يتفق الإسماعيلية مع عموم المسلمين في وحدانية الله ونبوة محمد ونزول القرآن، ويتفقون مع عموم الشيعة على مبدأ الإمامة، لكنهم يختلفون مع عموم الشيعة على تسميات الأئمة، ويختلفون مع عموم المسلمين والشيعة كذلك في أن القرآن "يحمل تأويلاً باطنياً غير تأويله الظاهري". لذلك أُطلِقَ عليهم لقب "الباطنية" من قِبل السنة والشيعة الاثني عشرية.
فرق الإسماعيلية وشيعهم كثيرة، حاولت تلخيصها لكم قدر المستطاع هنا.. فلنستكشفها معاً:
من هم الإسماعيلية؟
كي نفهم من هم الإسماعيلية على وجه التحديد نحتاج أن نعود إلى الوراء قليلاً، وأن نبدأ من المذهب الشيعي. لم يبق الشيعة على مر العصور على قلب واحد، فقد انقسموا عقائدياً إلى 4 طوائف رئيسية هم الاثنا عشرية والعلوية والزيدية والإسماعيلية.
وأما الإسماعيلية فهم ثاني أكبر طائفة شيعية بعد الاثني عشرية، تفرعوا بدورهم إلى 4 طوائف هم: السبعية والفاطميون والقرامطة والدروز.
لذا فعندما نتكلم عن الإسماعيلية فنحن نتحدث عن طائفة شيعية ضخمة تضمُّ تحت مظلتها خمس طوائف أخرى، كان لبعضها أثرٌ سياسيّ هام في التاريخ الإسلامي مثل الفاطميين والقرامطة.
جنازة وهمية.. بداية الانشقاق
كما هو معروف، يؤمن الشيعة أن علياً بن أبي طالب وأحد عشر إماماً من نسله هم الأئمة الواجب اتباعهم والخلفاء الذين كانوا أولى بالمبايعة، ويعتمدون في ذلك على أحاديث مثل "حديث المنزلة" و"حديث الغدير" و"حديث الخلفاء القرشيين الاثني عشر".
وقد بقي الشيعة يحملون راية واحدة حتى وفاة إمامهم السادس جعفر الصادق عام 765، حينها انقسم الشيعة إلى قسمين فرأى بعضهم أن الإمامة يجب أن تكون لابنه الأكبر الذي أوصى له واسمه إسماعيل المبارك، بينما رأى آخرون أن الإمام هو أخوه موسى الكاظم وذلك لثبوت موت إسماعيل في حياة أبيه وشهادة الناس ذلك.
لكن الفريق الأول احتج بأن الإمام الصادق أقام جنازة وهمية لابنه إسماعيل لحمايته من العباسيين وأن إسماعيل الملقب بالمبارك لم يكن قد مات وقتها، وإنما كان قد احتجب وأقام الدعوة في السر.
ومن هنا نشأ تياران في صفوف الشيعة، سمي الأول بالاثني عشرية وهم أتباع موسى الكاظم، بينما شكل الإسماعيليون أو "المباركيون" التيار الثاني، وهم ممن اعتقدوا بإمامة إسماعيل المبارك.
ملاحظة: في عصرنا هذا غالباً ما يشير مصطلح "الشيعة" إلى الاثني عشرية لأنهم الأكثر عدداً، وبالرغم من وجود أفرع للمذهب الإسماعيلي إلا أن تسمية الإسماعيلية اليوم تدل على الطائفة النزارية.
4 فرق تشعبت عن الإسماعيلية
1. السبعية.. عقيدة "الإمام الغائب" التي لم يعد لها وجود
بعد انشقاق الإسماعيلية عن عموم الشيعة لاختلافهم على هوية الإمام الذي سيخلف جعفر الصادق، بايع الإسماعيليون محمد بن إسماعيل الذي لُقب بـ"المكتوم" ليكون إمامهم السابع، كذلك أطلق عليه لقب "المستور" لسبب وجيه في الواقع.
فقد كان على محمد بن إسماعيل أن يعيش جل حياته متستراً ومتخفياً اتقاءً لشر العباسيين، وتستّره ذاك يعرف لدى الإسماعيليين بـ"الغيبة الكبرى".
