على جزيرة في ميانمار، وجد ألف جندي ياباني أنفسهم أمام نوعين من الكائنات التي تنوي افتراسهم: جنود الجيش البريطاني من جهة والتماسيح. التهمت التماسيح 500 جندي ياباني في ما بات يعرف "مجرزة التماسيح" أو معركة رامري في الحرب العالمية الثانية.
لماذا لقي الجنود اليابانيون هذا المصير الكارثي؟ فصل صادم جديد من فصول الحرب العالمية الثانية.
احتلال بورما من البريطانيين
منذ القرن التاسع عشر، حكم البريطانيون بورما (ميانمار حالياً) من عام 1824 إلى عام 1948، بدءاً من الحروب الأنجلو بورمية الثلاث (1825 و1852 و1885) مروراً بإنشاء بورما كمقاطعة تابعة للهند البريطانية (من العام 1919 – 1937) إلى إنشاء مستعمرة مُدارة بشكل مستقل (1937)، ثم أخيراً الاستقلال.
استخدمت بريطانيا بورما كمنطقة عازلة بين الهند وبقية آسيا، ولكن في عام 1942، وفي خضم الحرب العالمية الثانية عندما سيطرت إمبراطورية اليابان على شرق آسيا وجنوب شرق آسيا، لم تكن بورما استثناءً.
اليابانيون ينافسون
ساعد اليابانيون في تشكيل جيش استقلال بورما ودربوا "30 رفيقاً" سيصبحون مؤسسي القوات المسلحة الحديثة (تاتماداو).
كان البورميون يأملون في الحصول على دعم اليابانيين لطرد البريطانيين حتى تصبح بورما مستقلة.
وبالفعل، حققت "بورما اليابانية" استقلالها في 1 أغسطس/آب 1943، مع حكومة بقيادة با ماو، حسب موقع History of Yesterday.
ومع ذلك، بدأ العديد من البورميين يشعرون بأن اليابانيين لا يملكون النية لمنحهم الاستقلال المطلق.
شكل أونغ سان، والد زعيم المعارضة المستقبلي ومستشار الدولة أونغ سان سو كي وزعماء قوميون آخرون المنظمة المناهضة للفاشية في أغسطس/آب 1944، والتي طلبت من المملكة المتحدة تشكيل تحالف ضد اليابانيين.
معركة رامري
تقع جزيرة رامري على الساحل الجنوبي لبورما، وكان اليابانيون احتلوا الجزيرة عام 1942 بعدما هزموا البحرية البريطانية.
ولكن في عام 1945، رد البريطانيون وحاولوا استعادة الجزيرة إلى جانب جزيرة تشيدوبا المجاورة لها.
وصلت القوات البريطانية إلى جزيرة رامري في 26 يناير/كانون الثاني 1945 لبناء قاعدة جوية جديدة.
لكن أولاً، كان عليهم طرد القوات اليابانية المتمركز هناك، وبعد هجوم دموي ضد اليابانيين، تمكنت القوات البريطانية من محاصرة ما يقرب من 1000 جندي ياباني في غابة يوجد بها مستنقع بطول 16 كلم داخل الغابة.
رفض اليابانيون الاستسلام، بينما قتل القناصة البريطانيون أي جندي ياباني حاول الهروب. وما هي إلا أيام حتى سقط الجنود اليابانيون بسبب الجوع والعطش، حسب ما نشر موقع Slate.
مجزرة التماسيح
لسوء حظ الرجال اليابانيين الهاربين، تعد غابة المانجروف في جزيرة رامري موطناً لعدد غير معروف من تماسيح المياه المالحة، وهي أخطر قاتل من سلالة الزواحف في العالم.
تنمو هذه الحيوانات التي يعود أصلها لعصور ما قبل التاريخ إلى أكثر من 10 أمتار وتزن نحو طن في بعض الحالات.
وعلى الرغم من ندرة هذه الأحجام، إلا أن التمساح متوسط الحجم من هذا النوع قادر على قتل إنسان بالغ.
وأكدت عدة شهادات لجنود بريطانيين وفاة عدد كبير من الجنود بسبب الأمراض والجفاف وسوء التغذية بعدما حوصروا في المستنقع. كما ساهمت لدغات الأفاعي والعقارب والناموس وغيرها من حيوانات الأدغال المفترسة، وأخيراً الهجوم الذي شنته التماسيح.
كانت رائحة الجنود الجرحى والمتعبين أول ما جذب التماسيح، وسرعان ما ظهرت بكثرة وبصورة فجائية لتسحب الجنود واحداً تلو الآخر.
أدلى عدد من الجنود البريطانيين بشهادات عن كيفية انقضاض عشرات التماسيح على الجنود اليابانيين في المستنقع، ومنها شهادة الجندي البريطاني ستانلي رايت، الذي شارك في المعركة.
وقال إن 20 جندياً فروا فأسرهم البريطانيون، بينما نجا نحو 400 جندي من مجزرة التماسيح، أما من تبقى منهم، فلم يخرجوا قط من المستنقع.
وروى ناجون من تلك المعركة الأصوات المخيفة التي كانت تصدر ليلاً نتيجة صراخ الجنود أو إطلاق النيران وحتى أصوات هجوم الحيوانات.
بعد شهرين من المأساة، أجرت محكمة عسكرية بريطانية تحقيقاً في ما حدث، وتبين أنه في كل 3 أمتار من المستنقع، احتوت المياه على 24% من دماء البشر.
مؤرخون يشككون
في المقابل، يشكك الكثير من المؤرخين في صحة الرواية، إلا أن هذا التشكيك لم يمنع موسوعة غينيس من توثيقها على أنها شهدت أكبر عدد ضحايا بشرية بسبب هجمات التماسيح.
وشكك المؤرخ البريطاني فرانك ماكلين في صحة الرقم المذكور أعلاه، قائلاً إن عدداً قليلاً من الجنود الجرحى تم التهامهم بالفعل، مشيراً إلى قوز ذخيرة الجيش الياباني التي تمكنت من إحداث فجوات في الآليات البريطانية، وأنها كانت بالتأكيد قادرة على إبعاد تلك التماسيح عنها ليلاً.
وفي عام 2016، عدلت موسوعة غينيس هذا الرقم بعدما قدمت مؤسسة ناشونال جيوغرافيك فيلماً وثائقياً حول استحالة التهام التماسيح لهذا العدد من الجنود، حسب ما نشر على الموقع الرسمي للمؤسسة.
واعترف محرر كتاب موسوعة غينيس بأن الرقم مستوحى من شهادة الجندي البريطاني ستانلي رايت، بينما كشفت "ناشونال جيوغرافيك" بأن شهادات الناجين اليابانيين تؤكد نجاة عدد أكبر من الأرقام التي ترسخت في الذاكرة البريطانية للحرب العالمية الثانية.