تأسست مدينة بابل، التي تقع بقايا أطلالها في العراق الحالي، منذ أكثر من 4000 عام كمدينة صغيرة على نهر الفرات، ثم نمت لتصبح واحدةً من أكبر مدن العالم القديم تحت حكم الملك حمورابي.
وبعد عدّة قرون أسست سلالة جديدة من الملوك إمبراطورية بابلية جديدة، امتدت من الخليج الفارسي إلى البحر الأبيض المتوسط، وخلال هذه الفترة أصبحت بابل مدينة ذات مبانٍ جميلة وفخمة.
مدينة بابل على عهد الملك حامورابي
كانت مدينة بابل تقع على طول نهر الفرات في العراق الحالي على بعد حوالي 50 ميلاً جنوب بغداد، تأسست حوالي 2300 قبل الميلاد، من قِبل السكان الناطقين باللغة الأكادية في جنوب بلاد ما بين النهرين.
أصبحت بابل قوةً عسكرية كبرى في ظل الملك الأموري حمورابي، الذي حكم من 1792 إلى 1750 قبل الميلاد، بعد أن غزا حمورابي دول المدن المجاورة، ووضع الكثير من جنوب ووسط بلاد ما بين النهرين تحت الحكم البابلي الموحد، وخلق إمبراطورية تسمى بابل.
حوّل حمورابي بابل إلى مدينة غنية وقوية ومؤثرة، كما أنشأ واحدة من أقدم الرموز القانونية المكتوبة وأكثرها اكتمالاً في العالم، التي عُرفت باسم "شريعة حمورابي"، وقد ساعد بابل على تجاوز مدن أخرى في المنطقة.
لكن بابل لم تدُم طويلاً، فقد انهارت الإمبراطورية بعد وفاة حمورابي وعادت إلى مملكة صغيرة لعدة قرون.
الإمبراطورية البابلية الجديدة
أسست سلالة جديدة من الملوك الإمبراطورية البابلية الجديدة، التي استمرت من 626 قبل الميلاد إلى 539 قبل الميلاد، وأصبحت الإمبراطورية البابلية الجديدة أقوى دولة في العالم بعد هزيمة الآشوريين في نينوى عام 612 قبل الميلاد.
لكن الإمبراطورية البابلية الجديدة لم تدُم كثيراً أيضاً، ففي عام 539 قبل الميلاد، بعد أقل من قرن من تأسيسها، غزا الملك الفارسي قورش العظيم مدينة بابل، لتصبح جزءاً من الإمبراطورية الفارسية.
شهدت الإمبراطوريتان البابلية القديمة والجديدة فترة نهضة ثقافية في الشرق الأدنى، إذ قام البابليون ببناء العديد من المباني الجميلة والفاخرة، التي منها ما أصبح ضائعاً مع الزمن، ومنها الذي لا يزال محفوظاً حتى الآن.
برج بابل الذي أريد منه الوصول إلى السماء
تصوّر الكتب المقدسة المسيحية بابل على أنها مدينة شريرة، في حين تحكي الكتب المقدسة العبرية عن قصة السبي البابلي، وتصور الملك نبوخذ نصر على أنه ملك قام بأسر عدد كبير من اليهود، وفقاً لما ذكره موقع History.
كما تشمل الروايات الشهيرة عن بابل في الكتاب المقدس قصة برج بابل، فوفقاً لرواية العهد القديم فقد تم بناء البرج بعد فترة قصيرة من طوفان نوح، وقد حاول البشر من خلال بنائه الوصول إلى السماء.
لكن عندما رأى الله هذا، قام بتدمير البرج، وشتت البشرية في جميع أنحاء الأرض، ما جعلهم يتحدثون العديد من اللغات، حتى لا يتمكنوا من فهم بعضهم البعض، بحسب Britannica.
في حين يعتقد بعض العلماء أن برج بابل الأسطوري كان مستوحى من معبد الزقورة الواقعي، الذي بُني لتكريم إله بابل الراعي مردوخ.
ويعتقد العلماء أنّ برج بابل يتكون من برج ضخم بُني وسط محراب الهيكل الأكبر، ويرتفع فوق هذا البرج أبراج أخرى أصغر حجماً لتكمل في النهاية 8 أبراج.
وأنّ الدرجات بُنيت على شكل لولبي، بحيث تحيط بجميع الأبراج، وفي سطحه توجد استراحة للناس.
