مورغان مضطربة، لكنه تميز بإصراره منذ الصغر على تحقيق شيء ما لنفسه.
وُلد مورغان بولاية كنتاكي الأمريكية عام 1877، وكان الطفلَ الأوسط في عائلة مكوّنة من 7 أفراد، فشقَّ طريقه عبر العديد من العقبات لرسم مساره الخاص.
كانت والدته، إليزابيث ريد، من أصول هندية وإفريقية وابنة قسيس معمداني. أما والده سيدني، فكان مُستعبَداً سابقاً وأُطلق سراحه في عام 1863، حسب موقع Biography.
سيلعب تراث مورغان المختلط الأعراق دوراً في تعاملاته التجارية كشخص بالغ.
غادر مورغان المنزل بحثاً عن فرصة عمل في أوهايو بعد إنهاء دراسته بالمرحلة الابتدائية، ثم حصل على وظيفة عامل يدوي واستخدم راتبه لاستكمال تعليمه.
أثارت مصانع أوهايو اهتمام مورغان، وبدأ العمل في مصنع إنتاج ماكينات الخياطة، وسرعان ما اكتشف طريقة لتطوير هذا المنتج.
سجَّل مورغان براءة اختراع لماكينة خياطة جديدة خاصة به، وافتتح متجره الخاص لإصلاح ماكينات الخياطة في عام 1907.
ولأن ماكينات الخياطة كانت تتلف القماش في بعض الأحيان بسبب سرعة الإبرة، لجأ إلى تجربة خلطات كيميائية مختلفة؛ لمنع حدوث ذلك.
بعد ملاحظته أن هذه الخلطات الكيميائية ساعدت على تنعيم ألياف الصوف واستقامتها، اختبرها على شعر الكلاب، ثم على شعره الخاص، ما قاده إلى إنشاء شركة جديدة تماماً مُتخصّصة في منتجات تنعيم الشعر والعناية به.
غاريت مورغان وإشارة المرور
استطاع مورغان تحقيق قدر كبير من الأمن المالي بفضل ذكائه الشديد وأخلاقيات العمل القوية التي كان يتحلّى بها.
تزوج فيما بعد، امرأة بافارية تدعى ماري آن هاسك، وأسس نفسه في ولاية كليفلاند، كما أنجب من زوجته ثلاثة أبناء.
وما هي إلا سنوات، حتى أصبح مورغان أول رجل أسود البشرة يمتلك سيارة في مدينة كليفلاند، حسب موقع All That's Interesting.
ولأنَّه يتمتع بعقل مبدع ومبتكر، اكتشف مورغان الحاجة إلى اختراع آخر عند سيره على الطريق، وهو الاختراع الذي نستفيد منه حتى يومنا هذا.
كانت الطرق في ذلك الوقت تتضمن علامات تشير إلى متى يجب على السائق التوقف ومتى يجب عليه التحرّك، لكن مورغان رأى أنَّ ثمة حاجة إلى شيء أكثر تطوراً وبدأ العمل على تطوير إشارات المرور.
قادته حادثة وقعت في أوائل عشرينيات القرن الماضي إلى لوحة الرسم، ليضيف في نهاية المطاف ضوءاً أصفر بين الضوءين الأخضر والأحمر، وهو ما قدَّم للسائقين تحذيراً كافياً من أنَّ هناك وضع توقف قادم.
سجَّل مورغان براءة اختراع إشارة المرور الجديدة الخاصة به في عام 1923، الأمر الذي جذب اهتمام شركة "جنرال إلكتريك"، التي قدمت عرضاً مالياً جيداً لشراء فكرته، حسب موقع Ohio History.
استخدم مورغان المبلغ لشراء قطعة أرض لعائلته والتبرّع لطلاب الجامعات من أصحاب البشرة السوداء.
مأساة تلهم اختراع أقنعة واقية من الدخان
ورغم أن ماكينات الخياطة كانت سبب انطلاق المسيرة المهنية للمخترع غاريت مورغان، فإنها ألهمت أيضاً، على نحوٍ مأساوي إلى حدٍّ ما، أحد أعظم اختراعاته.
في عام 1911، نشب حريق بمصنع "Triangle Shirtwaist" لصناعة الملابس في كليفلاند، أسفر عن مقتل 150 عاملاً، فأراد مورغان المساعدة.
عَلِم مورغان أنَّ الهواء النظيف في الحرائق يمكن العثور عليه عند مستوى سطح الأرض، لذا ابتكر قناعاً للوجه مزوّداً بمجموعة خراطيم متدلية تسمح لمن يرتديه بسحب الهواء النظيف من أسفل الدخان المتصاعد.
تقول ساندرا مورغان، حفيدة غاريت مورغان: "اعتقد أنَّه استوحى هذا الاختراع من الأفيال في السيرك. كانت درجة الحرارة مرتفعة للغاية، فرأى جدي الأفيال تمد خراطيمها خارج الخيمة لتستنشق هواء نقياً".
حصل مورغان على براءة اختراع القناع الواقي من الدخان في عام 1914، وجاب أرجاء البلاد يبيع اختراعه لرجال الإطفاء.
