لم يكن هذا العام هو الأفضل للشركات التي تبدأ باسم "Ever". بين جنوح السفن في قنوات ملاحية رئيسية، وبين رحلات أولى غير موفقة لسفن عملاقة، وأخرى كانت تعاني لسداد ديونها.
أخبار هذا العام حول الشركات التي تبدأ باسم "Ever" بدأت معنا منذ مارس/آذار عندما جنحت سفينة النقل العملاقة Ever Given، التابعة لشركة Evergreen Marine التايوانية في قناة السويس، لتسد الممر الملاحي الأهم في العالم.
بعدها بأشهر قليلة، دشنت Ever Ace، المتوّجة مؤخراً بلقف أكبر سفينة نقل في العالم، والتابعة لشركة Evergreen أيضاً، رحلتها الأولى، ولكن تلك الانطلاقة جاءت وسط أزمات سلسلة التوريد المعقدة والمتشابكة، والتي ربما ترجع إلى السفن العملاقة نفسها.
ثم في شهر سبتمبر/أيلول 2021، كانت شركة التطوير العقاري الصينية Evergrande تتأرجح على شفا الانهيار، وتعاني من أجل سداد المدفوعات المستحقة للدائنين. ومن بين هؤلاء الدائنين بنك Everbright كما يعرف في الصين.
لماذا تشتهر الشركات التي تبدأ باسم "Ever" في الصين؟
الشيء المشترك بين هذه الشركات- بغض النظر عن الحظ السيئ- أنها جميعاً تبدأ بكلمة "Ever"، وهو جزء شائع في تسميات الشركات بالصين وهونغ كونغ وتايوان.
في الحقيقة؛ الشائع هو كلمة Hang والتي تعني بالإنجليزية Ever، رغم أنها 4 حروف منفصلة بالإنجليزية، لكنها تقابل حرفاً واحداً في الصينية، ويحكي هذا الحرف الكثير عن كيفية تحوّل الأنظمة السياسية والثقافية الصينية من عصر الإمبراطورية الصينية إلى اليوم.
الكلمة الصينية تماماً مثل الإنجليزية تعني "للأبد"، وفكرة العمر الطويل والخلود والأبدية متجذرة في الثقافة الصينية؛ لدرجة أن مدينة شيان، إحدى أهم المدن في الإمبراطورية الصينية القديمة، كانت تحمل اسماً آخر يعني "السلام الدائم".
أيضاً اسم "السلام الدائم" هو اسم نبات معمّر "دائم الخضرة" أو Evergreen، لهذا أصبح هذا الاسم شهيراً جداً، كما شرحت كاثرين شيانغ، مديرة معهد كونفوشيوس لإدارة الأعمال التابع لكلية لندن للاقتصاد لموقع Quartz.
كما أن منح الشركات والعلامات التجارية أسماء توحي بالتفاؤل، مثل استخدام كلمات "حظ" أو "ازدهار" أو "الأبد"، هي إحدى ممارسات فلسفة فينغ شوي الصينية، وهي أحد علوم الطاقة الصينية القديمة المستخدمة منذ 4000 عام.
"عندما يؤسس أصدقائي شركة في الصين يستشيرون أحد معلمي فلسفة فينغ شوي بخصوص الاسم، لأنه وفقاً لهذه الفلسفة إذا كان لديك اسم جيد، ستتغير حظوظك إلى الأفضل" – المحاضر الكبير بكلية كينغز لندن شين صن لـ Quartz
ظلت معتقدات فلسفة فينغ شوي الصينية راسخة خلال عصر الإمبراطورية الصينية، لكنه تغيّر قليلاً بعد الثورة الصينية وإنهاء الملكية العام 1911، وذلك بمحاولة من الحكومات المتعاقبة والحزب الشيوعي الذين رأوا فيها خرافات يجب محاربتها، مقابل نشر كلمات متعلقة بالثورة.
مثلاً في عهد مؤسس جمهورية الصين الشعبية ماو تسي تونغ (1945: 1976) شاع استخدام كلمات مثل "التحرير" و"التجديد" و"الرياح الشعبية"، وحسب محاضر كلية كينغز لندت فإن الثورة تسببت في هذا الشرخ الثقافي في الصين وتايوان.
أما في تايوان، التي كانت خاضعة للحكم البريطاني، خلال القرن العشرين، فقد استمرت فيها التسميات المتفائلة الأبدية المستوحاة من فلسفة فينغ شوي في هونغ كونغ.
لكن برحيل ماو تغيرت الصين مجدداً، ومرّت بمرحلة إصلاحات جعلت الاقتصاد أقرب إلى الرأسمالية. كانت هناك مشكلة أخرى وهي أن الثورة الثقافية إلى المفاهيم الشيوعية في أواخر الثمانينيات والتسعينيات جعلت الناس يشعرون بالفراغ في معتقداتهم؛ إذ لم تكن لديهم سردية أخرى عصرية، ولا سردية ثقافية.
لذلك عاد الكثير من رجال الأعمال أصحاب الشركات الخاصة، وحتى مديري بعض الشركات المملوكة للحكومة إلى معلمي فلسفة فينغ شوي عند اختيار أسماء شركاتهم.
ويقول صن: "كان الأمل بالإشارة إلى استمرار شركتك إلى الأبد أفضل بشارة، بالنظر إلى التضييق الشديد الذي مارسته الشيوعية على رجال الأعمال لدرجة أنه كان من النادر جداً أن تستمر أي شركة خاصة لفترة أطول من ثلاثة أجيال".
لكن للمفارقة أن شركتين على الأقل من الشركات العملاقة التي تبدأ اسمها بكلمة "Ever"، في إشارة إلى الخلود الأبدي، كاد ينتهي أمرهما هذا العام، واحدة في قناة السويس والأخرى في قطاع العقارات بالصين.
لماذا الكلمة تشتهر في تايوان وهونغ كونغ أيضاً؟
الارتباط بين الصين وتايوان وهونغ كونغ تاريخي؛ إذ تعتبرها الصين جزءاً منها وليست دولاً منفصلة؛ إذ كانت تايوان تابعة للصين حتى العام 1859، ثم خضعت لسيطرة اليابان مع إبرام معاهدة "سيمونسكي"، ثم عادت لسيطرة الصين بعد هزيمة اليابان في أعقاب الحرب العالمية الثانية العام 1945، كما شرحت شبكة BBC.
لكن بعد قيام جمهورية الصين الشعبية عام 1949 ظلت ثلاث جزر كبيرة خارج سيادتها، بينها فورموزا المستقلة التي سُمّيت لاحقاً تايوان وتعرف أيضاً بجمهورية الصين الوطنية في شرق آسيا، وهونغ كونغ التي كانت خاضعة للاستعمار البريطاني حتى عام 1997، ثم عادت إلى الإدارة الصينية بموجب اتفاق صيني بريطاني منحها وضعاً خاصاً بالإدارة الذاتية.
فيما تشترك ثقافات شعوب الدول الثلاث منذ عهد الإمبراطورية الصينية؛ ولأن ثقافة Ever والتسميات الأبدية هي ثقافة صينية متجذرة منذ آلاف السنين، فلا يزال إرثها قائماً في هذه الدول، وإن كان بدرجة أقل من الصين.