يمثل الثاني من ديسمبر/كانون الأول من كل عام ذكرى اليوم العالمي لإلغاء الرق الذي اعتمدته الأمم المتحدة في العام 1949 لإيقاف ظاهرة الاتجار بالأشخاص واستغلال عمالة الأطفال وغيرها من مظاهرة العبودية، على الرغم من أنّ إلغاء الرق فعلياً بدأ قبل ذلك بكثير وتحديداً قبل 213 عاماً.
تعريف الرق
يعرّف الرق بأنه عمل فردي أو جماعي لخدمة فرد أو جماعة من الناس، وكلمة الرق مـن الناحية الاجتماعية تعني الإنسان في الصورة والشكل، ولكن في نظر القانون الروماني الرق أشبه بالحيوان، وله نفس المصير، ولا يحق له الملكية، وليس له عائلة، وهو مملوك لغيره، يتصرف به سيده، كما يتصرف المالك بملكه، فمن حق سيده أن يستخدمه في أي عمل، وأن يؤجره ويرهنه ويبيعه أو يهبه لمن يشاء، وأن يضربه أو يقتله أو يمثّل به.
فالرق من الناحية الاجتماعية هو استغلال الإنسان القـوي للإنسان الضعيف، والرق يقوم على العمل والإنتاج، لاسيما في رعي الماشية أو في الزراعة أو في المناجم أو البيوت أو كبحارة في الأسطول الروماني.
متى نشأ الرق؟
نشأت ظاهرة الرق أو كما تسمى أيضاً الاستعباد خلال فترة التحول من الصيد إلى الزراعة، وفقاً لما ذكره الدكتور عبدالمجيد حمدان، المتخصص في قسم التاريخ بجامعة دمشق في كتابه "العبيد عند الرومان".
ففي فترة الصيد وجمع الغذاء، لم يكن هناك وجود للاسترقاق، ولكن عندما انتقل الإنسان من الصيد إلى الزراعة، بدأ ظهور الرق بسبب استقرار الإنسان وتشكل الحياة القروية التي تتطلب أيادي عاملة للعمل بالزراعة والصناعة ورعي المواشي.
فبقي الرق اجتماعياً قائماً على وجود سيد قوي وعبد مستضعف يعمل مـن أجل سيده منذ العصور القديمة، مما جعل فكرة الاسترقاق تتغلغل إلى نفـوس أرقى الناس والمفكرين والفلاسفة أمثال: أفلاطون وأرسطو.
إلغاء الرق
بدأت أولى البوادر الحقيقية لإعلان إلغاء الرق في العالم عن طريق إلغاء المملكة المتحدة قانون الرقيق وتجارة العبيد عبر الأطلسي إضافة إلى قيامها بالضغط على الدول الأوروبية الأخرى من أجل اتخاذ قرارات مماثلة.
بعدها بنحو 25 عاماً أعلن الرئيس الأمريكي إبراهام لنكولن في يناير/كانون الثاني 1863 إعلان تحرير العبيد في الولايات المتحدة مغيراً معه حالة 3 ملايين شخص من الجنوب الأمريكي من مستعبدين إلى أحرار.
ورغم هذين القرارين اللذين كانا بوابة لإلغاء العبودية في العالم فإنّ ذلك استغرق الكثير من السنوات فالبحارة البريطانيون استمروا بنقل العبيد عبر الأطلسي لسنوات طويلة، بينما واصلت بعض الولايات الأمريكية ممارسة الاستعباد أيضاً حتى نهاية القرن التاسع عشر.
الرق سابقاً
إضافة إلى الإمبراطورية الرومانية كانت تجارة الرق موجودة لدى غالبية الشعوب القديمة، فكانت البرتفال تستقبل وحدها سنوياً ما بين 700 إلى 800 عبد من مراكز تجميع العبيد على الساحل الغربي لأفريقيا وكانوا يخطفون من بين ذويهم في أواسط أفريقيا.
وفي القرن الـ16 مارست إسبانيا تجارة العبيد التي كانت تدفع بهم قسراً من أفريقيا لمستعمراتها في المناطق الاستوائية بأمريكا اللاتينية ليعملوا في الزراعة بالسخرة.
تبعهم في تلك التجارة اللاإنسانية الكثير من الدول مثل إنجلترا فرنسا وهولندا والدنمارك حتى صدور القوانين التي تمنع الرق في تلك الدول.