أما مكان بنائه فقد اختلفت حوله الآراء كثيراً، فمنهم من يقول إنّه موجود في "برس نمرود"، تقع على بعد 17 كيلومتراً عن بابل، ومنهم من يقول إنه بُني في القسم الجنوبي من المدينة على بعد قليل من ضفة نهر الفرات اليمنى.
جدران بابل التي كانت العربات تتسابق فوقها
عندما كان حمورابي ملكاً على الإمبراطورية البابلية قام بتحصين بابل من كافة الاتجاهات بجدران لا يمكن اختراقها، ثم قام من بعده نبوخذ نصر الثاني بـ3 حلقات أخرى من الجدران، يبلغ ارتفاعها نحو 13 متراً.
وكتب المؤرخ اليوناني هيرودوت، أن أسوار بابل كانت سميكة، لدرجة أن سباقات العربات كانت تقام فوقها.
في حين احتلت المدينة داخل الجدران مساحة 200 ميل مربع (517 كيلومتراً مربعاً)، أي بحجم مدينة شيكاغو الأمريكية اليوم.
أما جدران بابل العتيقة في الوقت الحالي فتحيط معظمها بالمدينة القديمة، في حين جرى بيع أجزاء منها لمؤسسات ومتاحف أخرى، مثل متحف الميتروبوليتان في نيويورك، وفقاً لما ذكرته صحيفة الشرق الأوسط.
بوابة عشتار رمز الحب
كان المدخل الرئيسي الداخلي لمدينة بابل يسمى باسم بوابة عشتار، ويقال إنه سُمي تيمناً باسم "الإلهة عشتار"، في حين يقول البعض إن نبوخذ نصر الثاني بناه تعبيراً عن حبه لزوجته أميديا.
وهي عبارة عن بوابة بارتفاع 12 متراً، بُنيت بالقرميد الأزرق اللامع الشبيه بالسيراميك، ومزينة بنقوش زخرفية مع صور للثيران والتنانين والأُسود.
وكانت بوابة عشتار تُفسح الطريق أمام الموكب العظيم للمرور في ممر مزين في المدينة، يبلغ طوله نحو نصف ميل، ويُستخدم في الطقوس الدينية، وأيضاً للاحتفال بالعام الجديد، الذي يبدأ في مدينة بابل القديمة، مع الاعتدال الربيعي وبداية الموسم الزراعي.
قام علماء الآثار الألمان بالتنقيب عن بقايا البوابة في أوائل القرن العشرين، ونقلوها إلى متحف بيرغامون في العاصمة الألمانية برلين، ليعيدوا بناءها هناك باستخدام السيراميك الأزرق الأصلي.
حدائق بابل المعلقة.. إحدى عجائب الدنيا السبع القديمة
تعتبر حدائق بابل المعلقة واحدةً من عجائب الدنيا السبع التي وضعها الشاعر الإغريقي أنتيباتر الصيداوي، الذي عاش في القرن الثاني قبل الميلاد، قبل أن يتم استبدالها لاحقاً بمنارة الإسكندرية في مصر.
وتتكون الحدائق المعلقة من متاهة ضخمة من الأشجار المتدرجة والشجيرات والزهور والشلالات الصناعية، يقال إن نبوخذ نصر الثاني بناها من أجل إرضاء زوجته إميديا التي كانت تحنّ إلى حياتها السابقة في بلاد فارس، لذلك قرّر نبوخذ نصر أن يسكنها في مبنى فوق تل مصنوع بأيدي الرجال، وعلى شكل حدائق بها تراسات وفقاً لـAncient.
وللأسف لم يتم حتى يومنا هذا العثور سوى على أدلة قليلة تُثبت وجودها أصلاً على أرض الواقع، في حين يُرجّح بعض العلماء أن الحدائق المعلقة كانت موجودة في نينوى وليس بابل.
أسد بابل
يعتبر أسد بابل الذي يبلغ من العمر نحو 2600 عام من بين القطع الأثرية الأكثر شهرة في تاريخ العراق، فهو أول تمثال تم إعادة اكتشافه في بابل في أواخر القرن الـ18.
والتمثال مصنوع من حجر البازلت الأسود الصلب، على شكل أسد يجلس فوق شخص بشري، ويبلغ طول التمثال نحو مترين، موضوع فوق منصة تبلغ نحو متر واحد.ووفقاً لما ذكره موقع World Monuments Fund، يرجح البعض أنّ التمثال بُني من قِبل الملك نبوخذ نصر الثاني، في حين يشير علماء إلى أنه من الغنائم التي غنمها البابليون خلال إغارتهم على الحثيين الجدد في سوريا.