في ظل التوتر الذي يعيش فيه العالم بأكمله مع اندلاع الموجة الثانية من فيروس كورونا وتداعياتها الخطرة وما قد نصل إليه مع الاقتراب من ذروتها. وفي انتظار صدور لقاح بشكل رسمي وتوزيعه يعلن البدء عن عملية تعافي العالم ويقلل من حدة الأزمة في جميع النواحي الحياتية التي تعيشها مصر، فمصر والمصريون في قلق مستمر، فبين قرارات الحكومة التي تتأرجح بين محاولة تجنب وقوع انهيار للمنظومة الصحية وبين الحفاظ على ما تبقى من المنظومة الاقتصادية لعدم المساس أكثر بمصالح الطبقات الفقيرة والمتوسطة والتي تعرضت لأكبر الأضرار في الموجة الأولى. في هذا الإطار، أتی قرار تأجيل معرض القاهرة الدولي للكتاب كصاعقة علی الجميع، بداية من القارئ الذي ينتظر المعرض كالعيد من العام للعام، وحتی صُناع الكتب في مصر كدور نشر وصولاً لأصحاب المكتبات الذين كانوا يأملون في إقامة المعرض في موعده وصدور أعمال أدبية جديدة تنعش السوق المصري الراكد منذ شهر مارس/آذار 2020.
تاريخ معرض الكتاب المصري
يُعد معرض الكتاب المصري واحداً من أكبر المعارض وأعرقها في الشرق الأوسط والعالم بأكمله لما يحمله من تاريخ طويل من صدور الأعمال والانعقاد بشكل مستمر في كل عام واستضافة الناشرين العرب والأجانب ووجود دولة أجنبية أو عربية كضيف شرف في كل عام، وعقد مناظرات فكرية وجلسات حوار تتلاقح فيها الأفكار من مختلف المشارب.
بدأت أولى دورات معرض الكتاب المصري في عام 1969 في عهد وزير الثقافة "ثروت عكاشة" الذي عهد بمسؤولية الإشراف علی المعرض إلی الكاتبة والباحثة المصرية "سهير القلماوي". وفي عام 2006 نال المعرض لقب ثاني أكبر معرض في العالم بعد معرض فرانكفورت الدولي، وفي عام 2018 بلغ عدد الزوار 4.5 مليون زائر فيما يبلغ متوسط الحضور في كل عام حوالي 2 مليون زائر.
يُقام المعرض سنوياً في إجازة منتصف العام الدراسي بشهر يناير ويعد الحدث الثقافي الأكبر والأكثر جماهيرية كل عام.
ردود الفعل على التأجيل الثاني
تُعد هذه هي المرة الثانية في تاريخ المعرض التي يتم فيها التأجيل، فالمرة الأولی كانت في عام الثورة، عام 2011، الذي شهد تأجيل افتتاح المعرض لشهر أغسطس/آب من نفس العام ثم عاد في دورته التالية في موعده ومكانه بأرض المعارض بمدينة نصر، بالقاهرة، وهذه هي المرة الثانية منذ بداية عقد المعرض التي يتم فيها التأجيل وهذه المرة بسبب فيروس كورونا الذي يجتاح العالم.
وبين متفائل ومتشائم من هذا القرار عبَّر أصحاب دور النشر والكُتاب عن رأيهم في هذا الأمر وتأثيره علی صناعة الكتاب في مصر. يشير مدير دار اكتب للنشر والتوزيع، يحيى هاشم، إلى العواقب التي ستنجم عن هذا القرار من وجهة نظره، فيقول:
"التأثير المباشر اقتصادي لأن معرض القاهرة هو الشريان الأساسي لضخ دماء الاستمرار لكل ناشر مصري، أما غير المباشر على مستوى الصناعة سيكون على المدى الطويل لأن جبل النشر الثلجي تصدع وقارب على الانهيار".
بينما عقب أحمد ضيوف، مدير دار كتوبيا للنشر والتوزيع علی قرار التأجيل قائلاً:
"بالتأكيد تأجيل معرض القاهرة للكتاب خبر محزن لكل الناشرين الطامحين في تعويض خسائرهم خلال عام 2020 وغياب أغلب المعارض الدولية والاعتماد فقط على حركة البيع في المكتبات، ولكن قرار تأجيله قد يكون في صالح الناشر المصري والقارئ المصري بسبب التوقيت الجديد الذي قد تكون فيه حالات كورونا غير موجودة إما لظهور لقاح أو أن قدرة الفيروس على العدوى تقل في فصل الصيف بالإضافة لضمان مشاركة دولية في معرض القاهرة ووجود الناشرين العرب فرصة جيدة للقارئ المصري في الحصول على كتب عربية بخصومات كبيرة لن يجدها طوال العام إلا نادراً".