والغريب أن هذا الإمام المستور لم يتواصل مع جمهوره من الإسماعيليين بشكل مباشر، إنما عن طريق شخص لا يعرف سواه هوية الإمام ويدعى "الداعي".
وقد توالى على وظيفة الداعي أربعة رجال هم الوافي أحمد، ثم خلفه ابنه التقي محمد، ثم خلفه ابنه حسين الملقب الزكي عبد الله، ثم خلفه ابنه عبد الله بن حسين.
في واقع الأمر، كان لهؤلاء الدعاة دور أكثر مركزية على مر التاريخ الإسماعيلي، وكانوا الموجهين الأساسيين لحركة الدعوة والإمامة.
لكن بعد اختفاء محمد بن إسماعيل -بسبب موته على الأرجح- انقسم الإسماعيلية مجدداً فيما بينهم إلى 3 فئات:
- أغلب الإسماعيلية اعتقدوا أن الإمام محمد بن إسماعيل قد "غاب" "الغيبة الكبرى"، وهي العقيدة التي أدت إلى ظهور القرامطة في وقت لاحق.
- فيما قبلت فئة من الإسماعيليين حقيقة موت الإمام ونقلوا الإمامة إلى نسله، وهؤلاء كانوا نواة للفاطميين.
- وهناك فئة اعتقدت أن الإمام محمد بن إسماعيل هو "الإمام الغائب"، أي "المهدي"، الذي سيظهر يوماً ما ليقيم الدعوة من جديد… وهؤلاء هم السبعية الذين يعتقدون أن محمد بن إسماعيل هو الإمام السابع والأخير ولا يعترفون بأحد بعده. (مع العلم أن الإسماعيلية يعتقدون أن إسماعيل المبارك لم يمت بحياة أبيه الإمام السادس جعفر الصادق إلا أن إمامهم السابع لم يكن إسماعيل نفسه إنما كان ولده محمد بن إسماعيل).
مع ذلك، يستخدم لفظ السبعية أحياناً للدلالة على الإسماعيلية في عمومهم لاختلافهم مع باقي الشيعة على الإمام السابع، خاصة أن تيار السبعية انتهى مبكراً وانضوى أتباعه تحت الفرق الإسماعيلية الأخرى، ولم يعد أحد يؤمن بعقيدة هذا التيار في يومنا هذا، وفقاً لما ورد في كتاب The Isma'ilis: Their History and Doctrines لمؤلفه فرهاد دفتري.
2. الفاطميون
لم يؤمن الفاطميون بأن محمد بن إسماعيل هو المهدي، أو بأنه غاب غيبة كبرى في مكان ما، بل تقبلوا ببساطة واقع أنه فارق الحياة وسارعوا إلى مبايعة الإمام الجديد من نسله، فكان إمامهم الثامن هو الوافي أحمد "المستور" كذلك، وفقاً لكتاب "تاريخ الفاطميين في شمالي إفريقية ومصر وبلاد الشام" لمؤلفه الدكتور محمد سهيل طقوش.
ووفقاً للعقيدة الفاطمية فإن سلالة الأئمة استمرت غير منقطعة إلى أن وصلت إلى عبد الله بن حسين الداعي الإسماعيلي الرابع، الذي تَسمَّى "عُبيد الله المهدي"، وأعلن أنه هو الإمام الحادي عشر والخليفة الأول من البيت الفاطمي. وفي حين تشير بعض المصادر التاريخية إلى أن عبيد الله هذا هو فعلاً من نسل محمد بن إسماعيل تشير مصادر أخرى إلى أنه مُدَّعٍ فارسي أو يهودي الأصل.
بكل الأحوال، لم تكن الدعوة هذه المرة عقائدية فقط، فقد نشأ عنها الدولة الإسلامية الأولى التي اتخذت من المذهب الشيعي مذهباً رسمياً لها.
