حوَّله الصليبيون إلى كنيسة لكنّ صلاح الدين أعاده مسجداً! قصة الحرم الإبراهيمي الذي تحاول إسرائيل تهويده

عربي بوست
تم النشر: 2021/08/10 الساعة 16:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/10 الساعة 16:41 بتوقيت غرينتش

من بناء المستوطنات وجدران الفصل، مروراً بتدمير البيوت والاستيلاء على الأراضي، وصولاً إلى منع المسلمين وأصحاب الأرض من الوصول إلى العديد من المراكز والأماكن الدينية والتاريخية، لا تنتهي المحاولات الإسرائيلية لتهويد المدن الفلسطينية والمواقع الأثرية والتاريخية والدينية فيها منذ عام 1948، ضاربةً بعرض الحائط كل القوانين الدولية لهيئة الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو.

وفي محاولة للسيطرة والاستيلاء على أكبر قدر ممكن من المراكز المهمة، تخلق إسرائيل دائماً الكثير من الحواجز والصعوبات على المناطق الدينية مثل المسجد الأقصى وقبة الصخرة وتقوم بالكثير من الاعتداءات غير المشروعة على زوارها لإرهابهم ومنعهم من زيارتها.

وبالحديث عن ذلك نستذكر فجر يوم الجمعة في منتصف رمضان 25 فبراير/شباط 1994 عندما دخل مستوطن إسرائيلي بتصريحٍ وموافقة أمنية إسرائيلية للمسجد الابراهيمي وقتل عدداً كبيراً من المصلين فيه ليُقسَّم على إثره الحرم بين المسلمين واليهود وتزداد الاعتداءات والقيود فيه على المسلمين وترتفع تسهيلات وصول اليهود له لدرجة الشروع ببناء مصعد كهربائي خاص باليهود إضافة للبوابات الإلكترونية.

الحرم الإبراهيمي

في هذا التقرير نتعرف معاً على تاريخ الحرم الإبراهيمي وكيف تم بناؤه واكتسب أهميته موقعاً دينياً مقدساً عند المسلمين والتطورات التي مر بها عبر العصور.

موقع الحرم الإبراهيمي وقصة بنائه

يقع الحرم الإبراهيميّ في البلدة القديمة لمدينة الخليل جنوب الضفة الغربية في فلسطين، وسُمي بهذا الاسم نسبة إلى النبي إبراهيم "خليل الرحمن". يعدّ الحرم من الأماكن الإسلاميّة المقدّسة، وهو رابع الأماكن المقدسة بعد الحرمين المكي والمدني والمسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين عامة.

يحيط بالمسجد الإبراهيميّ سور كبير مبنيٌّ من حجارة ضخمة يصل طول بعضها لـ7 أمتار تم تأسيسه على يد هيرودوس الأدومي، ويقال إنّ اسمه حرد بن صالح الذي حكم المدينة في الفترة الواقعة ما بين العام 37 قبل الميلاد إلى العام السابع للميلاد. 

بعدها قام الرومان ببناء كنيسة في مكانه، ثمّ هُدمت بعد أقل من 100 عام على يد الفرس، لتتحوّل بعدها إلى مسجد في العصور الإسلامية الأولى.

وترجع أهمية الحرم الإبراهيمي إلى كونه مكان ضريح السيدة سارة زوجة النبي إبراهيم والتي دفنها في مغارة المكفيلة الموجودة تحت الحرم. ثم دُفن فيها هو مع ابنيه النبي إسحاق والنبي يعقوب، وزوجاتهم رفقة ولائقة؛ مما جعل المغارة محطّ اهتمام المسلمين عبر العصور.

