عندما تستمتع بارتشاف فنجان قهوتك الصباحي تذكّر أنك مدين بالكثير لراهب يمني عاش قديماً في مدينة المخا، أو ربما قد تكون مديناً لماعز إثيوبية كانت أول من استمتع بمذاق القهوة واستلذ بآثار الكافيين وفقاً لبعض الروايات.
جميعنا نعشق القهوة، لكن ربما نعلم القليل فقط عن أصولها وانتشارها حول العالم، لتصبح ثاني أكثر السلع تداولاً في العالم بعد النفط الخام، تعالوا نرْوِ لكم حكاية القهوة:
تاريخ القهوة.. حروب إثيوبية- يمنية
هناك روايتان شهيرتان عن أول من اكتشف القهوة، الأولى قادمة من إثيوبيا والأخرى من اليمن.
تقول الحكاية إن راعياً إثيوبياً يُدعى كالدي لاحظ سلوكاً غريباً اعترى معزاته، فقد بدت أكثر حيوية ونشاطاً، بل وأكثر مرحاً وسعادة أيضاً، وبعد التحري اكتشف أن الماعز تناولت منذ قليل حبات صغيرة من نبات بات يُعرف في أيامنا هذه باسم "القهوة"، وكان ذلك في حوالي عام 700.
أستطيع رؤية الراعي وهو واقف والحيرة تعتريه، ينظر إلى الماعز تارة وإلى النبات تارة أخرى، قبل أن يُقرر قراراً أشكره عليه بشدة بصفتي من عشاق القهوة، ألا وهو أن يجرب تلك الحبات العجيبة بنفسه.
وبعد أن لاحظ كالدي النشاط الذي بُعث بجسده بسبب هذه الحبات مُرة المذاق هرع الراعي إلى أقرب دير ومعه حفنة من حبات القهوة، ليخبر الراهب بتأثيرها، لكن الراهب المتعصب لم يرُقه ما سمع، وسأل الراعي: هل أنت مجنون؟ ثم ألقى بحبات القهوة في النار، وسرعان ما انتشرت رائحة البن المحمص في المكان، وما أدراك ما رائحة البن المحمّص، تلك الرائحة أغرت رهباناً آخرين بالتجربة، فتناولوا الحبات المحمصة الساخنة وأضافوا إليها القليل من الماء لتبرد، ثم احتسوا السائل الناتج، معلنين ولادة أول فنجان قهوة في العالم.
مهلاً.. هذه فقط الرواية الإثيوبية لتاريخ اكتشاف القهوة، لدينا قصة يمنية أيضاً سنرويها لكم وتستطيعون تبني القصة التي تعجبكم في نهاية المطاف.
بطل القصة اليمنية هو "راهب المخا" علي بن عمر القرشي الشاذلي، يحكى أن علياً كان راهباً يمنياً صوفياً عاش في مدينة المخا، ولسبب ما قرر الراهب أن يسافر إلى إثيوبيا، وهناك تزوج من امرأة جميلة، وكانت نبتة القهوة التي لم تزرع بعد هناك هديته لزوجته الإثيوبية.
ويقال إن شراب القهوة السائل اكتُشف في "المخا" قبل أن ينتشر في أي مكان آخر في العالم.
وسواء كانت القهوة قد اكتُشفت في إثيوبيا أو في اليمن، فنحن شاكرين لهذا الاكتشاف للغاية، فالقهوة اليوم بالنسبة للكثيرين من الأساسيات التي لا يمكن الاستغناء عنها في الحياة، لكن الوضع لم يكن كذلك دائماً، ففي حقب مختلفة اعتبرت القهوة "محرمة" و"شيطانية"، استمعوا إلى تتمة الحكاية:
محرمة وتؤثر على العقل
حتى لو كان صديقنا الراعي الإثيوبي كالدي هو من اكتشف القهوة بصحبة معزاته، إلا أنه من المؤكد أن هذا المشروب اللذيذ قد انتشر في شبه الجزيرة العربية عن طريق اليمن.
