البابليون أول من اهتم بها والإغريق طوَّروها، تعرَّف على تاريخ “الأرصاد الجوية”

عربي بوست
تم النشر: 2021/10/11 الساعة 14:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/11 الساعة 15:20 بتوقيت غرينتش

من نشرات الطقس الإخبارية والأرصاد الجوية إلى أيقونة الطقس على شاشات الأجهزة اللوحية والهواتف، أصبح التنبؤ بالطقس جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية. إذ إن معرفة الجو في الساعات القادمة قد تساعدنا على اتخاذ قرار نوع الملابس التي سنرتديها أو إن كنا بحاجة للشمسية أو لا.

أما قبل التخطيط للسفر بعدة أيام أو حتى أسبوع، فإن أول شيء قد يخطر ببالنا هو التأكد من حالة الطقس في ذلك التاريخ عن طريق أحد مواقع الإنترنت أو التطبيقات.

في الحقيقة، إن لسعينا لمعرفة الطقس في المستقبل والتنبؤ به تاريخاً قديماً يعود لسنة 650 قبل الميلاد، ومر بمراحل تطور كثيرة حتى وصل للدقة والسهولة التي بين أيدينا اليوم.

رافِقنا في رحلة تاريخية مشوقة تحكي لك سعي الإنسان للتنبؤ بالطقس في الأزمنة القديمة وتطوّر مفهوم الأرصاد الجوية عبر حضارة البابليين والإغريق والمسلمين وصولاً إلى التاريخ الحديث.

البابليون والصينيون يقدمون أول التنبؤات وتقويماً سنوياً

منذ أيام العصر الحجري التي عاش فيها البشر الأوائل في الكهوف والملاجئ الطبيعية الأخرى، حاول الإنسان تطوير قدرته على اكتشاف علامات الطبيعة مثل التنبؤ بهطول الثلوج أو الأمطار أو هبوب رياح وشيكة وأي تغير في الطقس، عن طريق ملاحظته للسماء في أثناء النهار والليل على حدٍّ سواء.

مثل هذه المعلومات كانت مهمة لبحث الإنسان عن الغذاء والتنقل والملجأ الآمن في ذلك الوقت.

من غير المعروف بشكل دقيق، متى بدأ الناس في مراقبة السماء لأول مرة للتنبؤ بمتغيرات الطقس، ولكن في نحو سنة 650 قبل الميلاد، قدم البابليون، الذين حكموا بلاد ما بين النهرين من عام 1894 قبل الميلاد وحتى عام 1594 قبل الميلاد، أول تنبؤات جوية قصيرة المدى، بناءً على ملاحظاتهم للنجوم والغيوم.

أدرك الصينيون أيضاً أنماط الطقس، وبحلول عام 300 قبل الميلاد طور علماء الفلك الصينيون تقويماً يقسم السنة إلى 24 مهرجاناً، يرتبط كل منها بظاهرة مناخية مختلفة.

ولكن بشكل عام، كانت تعزى تقلبات الطقس وتغيراته في تلك الحقبة إلى تقلبات مزاج الآلهة.

كما يثبت ذلك، الوجود الواسع لآلهة الطقس في مختلف الثقافات، على سبيل المثال إله الشمس المصري "رع"، وإله الرعد والبرق الإسكندنافي "ثور".

كما طورت العديد من الحضارات القديمة طقوساً مثل رقصات المطر والتضحيات الحيوانية من أجل استرضاء آلهة الطقس.

الإغريق القدماء يقدمون مصطلح "الأرصاد الجوية"

كان الإغريق القدماء أول من طور منهجاً علمياً لشرح الطقس، ليقدموا واحداً من أقدم الأساليب العلمية للتنبؤ بالطقس، وقد وثّق أرسطو هذه الطريقة في كتابه "Meteorologica"، وفقاً لموقع The Guardian.

في كتابه Meteorologica، التي تعني "الأرصاد الجوية"، قدم أرسطو لأول مرة، هذا المصطلح الذي يعني دراسة الاضطرابات الجوية أو النيازك.

التنبؤ بالطقس

حاول أرسطو في هذا الكتاب شرح تكوين المطر والسحب والرياح والعواصف. كما وصف أيضاً الظواهر السماوية مثل المذنبات والهالات.