بدأت دعوة الفاطميين في المغرب بعيداً عن أنظار العباسيين في الشرق الإسلامي، وراحوا يدعون الناس للقتال باسم المهدي المنتظر، الذي تنبأوا بظهوره القريب، واستطاعوا استقطاب الحلفاء خصوصاً في أوساط قبيلة كتامة النافذة، وما لبث نفوذهم أن تعاظم حتى شكلوا دولة خلافة مستقلة عن الخلافة العباسية، واتخذوا من مدينة المهدية في تونس عاصمة لهم.
سرعان ما تعاظم نفوذ الفاطميين، واستطاعوا الوصول إلى مصر، حيث أسسوا القاهرة واتخذوهاعاصمةً لهم ومركزاً للدعوة الإسماعيلية، ثُمَّ توسَّع الخُلفاء الفاطميّون أكثر فضمّوا إلى مُمتلكاتهم جزيرة صقلية، وأجزاء كبيرة من الشَّام، والحجاز في بعض الفترات، فأصبحت دولتهم أكبر دولةٍ نافست الدولة العبَّاسيَّة.
وحسب المذهب الإسماعيلي الذي انتهجه الفاطميون كان الخليفة الفاطمي هو الشخص الذي تجتمع له السلطتان الدينية (خليفة) والدنيوية (الإمامة) للمرة الأولى منذ خلافة علي.
الانشقاق إلى نزاريّة ومستعليّة
حتى عند الحديث عن الفاطميين وهم إسماعيليو الأصل، نجد تفرعات وانشقاقات مذهبية أدت إلى ظهور فرقٍ جديدة، فبعد وفاة الإمام الثامن عشر الخليفة المستنصر بالله عام 1094 نشب خلاف في البيت الفاطمي، بين أولئك الذين اعتقدوا أن ابنه الأكبر نزار هو الإمام حسب وصية أبيه، وبين من تحزبوا لابنه الآخر أحمد المستعلي بالله.
كان وزير المستنصر القوي "الأفضل شاهنشاه" مؤيداً للمستعلي، وأكثر الأطراف المتنازعة نفوذاً، ما حسم الخلاف لصالح هذا الأخير، فدعي إليه إماماً تاسع عشر، وسُجن نزار ومات لاحقاً في سجنه في الإسكندرية، وفر ابنه الهادي مع أتباعه إلى آسيا الوسطى حيث ناصره حسن الصباح (مؤسس فرقة الحشاشين)، محدثين بذلك انشقاقاً جديداً في الإمامة ما بين مستعلية (مؤيدين للمستعلي) ونزارية (مؤيدين لنزار).
من الجدير بالذكر أن النزاريّة وحدهم لا يُقرِّون إمامة حسن بن علي بن أبي طالب، لذا فترتيب الأئمة عندهم ينقص واحداً عما هو معروف لدى باقي الفرق، بما فيها الفرق الإسماعيلية الأخرى مثل المستعلية، وأن تسلسل الإمامة في الفرع النزاريّ يعود إلى علي عبر ابنه حسين حصراً.
انشقاق المستعليّة إلى حافظية وطَيِّبِية
حتى أولئك الفاطميون الذين اتبعوا المستعلي بالله انشقوا فيما بينهم بعد أن اغتال النزاريون منصور الآمر بأحكام الله بن أحمد المستعلي بالله عام 1130، فاختلف البيت الفاطمي من الإمام الذي سيخلفه، فمنهم من رأى أن الطيب أبي القاسم بن منصور هو الإمام وعرف أولئك بالطيِّبية، ومنهم من بايع الحافظ لدين الله ابن عم الآمر بأحكام الله، فعرفوا بالحافظية.
اعتقد الطيبية بغيبة الإمام الطيب أبي القاسم، فكان هو إمامهم الحادي والعشرين والأخير، ويعرفون اليوم باسم (البهرة) الذين تفرعوا لاحقاً إلى بهرة داوودية وسليمانية وعَلَوِّية بعد أن اختلفوا على هوية الداعي المُطلَق.
أما الحافظية فقد انتهت بسقوط الدولة الفاطمية على يد الأيوبيين في القرن الثاني عشر الميلادي، لذا فكل المستعليّة الباقية اليوم هم من الطَّيِّبِية.