الرق الحديث
من ذلك الحين وحتى الوقت الحالي تطور الرق عبر التاريخ، صحيح أنه لم يعد هناك عبيد تباع وتشترى في الأسواق ولكنك ستفاجأ عندما تعرف أنّ هناك أكثر من 40 مليون شخص في العالم حالياً هم ضحايا للرق الحديث غالبيتهم من النساء والفتيات وبينهم نحو 15 مليون طفل، وفقاً لمنظمة العمل الدولية.
وعلى الرغم من أن الاسترقاق الحديث غير معرف في القانون، فإنه يستخدم كمصطلح شامل يشمل ممارسات من قبيل العمل الجبري، واستعباد الشخص المديون بالمال والاتجار بالبشر وإجبار الفتيات على الزواج.
وجميع هذه الأمور تحدث دون أدنى شك عن طريق العنف والإكراه وإساءة المعاملة، فمن الخارج يمكن أن تبدو وظيفة عادية لكن الأشخاص يخضعون للسيطرة، فقد يواجهون العنف أو التهديدات أو يُجبرون على تحمل ديون لا مفر منها أو يُسحب منهم جواز سفرهم ويهددون بالترحيل.
فقد وقع الكثيرون في هذا الفخ القمعي لمجرد أنهم كانوا يحاولون الهروب من الفقر أو انعدام الأمن وتحسين حياتهم وإعالة أسرهم.
أشكال العبودية الحديثة
تأخذ العبودية الحديثة أشكالاً عديدة، والأكثر شيوعاً هي:
الاتجار بالبشر: استخدام العنف أو التهديد أو الإكراه لنقل أو تجنيد أو إيواء الأشخاص من أجل استغلالهم لأغراض مثل الدعارة القسرية أو العمل أو الإجرام أو الزواج أو نزع الأعضاء.
السخرة: أي عمل أو خدمات يجبر الناس على القيام بها ضد إرادتهم تحت التهديد بالعقاب.
سخرة الشخص المديون بالمال: تعد من أكثر أشكال الرق انتشاراً في العالم، إذ يقترض الأشخاص المحاصرون في الفقر المال ويضطرون إلى العمل لسداد الديون.
عبودية الأطفال: عندما يتم استغلال طفل لتحقيق مكاسب لشخص آخر، يمكن أن يشمل ذلك الاتجار بالأطفال أو تجنيدهم في الحروب أو استغلالهم في أعمال المنزل.
الزواج القسري والمبكر: عندما يتزوج شخص ضد إرادته ولا يمكنه المغادرة يعتبر هذا الزوج نوعاً من أنواع العبودية، كما أنّ معظم زيجات الأطفال هي من العبودية.
ينتهي الأمر بالناس في العبودية الحديثة عندما يكونون عرضة للخداع أو الاستغلال غالباً نتيجة لظروف الفقر التي تدفعهم إلى اتخاذ قرارات محفوفة بالمخاطر بحثًا عن فرص لإعالة أسرهم أو موافقتهم ببساطة في العمل بوظائف استغلالية.
أرقام وإحصائيات عن العبودية الحديثة
لا توجد ضحية نموذجية للرق، فالضحايا هم من الرجال والنساء والأطفال من جميع الأعمار والأعراق والجنسيات ومن جميع الفئات السكانية.
- يُقدر عدد الأشخاص الذين يعيشون في العبودية الحديثة بنحو 40.3 مليون شخص، منهم 24.9 في السخرة و 15.4 مليون في الزواج القسري، إذ إن هناك 5.4 ضحية للرق الحديث لكل 1,000 شخص في العالم.
- 1 من بين كل 4 ضحايا للرق الحديث هم من الأطفال
- ومن بين الـ24.9 مليون شخص المحاصرين في العمل الجبري، يتم استغلال 16 مليون شخص في القطاع الخاص مثل العمل المنزلي أو البناء أو الزراعة، و4.8 مليون شخص في الاستغلال الجنسي القسري، و4 ملايين شخص في السخرة التي تفرضها سلطات الدولة.
- تشكل النساء والفتيات 99% من الضحايا في صناعة الجنس التجاري و 58% من القطاعات الأخرى في قطاعات العمل الجبري.
أخيراً يعد الفقر ومحدودية فرص العمل ونقص التعليم والأوضاع الاجتماعية والسياسية غير المستقرة والاختلالات الاقتصادية والحروب من العوامل الرئيسية التي تسهم في إضعاف الشخص ليصبح ضحية للعبودية الحديثة.
كما يمكن للضحايا في كثير من الأحيان أن يواجهوا أكثر من نوع واحد من سوء العبودية، على سبيل المثال استغلالهم في العمل ثم إجبارهم على ممارسة أشكال أخرى من الاستغلال.