وتم اكتشاف أن العديد من ملاحظاته- في وقت لاحق- دقيقة بشكل مدهش. على سبيل المثال، كان يعتقد أن الحرارة يمكن أن تتسبب في تبخر الماء من البحار، ومن ثم أن تمطر السماء مجدداً.

كما كتب تلميذه ثيوفراستوس كتاب The Book of Signs، الذي احتوى على مجموعة من المعتقدات عن الطقس وعلامات التنبؤ التي شملت ألوان السماء والهالات وحتى الأصوات الصادرة من السماء.

كتاب لعالم مسلم يناقش متغيرات الغلاف الجوي

من أبرز الكتب العربية التي ناقشت التنبؤ بالطقس، كتاب الفلاحة النبطية  للكيميائي وعالم اللغة النبطي المسلم ابن وحشية في عام 904 للميلاد.

اعتمد ابن وحشية، حسبما رُوي عنه، في هذا الكتاب على نصوص قديمة كلدانية وبابلية وآرامية قديمة تعود إلى 20 ألف سنة، ترجمها إلى اللغة العربية.

وكان كتابه الأبرز في الزراعة (كتاب "الفلاحة النبطية")، ولكنه ناقش أيضاً التنبؤ بالطقس ومتغيرات الغلاف الجوي وعلامات التغيرات النجمية وتأثيرها على الزراعة والفلاحة.

كما ناقش الكتاب ظواهر الرعد والبرق واتجاه ظهور الشمس وتأثر سلوكيات بعض النباتات والحيوانات بها. 

إضافة إلى علامات هطول الأمطار بناءً على مراقبة المراحل القمرية؛ والتنبؤات الجوية على أساس حركة الرياح.

اختراع مقاييس التنبؤ بالطقس

على مر القرون، استندت محاولات التنبؤ بالطقس إلى مراقبة السماء والملاحظات الشخصية. 

ولكن بحلول نهاية عصر النهضة، أصبح من الواضح أن تكهنات الفلاسفة وكتبهم كانت غير كافية وأن المعرفة الأكبر والأدق كانت ضرورية لتعزيز فهم الغلاف الجوي.

ومن أجل القيام بذلك، كانت هناك حاجة إلى أدوات لقياس خصائص الغلاف الجوي، مثل الرطوبة ودرجة الحرارة والضغط.

الأرصاد الجوية

وكانت البداية في مطلع القرن الخامس عشر، مع الرسام المشهور ليوناردو دافنشي، الذي له في الحقيقة نصيب في العديد من الاختراعات بمجالات مختلفة منها الباراشوت والمروحية، إضافة إلى اختراعه أول أداة لقياس الرطوبة سُمّيت "مقياس الرطوبة".

تلاه اختراع جاليليو جاليلي لمقياس الحرارة عام 1592. ثم جاء اختراع طالبة جاليليو، إيفانجليستا توريشلي، لمقياس الزئبق لقياس ضغط الهواء في منتصف القرن السابع عشر والذي ساعد الرياضي والفيلسوف الفرنسي بليز باسكال لاحقاً في اكتشافه أن العلاقة بين الضغط والارتفاع علاقة عكسية؛ أي أن الضغط الجوي يتناقص مع زيادة الارتفاع.

وتم التحقق من اكتشاف باسكال لاحقاً من قبل عالم الفلك الإنجليزي، إدموند هالي في عام 1686؛ والذي كان أول من رسم خريطة للرياح التجارية التي تهب من منطقتي الضغط المرتفع فيما وراء المدارين إلى منطقة الضغط المنخفض وتعتبر من أكثر الرياح ثباتاً في هبوبها.

وقد سميت الرياح التجارية بهذا الاسم لأنها تساهم في حركة التجارة البحرية وتقوم بدفع السفن الشراعية المستخدمة في التجارة.

اكتشافات الكيميائيين والفيزيائيين

تدريجياً، بدأ العلماء يدركون أن الطقس يتأثر بعمليات الغلاف الجوي واسعة النطاق وأن الرياح والعواصف تتبع أنماطاً معينة في مناطق مختلفة. ومن هنا بدأ فضولهم بتحفيزهم على المزيد من الاكتشافات.