تسميات مختلفة

الحرم الإبراهيمي

يُعرف عند المسلمين باسم المسجد الإبراهيميّ، نسبةً إلى النبي إبراهيم، ويشتهر في الإعلام باسم الحَرَم الإبراهيميّ، إلا أنّ بعض المسلمين يرفض تسميته بالحَرَم، بدعوى أنّ الحَرَم هو "مَا حَرَّمَ اللَّهُ صَيْدَهُ وَنَبَاتَهُ"، وأنّه لم يثبت في أحاديث النبي محمد أنّ هذا المسجد حَرَم بعكس المسجد الحرام والمسجد النبوي ويفضلون تسميته المسجد الإبراهيمي.

أمّا عند اليهود فجاءت تسميته بـ"مغارة المَكْفيلة" وهو الاسم المذكور في التوراة للمغارة التي يقوم عليها المسجد والتي اشتراها النبي إبراهيم من "عفرون الحثي" ليدفن فيها زوجته سارة بعد موتها، و"المكفيلة" كلمة سامية تعني "مزدوجة" للدّلالة على أن المغارة كانت تتكون من كهفين.

كما يُسمّى بكهف البطاركة؛‏ كون المغارة ضمّت مدفن الأنبياء إبراهيم وإسحق ويعقوب وزوجاتهم سارة ورفقة وليئة، وهؤلاء الأنبياء يُعتبرون من بطاركة العهد القديم في الديانة اليهودية.

من سورٍ مُهمَل إلى مسجد 

عندما ضمّ المسلمون بقيادة عمرو بن العاص منطقة الخليل عام 634، لم تكن مدينة الخليل ذات أهمية، فقد كان الفرس قد أزالوا منها مظاهر الحضارة، وكان المسجد الإبراهيمي مجرد سورٍ مُهمَل. 

ومع الفتح الإسلامي، وبعد اعتناق الأهالي الإسلام، اعتبروا السور مكاناً مقدساً، فجعلوه مسجداً يزورونه ويصلون فيه، ويقيمون المساكن حوله.

وفي عهد الدولة الأموية، حظيت مدينة الخليل بعناية الأمويين، فسقفوا المسجد، ووضعت قباب لمدافن الأنبياء، وبنوا المشاهد فوق الأضرحة، وأخذت الأبنية تتسع حول المسجد.

وفي بداية العهد العباسي، فتح باب في السور الشمالي الشرقي بارتفاع ثلاثة أمتار ونصف، وتم تركيب باب حديدي له، وزين المسجد وفُرِشَ بالسجاجيد، وتمت بالكثير من الإصلاحات على عمارته. 

وفي عهد الدولة الفاطمية تطورت العمارة في المسجد، وتوسع المسلمون في نشاط المسجد فبنوا دوراً للزوار حول المبنى، وتم بناء القباب على قبور النبي إبراهيم وزوجته السيدة سارة.

الحرم الإبراهيمي

تحوُّل المسجد إلى كنيسة ثم عودته مسجداً

عندما وقعت مدينة الخليل في أيدي الصليبيين عام 1099 أثناء الحملات الصليبية تعاملوا مع المسجد بطريقةٍ سيئة، واستولوا على كل النفائس الموجودة داخله. 

في عام 1100، قام الصليبيون بتحصين المدينة وبناء قلعة حصينة بجانب المسجد الإبراهيمي عرفت باسم قلعة "القديس أبراهام".

بعد ذلك قاموا بتحويل المسجد إلى كنيسة أطلقوا عليها اسم كنيسة "القديس أبراهام" واتخذوا منها مركزاً دينياً لكل المناطق المجاورة.

وبقيت كذلك إلى أن استطاع السلطان صلاح الدين الأيوبي أن يعيد القدس وفلسطين إلى حاضنة المسلمين بعد "معركة حطين" عام 1187، لينتهي بذلك الوجود الصليبي في الخليل تماماً.

ومع استعادة المسجد الإبراهيمي من الصليبيين، أعيدت الكنيسة إلى مسجد من جديد دون تغييرٍ جذري للمبنى، فالمبنى مبنى مسجد بالأساس.

