لا شكَّ في أن هناك كثيراً من الأشياء حولنا تؤثر بشكل سلبي على البيئة، كالمعامل والسيارات التي تطلق كثيراً من الغازات السامة في الجو وتؤثر على سلامة الكوكب، ولكن هل خطر لك يوماً أن يكون بنطال الجينز الذي ترتديه له تأثير على مشاكل البيئة أيضاً؟
إذا كنت لا تدري ذلك فندعوك إلى التعرف معنا على الآثار السلبية التي يخلّفها وراءه تصنيع الملابس المصنوعة من الجينز على البيئة.
مشاكل البيئة التي تتسبب بها صناعة الجينز
أولاً، يُصنع قماش الجينز من مادة خام تدعى "الدنيم" والتي تصنّع بدورها من القطن، ويكون لونها أزرق نيلياً باستخدام مستخلصات من زهرة النيلة الزرقاء.
يتميز الدنيم بأنه مادة شديدة الحساسية وسريع التآكل مقارنة بالمنتَج النهائي للجينز، الذي يحافظ على ملمسه وشكله فترة أطول بكثير. ويكتسب الدنيم قوته هذه بعد خضوعه لعمليات المعالجة في المعامل والمصانع.
بشكل عام فإن أي منتج مصنوع من الجينز مثل البناطيل مثلاً، يكون مصنوعاً من خلال مزج الدنيم بألياف صناعية مثل البوليستر ولكن بنسب لا تكاد تُذكر.
ولذلك سنركز حديثنا بشكل أكبر، على الدنيم وطريقة تصنيعه ومعالجته.
تقول تاتيانا شلوسبرج المراسلة البيئيّة السابقة في صحيفة New York Times ومؤلفة كتاب "الاستهلاك غير الواضح" وهو كتاب جديد عن الأثر البيئي الخفي للمنتجات: "إنّ الدنيم يصنع بشكل أساسي من القطن، المعروف بدوره بأنه من المحاصيل العطشى جداً والتي تستهلك كميات خياليّة من الماء".
وأضافت وفقاً لمجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية الأمريكية NRDC، أن إنتاج كيلوغرام واحد فقط من القطن يتطلب 7660 غالوناً (28957 لتراً) من الماء، إذ إن غالون الماء الواحد، وفقاً لوحدة القياس الأمريكية، يساوي 3.75 لتر.
في حين يحتاج "دنيم" يكفي لتصنيع بنطال جينز واحد إلى نحو 700 غرام من القطن، مما يعني أن إنتاج بنطال الجينز الواحد يحتاج 20269 لتراً من الماء.
أما إذا أردنا إجراء مقارنة بسيطة مع منتجات أخرى مثل الطماطم مثلاً، فإنَّ إنتاج 1 كيلوغرام منها يحتاج 76 غالوناً (235 لتراً) من الماء.
المواد الكيماوية المستخدمة في تحويل الدنيم إلى قماش جينز
من أجل صناعة قماش الجينز، يخضع الدنيم لعديد من عمليات الغسل الكيميائية المكثفة.
ويقول نشطاء في مجموعة Green Peace البيئية، والذين قاموا بمتابعة التدفقات الخارجة بالقرب من مرافق الصباغة والتشطيب في أكبر مدن إنتاج الدنيم بالعالم وهي Xintang الصينية، إن هناك 5 معادن ثقيلة في العينات التي أخذوها من مياه الأنهر هناك وهي: الكادميوم والكروم والزئبق والرصاص والنحاس.
ويقول موقع Ecowatch إن هذه المواد الكيميائية الموجودة في المياه لا تبقى مكانها وحسب؛ بل إنها قد تنتقل إلى المحيطات، لتؤثر على سلاسل الغذاء.
وتشير التقديرات وفقاً للموقع ذاته، إلى أن 70% من أنهار وبحيرات آسيا ملوثة بـ2.5 مليار غالون من مياه الصرف الصحي التي تنتجها صناعة الدنيم في تلك القارة.
عاصمة الدنيم في العالم
لا يوجد مكان في العالم يمكن أن يلاحظ الشخصُ فيه تأثيرات صناعة الجينز أكثر من مدينة Xintang الصينية التي تعتبر بمثابة عاصمة الدنيم في العالم.