كان العالم والسياسي بنجامين فرانكلين من أوائل من درسوا العواصف والبرق على وجه الخصوص. وقد اكتشف فرانكلين أن العواصف تنتقل عموماً من الغرب إلى الشرق، مما مهد الطريق لفهم أفضل للمناخ والغلاف الجوي.

كما أن اكتشاف قوانين ضغط الغاز ودرجة الحرارة والكثافة وتطوير حساب التفاضل والتكامل بواسطة إسحاق نيوتن وتطوير قانون الضغوط الجزئية للغازات المختلطة بواسطة جون دالتون وغيرها من الاكتشافات جعلت من الممكن قياس وفهم جوانب غير معروفة من الغلاف الجوي. والتي مهدت الطريق لظهور شبكات مراقبة الطقس.

إقامة أولى شبكات مراقبة الطقس

تم إنشاء إحدى أولى شبكات مراقبة الطقس، والتي كانت تعمل من عام 1654 إلى 1670، من قبل النبيل فرديناند الثاني في إقليم توسكانا في إيطاليا.

وبعد أكثر من 100 عام، قامت جمعية Palatine الألمانية للأرصاد الجوية بتثبيت أول أرشيف عالمي للطقس.

لمدة خمسة عشر عاماً تلت، قامت 39 محطة أرصاد جوية منتشرة عبر أمريكا الشمالية وأوروبا وروسيا بجمع بيانات الأرصاد الجوية ثلاث مرات يومياً باستخدام معدات قياسية.

لكن كانت إحدى العقبات الرئيسية لمشاركة أي توقعات جوية هي إرسال البيانات إلى المكتب الرئيسي للجمعية عن طريق القوارب والمدربين بالبريد، الأمر الذي كان يستغرق أسابيع، إلى أن تم اختراع التلغراف.

التلغراف والمسبار يسهّلان مشاركة معلومات الطقس

بحلول منتصف القرن الثامن عشر، أدركت الحكومات في مختلف البلدان الأوروبية والولايات المتحدة أن التنبؤات الدقيقة للطقس يمكن أن تساعد بشكل كبير في توفير المال وإنقاذ الأرواح من الكوارث الطبيعية.

سمح اختراع التلغراف الكهربائي عام 1837 من قبل صمويل مورس بمشاركة تنبؤات الجو ورصده في مناطق مختلفة من العالم.

ومكنت شبكات التلغراف العلماء من رسم خرائط الطقس وتحديد أنماط الرياح وأنظمة العواصف ودراستها.

وفي ستينيات القرن التاسع عشر، بدأت محطات مراقبة الطقس بالظهور في جميع أنحاء العالم، مما أدى في النهاية إلى ظهور التنبؤ السينوبتيكي بالطقس، الذي استند إلى تجميع وتحليل العديد من الملاحظات المأخوذة للطقس في وقت واحد على مساحة واسعة.

كان يقوم التلغراف بسبر تخطيطي لدرجة حرارة الهواء ويعكس الظروف الجوية التي تسبق بشكل متكرر حدوث العواصف الرعدية الشديدة وربما الأعاصير.

ومع تشكيل شبكات مراقبة الأرصاد الجوية الإقليمية والعالمية في القرنين التاسع عشر والعشرين، أصبح المزيد من البيانات متاحة للتنبؤ بالطقس القائم على المراقبة مع اختراع المسبار اللاسلكي.

كان المسبار اللاسلكي عبارة عن صناديق صغيرة وخفيفة الوزن مزودة بأجهزة الطقس وجهاز إرسال لاسلكي يتم إرسالها عالياً في الغلاف الجوي بواسطة بالون مملوء بالهيدروجين أو الهيليوم يصعد إلى ارتفاع حوالي 30 كيلومتراً قبل الانفجار.

أثناء الصعود، تنقل هذه الأجهزة بيانات درجة الحرارة والرطوبة والضغط إلى محطة أرضية؛ حيث يقوم العلماء بمعالجة البيانات وإتاحتها لإنشاء خرائط الطقس أو إدراجها في نماذج الكمبيوتر للتنبؤ بالطقس.

أما في يومنا هذا وللحصول على أدق التنبؤات، يتم إطلاق مسابير الراديو كل 12 ساعة من مئات المحطات الأرضية في جميع أنحاء العالم.

تحميل المزيد