أتساءل ما هو شعور الملكة وهي تلد تحت أنظار رجال الدولة والحاشية والأميرات والنبلاء الذين يتحلقون حولها ويوجهون أنظارهم إليها باهتمام منتظرين اللحظة التي تنجب بها وليدها فيعاينون جنسه بأنفسهم ثم ينقلون الخبر إلى حشود الشهود الموجودين في الغرفة المجاورة؟
ذلك المشهد لم يكن من وحي الخيال، فقد كانت العادات تقتضي أن يحضر الولادة الملكية عدد من الشهود، فما سر هذه العادة الغريبة التي انتشرت في سائر أنحاء أوروبا؟
الولادة الملكية.. "فُرجة" لرجال الدولة والنبلاء
لم يكن الطفل الملكي كغيره من الأطفال، فهو سيكون وريثاً محتملاً لإمبراطوريات وممالك.
وقد وردت حكايات من التاريخ القديم عن ملكة ولدت طفلاً ميتاً فاستبدلته بطفل آخر حديث الولادة لتعلن أنها أنجبت وريثاً للعرش، كذلك هناك قصص عن ملكات أنجبن بنات واستبدلنهن بذكور لنفس الغاية تماماً.
منعاً لحدوث مثل هذه المشاكل ظهرت عادة غريبة في عدة ممالك وإمبراطوريات تقتضي أن يحضر الولادة الملكية عدد من الشهود ليؤكدوا أن الطفل الملكي لم يتم تبديله، ولا نتحدث هنا عن شاهد أو اثنين فقد بلغ عدد شهود ولادة ماري أنطوانيت على سبيل المثال 200 رجل وامرأة.
أمثلة من التاريخ عن الولادات الملكية
لم تكن آلام المخاض وحدها ما تشغل بال الزوجة الإسبانية الخجول للملك الفرنسي لويس الرابع عشر، فقد كان عليها أن تعاني هذه الآلام في غرفة تعج بالأميرات والدوقات والكونتيسات ورجال البلاط الذين يشهدون الولادة الملكية، في 1 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1661.
لم يكن الازدحام فقط في غرفة الولادة، فقد كانت الكرنفالات مقامة في ساحة القصر، وتحت شرفة الملكة تجمَّع راقصو الباليه والموسيقيون الإسبان.
كل تلك الجلبة داخل غرفة الولادة وخارجها ساهمت في زيادة توتر الملكة المسكينة التي راحت تصيح بلغتها الأم: "لا أريد أن أنجب، أريد أن أموت"، وفقاً لما ورد في موقع History.
وبعد 12 ساعة من العذاب، أنجبت الملكة أخيراً صبياً أطلق عليه اسم لويس دو فرانس.
في هذه الحالة كان رجال البلاط في الغرف الداخلية يشيرون إلى جنس الطفل لأولئك الموجودين في الغرف الخارجية عن طريق إلقاء قبعاتهم في الهواء، أما إذا كانت المولودة أنثى فكان تشبيك الذراعين هو الطريقة التي يتبعها شهود الولادة لنقل الخبر إلى الآخرين.
ضغوط بعد الزفاف مباشرة ومراقبة حثيثة منذ بداية الحمل
ما إن تتزوج إحداهن بمَلك ما حتى تبدأ الضغوط لإنجاب وريث العرش بمجرد انتهاء احتفالات حفل الزفاف، وعبر العصور كان الحمل بذكر على وجه التحديد هاجس الملكات الأول.
فعلى سبيل المثال عندما يئست الملكة الفرنسية كاثرين دي ميديشي في القرن السادس عشر من الحمل لجأت إلى طرق غريبة نصحها بها المعالجون الشعبيون، مثل شرب بول الفرس، ووضع كيس من روث البقر الممزوج بقرون الأيل على أعضائها التناسلية!
وما إن تعلن الملكة عن حملها حتى تخضع للمراقبة الحثيثة من اليوم الأول، وينتهي بها المطاف في غرفة تعج بالمراقبين في يوم الولادة.
استطاعت الإمبراطورة ماريا تيريزا التخلص من هذه العادة في النمسا، لكن ابنتها ماري أنطوانيت، ملكة فرنسا وزوجة الملك لويس السادس عشر، لم تتمكن من إبطال هذا التقليد الراسخ في فرنسا وقد شهد حشد كبير يوم ولادة ابنتها عام 1778.
فوفقاً لما ورد في موقع History Extra، فقد امتلأت غرف القصر بالشهود على ولادة الملكة ووصل عددهم إلى مئتي شخص، حتى إن بعض "المتفرجين الملكيين" جلسوا في أماكن عالية ليتاح لهم معاينة الموقف بشكل أفضل.
وبعد مخاض دام طويلاً على مرأى المتفرجين، أنجبت الملكة طفلة حملت اسم جدتها: ماريا تيريزا، وقد كان الصخب والازدحام في غرفة الولادة شديداً لدرجة أن الملكة أغمي عليها لقلة الأوكسجين في الغرفة.
الصبي ملك للدولة
عندما تلد الملكة أنثى، كما في حالة ماري أنطوانيت، سيتاح لها الاهتمام بطفلتها ورعايتها، لكن في حال كان المولود ذكراً فهو يعتبر ملكاً للدولة في المقام الأول، ومن الأمثلة الشهيرة على الأطفال الذكور الذين انتزعوا من أمهاتهم نذكر بولس الأول الذي انتزعته جدته من أحضان أمه كاترين لتربيه هي.
كانت تجربة ولادة كاترين (التي أصبحت فيما بعد كاترين العظمى إمبراطورة روسيا) مروعة للغاية فقد تم أخذ ابنها منها فور ولادته وحبست لأشهر وحيدة بعد ذلك.
وكانت الإمبراطورة إليزابيث هي من أخذت حفيدها من أحضان والدته لتربيه، لكن عندما توفيت واعتلى ابنها المختل عرش الإمبراطورية الروسية حصلت كاترين على انتقامها وخلعت زوجها لتصبح السلطة الكاملة بيدها.
بروتوكولات الولادة
كانت هناك بعض المحاولات لمنح الأمهات الملكيات الحوامل تجربة ولادة أكثر هدوءاً.
نذكر منها البروتوكولات التي وضعتها مارغريت بوفورت والدة ملك إنجلترا هنري السابع، لم تنسَ مارغريت تجربة الولادة المروعة التي مرت بها وهي لا تزال في الـ13 من عمرها، لذلك عندما أصبح ابنها ملكاً وضعت مارغريت بروتوكولاً دقيقاً يجب اتباعه أثناء ولادة جميع أحفادها.
ومن ضمن هذه البروتوكولات أن تختار الأم الغرفة المناسبة لها لتلد فيها، وأن تكون هذه الغرفة جيدة التهوية ومضاءة بشكل جيد.
عادة لم تنقرض تماماً إلا منذ عقود
وأنت تقرأ السطور الفائتة لا بد أنك تعتقد أننا نتحدث عن التاريخ القديم وأن هذه العادة قد اندثرت منذ وقت طويل.
لكن قد تفاجئك معرفة أن الملكة إليزابيث الثانية، هي أول ملكة في تاريخ بريطانيا تنجب طفلاً دون حضور وزير الداخلية.
ولم تتفرد الملكة إليزابيث فقط بعدم حضور الغرباء لولادتها، كذلك فهي أول امرأة ملكية يرافقها زوجها عند الولادة، وفقاً لمجلة Hello الأمريكية، فقد حضر الأمير الراحل فيليب ولادة ابنه الرابع الأمير إدوارد.