اشترت أكثر من 500 مدينة هذه الأقنعة الواقية، لكنَّه وجد صعوبة في بيع اختراعاته بالولايات الجنوبية، بسبب قوانين الفصل العنصري.
لجأ مورغان إلى استئجار مُمثّل أبيض البشرة ليؤدي دور المخترع، حسب ما نشرته شبكة Pbs.
وبينما كان الممثل يؤدي دوره، كان مورغان يخفي هويته خلف أحد هذه الأقنعة الواقية ويسير داخل خيمة مليئة بالدخان نُصبت لتوضيح كيفية عمل هذه الأقنعة، ليتبيَّن أنَّها كانت خدعة ناجحة.
مورغان ينقذ الأرواح في انفجار نفق كليفلاند
بات قناع الحماية الخاص بمورغان قصة إخبارية تصدرت الصفحات الأولى لوسائل الإعلام الأمريكية في عام 1916. وعندما انفجر جيب مخفي للغاز الطبيعي بأحد أنفاق محطات المياه في كليفلاند، تسبب الدخان الكثيف في جعل العمال محاصَرين داخل النفق.
هرعت فرق الإنقاذ لمساعدة هؤلاء العمال، لكن توفّي أكثر من نصفهم، بسبب استنشاق هذا الدخان القاتل.
اتصلت شرطة كليفلاند بغاريت مورغان، فأحضر أكبر عدد ممكن يستطيع حمله من أقنعته الواقية وهرع إلى مكان المأساة، حسب ما نشرته مجلة American Scientific.
دخل مورغان النفق، بمساعدة شقيقه فرانك، ونجحا في إنقاذ اثنين من العُمّال وانتشال جثث عدة أشخاص آخرين.
في اليوم التالي، تجاهلت عناوين الأخبار بالصحف الأمريكية الكبرى ما قدمه مورغان من مساعدة. وقالت ساندرا مورغان: "حصل رئيس العُمّال وآخرون على مكافأة مالية كبيرة وميداليات وإشادة من الصحف. لكن لم يُذكر اسم جدي على الإطلاق!".
ضاق مورغان ذرعاً بهذا التجاهل، فكتب إلى عمدة كليفلاند رسالة جاء فيها: "أنا لست رجلاً حاصلاً على تعليم عالٍ، لكن لديَّ شهادة دكتوراه من جامعة الحياة الصعبة والمعاملة القاسية".
أقرّت الصحافة أخيراً بأفعال مورغان البطولية، لكن هذه الدعاية جاءت بنتائج عكسية، إذ قاطع اختراعاته العديدُ من عملاء مورغان، الذين لم يكونوا على دراية بعرقه الأسود قبل نشر ذلك في الصحف.
العقبات أمام المخترعين السود في عصر قوانين "جيم كرو"
قدَّم مورغان على مدار حياته كثيراً من الاختراعات، وبينما كان يتقاضى أجراً مقابل ابتكاراته، كان التمييز العنصري السائد بهذه الفترة يفعل أسوأ ما في وسعه للتعتيم على جهوده.
ومع ذلك، ترفّع مورغان عن كل ذلك باستمراره في اختراع أشياء لمساعدة الآخرين وبمواصلة جهوده الإنسانية لخدمة مجتمعه.
دعم مجتمع الأمريكيين من أصل إفريقي
بعيداً عن مسيرته الابتكارية، دعم مورغان بجدٍّ مجتمع الأمريكيين من أصل إفريقي طوال حياته.
فانضم إلى الجمعية الوطنية للنهوض بالأشخاص الملونين (NAACP)، وهي منظمة حقوق مدنية للأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية في الولايات المتحدة، ثم أصدر صحيفة "Cleveland Call" المعنية بشؤون وأخبار الأمريكيين ذوي البشرة السوداء.
كما افتتح نادياً للسود ودعم الجامعات والكليات التي توفر التعليم للأمريكيين السود.
وفاته وإرثه
أصيب موغان بالسكري في عام 1943، وفقد معظم بصره نتيجة لذلك قبل أن يتوفى في عام 1963، قبل فترة وجيزة من الاحتفال بالذكرى المئوية لإعلان تحرير العبيد، وهو الحدث الذي كان ينتظره.
ولكن قبل وفاته بقليل، تم تكريمه من قِبل الحكومة الأمريكية لاختراعه إشارة المرور، وفي النهاية تمت إعادته إلى مكانه في التاريخ كبطل حادثة النفق.
أنقذ مورغان حياة عدد لا يحصى من الأرواح في جميع أنحاء العالم، وضمنهم رجال الإطفاء والجنود ومشغلو المركبات، من خلال اختراعاته المفيدة. لكن للأسف، مثل العديد من المبدعين الآخرين، لم ينل غاريت مورغان ما يستحقه من عرفان وتقدير إلا بعد وفاته في عام 1963.
تقول حفيدته ساندرا مورغان لمجلة Popular Mechanics: "كان جدي مخترعاً، لكنه اعتبر نفسه رجل أعمال أولاً ورائداً.. أشار إلى نفسه باسم إديسون الأسود".