سيطرة إسرائيل عليه ومجزرة الحرم الإبراهيمي

مع انتهاء الحرب العالمية الأولى، دخلت القوات الإنجليزية مدينة الخليل فصارت تحت الانتداب البريطاني، وشكَّل "المجلس الإسلامي الأعلى" لرعاية شؤون الأماكن الإسلامية في المدينة. وقام المجلس بالعديد من التحسينات في عمارة المسجد.

وبعد انسحاب بريطانيا من فلسطين عام 1948، أصبحت مدينة الخليل رسمياً تحت حكم الأردن، بعد قرار وحدة الضفتين عام 1950 وأنجزت في ذلك العهد إصلاحات عديدة وهامة للمسجد الإبراهيمي.

بعد أن وقعت مدينة الخليل تحت الاحتلال الإسرائيلي بعد نكسة يونيو/حزيران عام 1967، شرع المستوطنون الإسرائيليون بالاستيطان في محيط المدينة ثم في داخلها، وقاموا بالاعتداء على المسجد الإبراهيمي مرات عديدة بهدف تحويله إلى معبد يهودي، بحماية مباشرة من القوات الأمنية الإسرائيلية.

وفي فجر يوم الجمعة في منتصف رمضان الموافق 25 فبراير/شباط 1994، وقع أشهر الأحداث التي يعرف بها الحرم: مذبحة الحرم الإبراهيمي.

 دخل الإرهابي الصهيوني باروخ غولدشتاين المسجد الإبراهيمي بإذن القوات الإسرائيلية عندما كان المسلمون يصلون صلاة الفجر، حاملاً معه بندقية آلية وعدداً من الذخائر المجهزة. 

فتح النار على المصلين مما أدى على الفور إلى استشهاد 29 فلسطينياً، وإصابة أكثر من 15 آخرين بجروح قبل أن يستطيع المصلون الوصول له وقتله. 

وبعد المجزرة شكلت لجنة لتقصي الحقائق باسم "لجنة شمغار"، والتي خرجت بتقريرها بعد 4 أشهر بإدانة عامة للمجزرة وبرأت الحكومة والجيش الإسرائيليين من التواطؤ.

وقد خرجت اللجنة بتوصيات عديدة كان أخطرها تقسيم الحرم الإبراهيمي بين المسلمين واليهود.

حوَّل الاحتلال جزءاً من المسجد إلى كنيس يهودي فأصبح 60% من مساحته لليهود، والباقي للمسلمين وقام بفصل هذين الجزأين عن بعضهما بحواجز وبوابات حديدية محكمة ووضع فيها ثكنات عسكرية للمراقبة.

وتنشر السلطات الإسرائيلية 22 حاجزاً حول الحرم الإبراهيمي، منها تقريبا 6 حواجز تعيق دخول المصلين إلى المسجد بجانب المضايقات التي يواجهها الزوار الذين يزورون المسجد من الجانب الفلسطيني.

محاولات لتهويد المسجد بأكمله كإرث يهودي

في محاولة منها لفرض سيطرتها الكاملة على الحرم وتحويله لمنشأة تاريخية يهودية، شرعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في يوم الثلاثاء الموافق 10-8-2021 ببناء مصعد كهربائي في الحرم الإبراهيمي تكريساً لسياسة التهويد التي تتبعها.

يقول الفلسطينيون إن قرار إسرائيل بإنشاء مصعد في المسجد الإبراهيمي يعد انتهاكاً للقرارات الأممية، لأنه يغيّر معالم وهوية المسجد التاريخية، باعتباره موروثاً يجب حمايته.

يهدف الاحتلال من إنشاء المصعد إلى تسهيل وصول المستوطنين إلى الحرم الإبراهيمي الشريف محاولين استغلال جائحة كورونا لتنفيذ مخططاتٍ تهويدية فيه رغم قرار لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة "اليونسكو" إدراج الحرم الإبراهيمي والبلدة القديمة في الخليل على لائحة التراث العالمي الذي صدر في يوليو/تموز 2017.

تحميل المزيد