لم يكن النسر المصري النادر الذي تمّت مشاهدته مؤخراً في بريطانيا لأول مرّة منذ أكثر من 150 عاماً مجرّد نسر عادي، بل هو واحدٌ من الحيوانات التي تدور حولها قصص وأساطير مُتعددة، يعود تاريخ وجوده إلى أكثر من 5 آلاف عام، وتحديداً إلى عصر الفراعنة.
رؤية النسر المصري النادر في بريطانيا لأول مرة منذ 153 عاماً
ونقلت وكالة BBC البريطانيّة، عن عالم البيئة بجامعة إكستر، البروفيسور ستيوارت بيرهوب قوله: "إن ثبت أن النسر من سلالة بريّة فستكون رؤيته هذه لأول مرة منذ 150 عاماً أو ربما أطول".
يرجّح عالم البيئة سبب رؤية الطائر الجارح في بريطانيا، وهو أنه في طريق الهجرة، وقد يكون جاء من فرنسا.
وتعود آخر مشاهدة رسميّة للطائر في بريطانيا إلى العام 1868، في مقاطعة إسيكس شرقي إنجلترا.
معلومات عن النسر المصري
يعتبر النسر المصري من أنواع الطيور المهددة بالانقراض، وتتراوح أعداده المتواجدة في العالم حالياً ما بين 12 و32 ألفاً فقط، وفقاً لآخر تقييم أجرته القائمة الحمراء للحيوانات المهددة بالانقراض في العام 2019.
كما أنه من أصغر أنواع النسور حجماً في العالم، ويساوي حجم الغراب، ولكنَّ أجنحته الطويلة تمنحه مظهراً أكبر، بالإضافة إلى أنه النوع الوحيد المتبقي من فصيلة نيوفرين، ويُسمَّى بأسماء مختلفة منها: "الرخمة المصرية، النسر الزبال، دجاج فرعون، العقاب المصري".
يتميّز النسر المصري برأس صغير أصفر ومنقار مدبب وساقين صفراوين باهتتين، ويكتسب ريشه اللون الأبيض في عامه الثالث، وعندما يصبح النسر بالغاً تكتسب أجنحته ريشاً أسود.
يعيش النسر المصري بشكل أساسي في قارّتي آسيا وإفريقيا، لاسيما بلاد الشام وبعض الدول الخليجية ومصر والمغرب ومناطق في إفريقيا الوسطى.
بينما يتم تربية البعض منه في دول أوروبية، مثل فرنسا وروسيا وألبانيا وأرمينيا ودول أخرى شرق آسيوية، مثل كازاخستان وقرغيزستان وباكستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزباكستان.
لماذا يسمى بالنسر الزبال؟
يعتبر النسر المصري من الحيوانات التي تتغذى على جثث الحيوانات النافقة، ليس ذلك وحسب، وإنما يتغذى على فضلاتها، إضافة إلى أن اعتماده في غذائه بشكل أساسي يكون على الجرذان والفئران والزواحف والثدييات الصغيرة، كما أنه يقوم بتقليب الأراضي الزراعية بحثاً عن الديدان واليرقات.
ويصفها الكاتب الإنجليزي جون جورج وود في كتابه "Wood's Bible Animals" (يمكنك شراؤه من هنا)، بأنها طيور لا تخشى البشر، لدرجة أنها تقوم عادة بتتبع القوافل أثناء تنقلها لتتغذى على نفايات الطعام التي يتركها الناس خلفهم، وهو سبب إطلاق هذا الاسم عليها.
حيلة ذكيّة لالتهام بيض النعام
كما يضيف الكاتب الإنجليزي أنّ هناك أيضاً مادتين تعتبران أساسيتين في نظام النسر المصري الغذائي وهما:
بيض النعام: من المعروف أنّ بيض النعام صعب الكسر بسبب قشرته القاسية، وبما أنّ النسر المصري يمتلك منقاراً صغيراً، وساقاه غير قادرتين على حمل البيضة في الهواء لكسرها، فإنه يلجأ إلى حيلة ذكية، وهي حمل أحجار صغيرة وإسقاطها فوق البيضة لكسرها، ومن ثمّ التهامها بكل سهولة.
البطيخ: المادة الأخرى التي تعتبر أساسية في نظام النسر الغذائي هي البطيخ، كونها غنية جداً بالسوائل التي يعتمدها النسر بدلاً من شرب الماء.
في حين تعتبر النسور المصرية الطيور المهاجرة الوحيدة التي تقطع مسافات طويلة في أوروبا، وتحلق بسرعة تصل إلى 640 كم في اليوم، ويمكنها الطيران لمسافة 5000 كم، إضافة إلى أن بإمكانها الطيران إلى ارتفاع 4500 متر.
رمز للإلهة "نخبيت"
يعود أوّل ذِكر للنسر المصري إلى العصر الفرعوني، عندما جاء ذكره في الكتابات الهيروغليفيّة، فهو يمثّل الحرف (أ)، ويستخدم للدلالة على كلمات تعبّر عن السلطة والقوّة مثل: (حاكم، مزدهر، أمّ، وجدّة).
كما يعتبر النسر المصري رمزاً مقدساً لدى الفراعنة، عندما اتُّخذ رمزاً للإلهة "نخبيت"، حامية الملوك الفراعنة، وكان يظهر بشكل دائم بجناحين ممتدين دلالة على حمايته لهم، كان يوضع خلف تيجان الفراعنة، وفقاً لمصادر محليّة مصرية.
استخدمه صلاح الدين الأيوبي شعاراً له وتبنته الدولة المصرية
أمّا الظهور الآخر للنسر المصري فكان في عهد الدولة الأيوبيّة، التي أسسها القائد صلاح الدين الأيوبي بعد قضائه على الدولة الفاطمية.
ووفقاً لما ذكره موقع Egyptian Geographic فإن صلاح الدين اختار هذا النسر شعاراً شخصياً له، بسبب رمزيته الدالة على القوة والانتصار، وقد ظهر الرمز لأول مرّة في عصر الدولة الأيوبيّة، بعد معركة حطين المصيريّة بين المسلمين والصليبيين، التي أسفرت نتائجها فيما بعد عن تحرير القدس.
وبسبب أهميته التاريخية تلك، تتخذ الجمهورية المصريّة في الوقت الحالي رمز نسر صلاح الدين في شعار علمها الذي تمّ اعتماده رسمياً في عهد حسني مبارك، وتحديداً في العام 1984.