فقد اشتهرت المخا على وجه التحديد بتحضير أشهى أنواع القهوة على الإطلاق، وكان يطلق على القهوة في بعض الأحيان اسم "النبيذ العربي"، وبحلول القرن الخامس عشر كان هذا المشروب اليمني المميز قد انتشر في مكة المكرمة وفي الدولة المملوكية في مصر وشمال إفريقيا، ونشأ عدد كبير من المقاهي في مصر حول جامعة الأزهر تحديداً لارتباط القهوة بالصوفية.
ووفقاً لـHome Grounds، فقد كان يطلق على مقاهي القهوة اسم "مدارس الحكماء" نظراً لأنها كانت مكاناً لتبادل المعلومات والأخبار، بالإضافة إلى شرب القهوة.
كذلك وجدت القهوة طريقها إلى تركيا وبلاد فارس وبلاد الشام، لكن شعبيتها على ما يبدو كانت مصدر إزعاج للبعض، فقد رفض رجال الدين في البلاط العثماني هذا المشروب، ورغم تحفظاتهم افتتح أول مقهى في إسطنبول عام 1554.
لكن في النصف الأخير من القرن السادس عشر حظر السلطان مراد الثالث القهوة، ومع حلول عام 1839 حظر العثمانيون القهوة بشكل رسمي، بدعوى أنها محرمة وتؤثر على العقل.
"تعميد" القهوة في أوروبا
بينما انتشرت القهوة في الشرق الأوسط قبل قرون، إلا أنها لم تصل إلى باقي أنحاء العالم حتى القرن السابع عشر.
في البداية كان شرب القهوة حكراً على الأغنياء الأوروبيين فحسب، وقد احتكرت شبه الجزيرة ومناطق من إفريقيا زراعة وتجارة البن، ولم تسمح ببيع الحبوب الخضراء كي لا تتم زراعتها في مناطق أخرى.
لكن، وبينما كان تاجر هندي يدعى بابا بودان يؤدي فريضة الحج في مكة المكرمة استطاع تهريب البذور إلى الهند لزراعتها هناك، وقد نجح في ذلك بالفعل، وفقاً لـGo Coffee Go.
وما لبثت القهوة أن تسربت إلى أماكن أخرى في العالم، ولو أنها لم تلق الترحيب في البداية في مناطق مثل البندقية، فعندما لاحظت الكنيسة تزايُد شعبية القهوة وصفها رجال الدين بأنها "شيطانية" من عمل الكفار العثمانيين، وقد وصل الأمر إلى مسامع البابا كليمنت الثامن، الذي قرر أن يفحص هذا المشروب بنفسه، لكنه استسلم في النهاية لإغراء طعم القهوة اللذيذ، ولم يكتفِ فقط بعدم تحريمها، إنما "عمّدها" كذلك ليعلنها مشروباً مسيحياً.
وهكذا انتشرت المقاهي في آسيا وفي جميع أنحاء أوروبا، في إنجلترا والنمسا وألمانيا وهولندا وفرنسا، إذ كان السفير التركي في باريس أول من يقدم القهوة إلى لويس الرابع عشر.
خيانة تُدخل القهوة إلى البرازيل
تعتبر القهوة البرازيلية اليوم من أشهر أنواع القهوة في العالم، مع ذلك لم تدخل زراعة القهوة إلى البرازيل حتى عام 1727، وتوجد قصة طريفة وراء ذلك.
يعود الفضل في ذلك إلى الكولونيل البرازيلي فرانسيسكو دي ميلو باليهيتا، الذي تم إرساله إلى غيانا، (التي كانت مستعمرة هولندية)، لتسوية نزاع بين الهولنديين والفرنسيين هناك. مع ذلك كانت الأولوية لدى الكولونيل هي الحصول على بذور القهوة ليأخذها معه إلى البرازيل ويقوم بزراعتها هناك.
لكن الحاكم الفرنسي رفض طلب الكولونيل البرازيلي، ما اضطر الكولونيل إلى اللجوء إلى خطته الاحتياطية، فأغوى زوجة الحاكم الفرنسي التي وقعت في غرامه، واستطاعت أن تؤمّن له بذوراً دون علم زوجها.
وهكذا انتقلت القهوة إلى البرازيل، لتصدّر تلك الدولة اليوم ثلث الإنتاج العالمي من القهوة.