واحدة من كل 3 قطع ملابس مصنوعة من الجينز في العالم، يكون مصدرها هذه المدينة حتماً، حتى إن أنهار المدينة في عام 2013 أصبحت مصبوغة تماماً بلون الجينز ورائحتها الكريهة فاقت الوصف.
أما السبب وفقاً للمراسلة البيئية شلوسبرج، فهو قيام الشركات المصنِّعة بإلقاء مياه الصرف الصحي المحمَّلة بالمواد الكيميائية مباشرة في الأنهار التي يعتمد عليها السكان للشرب والاستحمام، والذين أبلغ بعضهم عن إصابته بالطفح الجلدي وبعض الآفات الأخرى.
ولذلك قامت الحكومة الصينية بإغلاق 76 منشأة بين عامي 2016 و 2018، من ضمنها أماكن صباغة وطباعة.
وتوضح شلوسبرج أن صناعة الدنيم تمر بعديد من المراحل قبل أن يصبح قماش جينز، تبدأ بمرحلة الصباغة التي تستهلك كثيراً من الطاقة والمياه وتُستخدم فيها صبغات صناعية بدلاً من النباتية.
ومن ثم تتم معالجة الأقمشة وغسلها، بشكل متكرر، بمجموعة من المواد الكيميائية مثل المُبيضات والمواد المنعِّمة أو المواد التي تنسّق الألوان.
وختمت شلوسبرج بأن الأجيال القادمة هي التي ستدفع فاتورة استخدامنا للجينز في صنع الملابس؛ لكونه يستهلك كمية كبيرة من الماء والطاقة ويخلق تلوثاً بيئياً لا يصدَّق.
كيف يجب أن نحل المشكلة؟
عالِم الحفاظ على الأنهار الشهير مارك أنجيلو وخلال مشاركته في الفيلم الوثائقي البيئي RiverBlue الذي حاز 13 جائزة على مستوى العالم، تساءل عما إذا كانت شركات الملابس ذات العلامات التجارية تتجاهل كل هذه التأثيرات وتتجه نحو تصنيع ملابسها بشكل أسرع وأرخص للمستهلك، لاسيما أن الملابس منخفضة التكلفة لها تكلفة عالية مرتبطة بالبيئة والصحة العامة.
وأضاف أن الأنهار في العالم قد دمرتها النفايات الكيميائية، بينما المجتمعات المحلية التي تعتمد على هذه الأنهار للشرب والاستحمام، أصبحت تعاني من ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض السرطان والمعدة والجلد.
كيف يمكنني كفردٍ التأثير من أجل حل المشكلة؟
لا شكّ في أن كثيراً من الناس الذين قرأوا هذا التقرير، لم يكن لديهم مسبقاً أدنى فكرة عن تأثير صناعة الجينز على البيئة، وهذا تماماً ما تعوّل عليه شركات تصنيع الجينز الدولية، ومن ثم فإنها ليست مُجبرة على الكشف عن معلومات حول عمليات الإنتاج الخاصة بها.
ولذلك علينا نحن كأشخاص، في المقام الأول، أن نبحث وراء العلامات التجارية التي نشتري ملابسنا منها، ونعرف من أي مكان تشتري أقمشتها الجينزية؛ لنعرف ما إذا كانت هذه الشركات تراعي معايير الإنتاج الدولية المحددة أم لا.
وبالتالي وبعد معرفة تلك المعلومات، علينا أن نقرر ما إذا كان علينا الاستمرار في شراء منتجاتها أم لا.
ثانياً، إذا كنت تريد تغيير بعض عادات التسوق لديك، فإليك بعض النصائح:
تجنُّب الإفراط في استهلاك ملابسك الجينز، أو ارتدِها أطول فترة ممكنة.
خُذ الجينز الموجود لإصلاحه عند الحاجة بدلاً من التخلص منه تماماً.
عندما تشتري ملابس جينز جديدة اختر العناصر المُعمرة التي ستستمر لسنوات بدلاً من شهور.
ارتدِ بناطيل قماشية بدلاً من الجينز.