على مر العصور والأزمان وحتى وقتنا هذا، العديد من النساء حرمن ولا يزلن يحرمن من حقهن في التعليم أو ممارسة بعض المهن التي يردنها. وبالتأكيد يزخر التاريخ رغم ذلك بأسماء نساء كثيرات حاربن لنيل حقوقهن في التعلم والعمل والمساواة.
في تقرير اليوم سنروي لكم قصة امرأة تخفت في زي رجل ما يقارب الـ50 عاماً لتحقق حلمها بأن تلتحق بكلية الطب وتصبح طبيبة ثم لتنجح بعدها في إجراء أول عملية قيصرية ناجحة بقيت فيها الأم والطفل على قيد الحياة.
إليكم قصة مارغريت آن بولكي المعروفة بالدكتور "جيمس باري".
طفولة وشباب مارغريت آن بولكي
وُلد الدكتور جيمس باري في الواقع كامرأة تحمل اسم، مارغريت آن بولكي في حوالي عام 1789 في مقاطعة كورك، بأيرلندا، في وقت كانت فيه النساء ممنوعات من معظم التعليم الرسمي، وبالتأكيد لم يُسمح لهن بممارسة الطب.
كانت مارغريت مهتمة بمتابعة التعليم، والقيام بشيء يتجاوز نطاق ما هو مسموح به لجنسها. في كتاب جيمس باري: امرأة قبل وقتها، يسرد المؤلفان الدكتور مايكل دو بريز وجيريمي درونفيلد قصة مارغريت منذ أن كانت في الثامنة عشرة من عمرها، حيث قامت بتوبيخ أخيها المسرف قائلة: "لو لم أكن فتاة، كنت سأكون جندياً!" وكانت جندية.
عندما مرت عائلتها بأوقات عصيبة، انتقلت مارغريت (التي كانت في أواخر سن المراهقة) مع والدتها إلى لندن، حيث كان لأمها شقيق يدعى جيمس باري، الأكاديمي الملكي والرسام. التقت المرأتان بأصدقاء باري الذين أعجبوا بالشابة مارغريت بسبب ذكائها. ومن المحتمل أنهم لعبوا دوراً في وضع خطة لمارغريت لمتابعة التعليم، وعلى وجه التحديد، مهنة الطب. توفي جيمس باري الأصلي في عام 1806، تاركاً لأخته وابنة أخته ما يكفي من المال لحياة كريمة واسمه متاحاً للاستيلاء عليه!
دخول باري كلية الطب وشكوك تلاحق مظهره
بعد ثلاث سنوات، لم تعد مارغريت بولكي موجودة. مرتدياً معطفاً (كان يرتديه في جميع الأوقات بغض النظر عن الطقس) وصوت مميز عالي النبرة وحذاء مدعم من الداخل ليعطيه مزيداً من الطول، أصبحت مارغريت تعرف باسم جيمس باري. ثم التحق الشاب باري بكلية الطب عام 1809 وغير عمره ليناسب مظهره الصبياني الصغير.
انتشرت الشائعات نظراً لقصر باري وصوته العالي وبنيته الصغيرة وبشرته الناعمة، مما جعل الكثير من الناس يشكون في أنه كان طفلاً صغيراً جداً على الالتحاق بكلية الطب- لكن باري لم ينهزم مطلقاً. عندما لم يُسمح لباري بالتقديم للامتحانات لأنهم اشتبهوا في أنه صغير جداً، تدخل اللورد إرسكين، صديق خاله وحصل باري على شهادة في الطب عن عمر يناهز 22 عاماً.
التحاق باري بالجيش، حلم أصبح حقيقة
وفقاً لموقع Irish Times، التحق باري بالجيش كمساعد جراح حيث تم التشكيك مرة أخرى في عمره، ولكن سُمح له في النهاية بالخدمة.
بدأ باري حياته العسكرية في 6 يوليو/تموز 1813، كمساعد مستشفى في الجيش البريطاني، وسرعان ما تمت ترقيته إلى مساعد جراح أركان، أي ما يعادل رتبة ملازم أول. ثم خدم في كيب تاون بجنوب إفريقيا لمدة 10 سنوات.
ربما لاتخاذ شخصية ذكورية أكثر صرامة نمطية، أو ربما لأنها كانت في الواقع طبيعته الحقيقية، كان باري معروفاً بمزاجه القصير الحاد. لكن مهارات باري الطبية كانت غير مسبوقة، لقد كان جراحاً ماهراً للغاية، وكان أول من أجرى عملية قيصرية ناجحة، حيث نجت الأم والطفل على حد سواء.
ناشط إنساني ومصلح اجتماعي
كان باري متحدثاً بارزاً في مجال الإصلاح الاجتماعي، وتحدث علناً ضد الظروف الصحية وسوء إدارة الثكنات والسجون والمصحات. خلال إقامته التي استمرت 10 سنوات، رتب نظام مياه أفضل لكيب تاون وكان طبيباً عالج الأغنياء والفقراء والمستعمرين والعبيد.
في عام 1857 وصل باري إلى رتبة المفتش العام المسؤول عن المستشفيات العسكرية؛ أي ما يعادل العميد. في هذا المنصب، واصل كفاحه من أجل الصرف الصحي المناسب، ودافع أيضاً عن طعام أفضل ورعاية طبية مناسبة للسجناء والمصابين بالجذام، وكذلك الجنود وعائلاتهم، كما جاء في موقع The Guardian.
وفاة باري ووصيته
توفي الدكتور جيمس باري من الزحار في 25 يوليو/تموز 1865. يقال إنه عندما كان على فراش الموت كان معارفه ينتظرون الكشف عن السر إذ إنهم كانوا يخمنون ذلك طوال الوقت. كانت آخر أمنيات باري أن يدفن في الملابس التي مات فيها، دون غسل جسده، ولكن لم يتم اتباع وصيته. عندما خلعت الممرضة ملابسه لتحضيره للدفن، اكتشفت شيئين: أنه كان أنثى وعلامات تمدد الجلد من الحمل.
تم الكشف عن السر على الملأ بعد تبادل الرسائل بين مكتب السجل العام وطبيب باري الرائد دي آر ماكينون، وتم تسريبها.
دُفن الدكتور جيمس باري في مقبرة كنسال جرين في شمال غرب لندن كشخص كان متقدماً على عصره- كطبيب وإنساني.