3. القرامطة
في حين كان الأئمة الإسماعيلية "متسترين" على مر العصور ويخاطبون جمهورهم عن طريق الدعاة، ظهر عبيد الله المهدي جهاراً عام 899، وقال إنه الإمام كما سبق وذكرنا وأمر جميع الدعاة في مختلف الأمصار، بإعلان أنه الإمام الحادي عشر للمسلمين ونشر الدعوة باسمه على أنه "المهدي".
إلا أن الإسماعيلية في العراق والبحرين وخراسان رفضوا الاعتراف بإمامة عبيد الله، وكان على رأسهم حمدان قرمط، الذي كانت مدينة واسط العراقية مركزاً لدعوته الإسماعيلية.
وواصل أولئك تمسُّكهم بإيمانهم الأصلي بشأن مهدية محمد بن إسماعيل، ليقيموا عام 899 دولة في البحرين، معلنين قطع علاقتهم بعبيد الله وثورتهم على الدولة العباسية، وعرفوا فيما بعد باسم القرامطة، الذين وصفهم عديد من المؤرخين المسلمين بأنهم ملة كفرٍ، ظاهرها التشيع.
فقد راحوا يبتدعون شرائع خاصة بهم مثل أن الخمر حلال، وأنه لا صوم في السَّنة سوى يوم النيروز ويوم المهرجان الذي اعتاد الفرس الاحتفال به، وأن الحج والقِبلة إلى بيت المقدس وليس إلى مكّة، وأن لا غسل من جنابة، كما هاجموا المسجد الحرام، وقتلوا الحجيج ورموا جثثهم في بئر زمزم واقتلعوا الحجر الأسود من مكانه ليبقى بعيداً عن مكة قرابة 22 عاماً، وذلك في عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله بن المعتضد.
ولم يتم القضاء على القرامطة حتى عام 1073، حيث كانت نهايتهم على يد العوينيين وبعض القبائل العربية الموالية للعباسيين والسلاجقة.
تجدون هنا تفاصيل أكثر عن حركة القرامطة.
4. الدروز الموحدون
تعتبر الدرزية تياراً فكرياً في المذهب الإسماعيلي وقد تأثر هذا التيار بشكل واضح بالفلسفة اليونانية والغنوصية، ما جعله ينبذ بعض العقائد التي كانت سائدة في الإسماعيلية في ذلك الوقت.
تأسست الدرزية على يد حمزة بن علي بن أحمد، الذي كان فقيهاً إسماعيلياً فارسياً، وعندما قَدِمَ إلى مصر وشرع يدعو إلى مذهبه، نال تأييد الإمام الفاطمي السادس عشر الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، ولاحقاً أصبح الحاكم ذاته شخصية محورية في فكر الموحدين الدروز.
وبعد وفاة الحاكم بأمر الله، رفض حمزة بن علي ض التسليم بموته، وقال إن الحاكم اختفى ليعود في وقت لاحق ليملأ الأرض عدلاً.
لذلك فقد رفض الاعتراف بإمامة ابنه الظاهر، وقد لاحقهم الظاهر وقضى علي من وجده منهم في مصر، وأعلن حمزة هو ومن اتبعه في بلاد الشام (بعد أن هربوا إليها) عن انشقاقهم عن الدولة الفاطمية.
ويعتقد الدروز أن الحاكم ذهب إلى الغيبة مع حمزة بن علي بن أحمد وثلاثة من الدعاة البارزين الآخرين، تاركين رعاية "الحركة التبشيرية التوحيدية" لزعيمٍ جديد، وهو المقتنى بهاء الدين (الذي يعود أصله إلى قبيلة طيء العربية).
لاحقاً تطورت عقيدة الدروز على نحو يختلف عن باقي الفرق الإسماعيلية والإسلامية، وأصبح من المختلف عليه فيما إذا كانت الدرزية طائفة تنضوي تحت الإسلام أم أنها باتت ديناً جديداً مختلفاً تماماً.
ويتواجد الدروز اليوم في مناطق معينة في جنوب سوريا ولبنان والأردن وفلسطين.