وعبَّر الكاتب المصري طارق إمام، عن استيائه من قرار التأجيل، فقال في حديثه:
"بالتأكيد تأجيل المعرض خبر حزين سواء لدور النشر وصُناع الكتاب في مصر أو للقراء لأن المعرض موسم سنوي لشراء الأعمال الأدبية، ولكن بما أنه إجراء احترازي لأسباب تخص الموجة الثانية لجائحة كورونا فأنا لا يمكنني أن أعترض على إجراء احترازي الهدف منه وقاية الناس مع ملحوظة أساسية كنت قد عبرت عنها فور صدور القرار وهي وجود ازدواجية للقرارات الصادرة من وزارة الثقافة ألا وهي إقرار إقامة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في موعده بشهر ديسمبر/كانون الأول المقبل وتأجيل المعرض الذي كان من المفترض إقامته في شهر يناير/كانون الثاني رغم أن الفارق بينهما أقل من شهر، وبالتالي فإن أسباب تأجيل المعرض وإقامة المهرجان في موعده هي أسباب واهية لا يمكن أن أصدقها. والحقيقة الوحيدة التي أستطيع تقبلها هي أن الفائدة التي تعود من إقامة المهرجان أكبر من الفائدة التي ستعود من إقامة المعرض من الناحية المادية والعملية بما أن المشاركات العربية والأجنبية لدور النشر قد تكون محدودة، وبناء عليه تم إصدار قرار التأجيل وهذا تقديري الوحيد للأمر وإذا كان هناك أسباب أخری فأنا أتمنی معرفتها بعيداً عن الحجج الواهية مثل أن إقامة المعرض في يناير/كانون الثاني قد تأتي في ذروة الموجة الثانية لأن المهرجان سيقام في ديسمبر/كانون الأول، أو أن عدد زوار المعرض قد يكون أكبر من عدد زوار المهرجان وكأننا نقيم الأمر بالعدد فقط في ظل وجود وباء عالمي! فإن كان من المتوقع أن يبلغ عدد زوار معرض القاهرة 4 ملايين زائر وقد يكون هذا رقماً كبيراً له تأثير علی أرواح الناس وقد يؤدي إلى إصابتهم فإن مهرجان القاهرة السينمائي قد يدخله مليون زائر، أليس هذا خطراً علی الناس؟ مع العلم أن مهرجان القاهرة بالأساس قائم على فكرة القاعات المغلقة. بالتأكيد في كل الأحوال هذا خبر حزين ولكن في رأيي الشخصي يجب على الناشرين أن يستمروا في إنتاج أعمالهم لأن القارئ يتعامل مع موسم معرض الكتاب كموعد سنوي لشراء الكتب، فحتی إذا لم يوجد المعرض فالقراء متوفرون لشراء الأعمال الجديدة في هذا الموعد مثل ما يحدث في موسم الصيف الذي يصدر فيه سنوياً أعمال جديدة حسب خطط دور النشر رغم عدم وجود معرض دولي.
أنا مع إصدار الكتب في فترة المعرض رغم عدم إقامته وتسويق الأعمال عبر المنصات الإلكترونية كما حدث في الموجة الأولى، فرغم تعطيل كورونا لسوق النشر وعمليات الإنتاج والبيع ولكن تسويق الأعمال إلكترونياً ساهم في إنقاذ جزء من المنظومة الصناعية للكتب هذا العام. كلها حلول تظل مطروحة خصوصاً لأني أرجح عدم إقامة المعرض نهائياً هذا العام لأن إرجاء اليونان ضيف شرف معرض 2021 قد يعني غياب المعرض نهائياً هذا العام لأنه إذا أقامته في 30 /6 /2021 بالطبع سيؤثر علی دورة عام 2022 وبالتالي سيتم إصدار قرار إلغاء نسخة هذا العام، وبالنسبة لي فقرار التأجيل يبدو أنه أتى كتمهيد لإلغاء الدورة وتسكين الرأي العام والمهتمين بالشأن الثقافي".
بينما قالت الكاتبة "نورا ناجي" في تعقيبها على القرار:
"خبر حزين، أنا حزينة لأنني أنتظر معرض الكتاب من العام للعام لأنه أجمل أيام السنة وأجمل أيام حياتي على الإطلاق، هو عيد حقيقي، ليست هذه كلمة مجازية أو صيغة مبالغة، ولكني متفهمة القرار لأن المعرض يأتي في يناير/كانون الثاني وفي هذا العام قد يكون يناير/كانون الثاني هو ذروة الموجة الثانية من جائحة كورونا، صحة الناس أهم من أي شيء آخر، وتأجيل المعرض لشهر يونيو/حزيران ليس بعيداً، الأيام تتعاقب وتمضي على كل حال، وأظن أن من بعد شهر مارس/آذار 2021 ستكون الأمور أكثر استقراراً وسنتمكن من ممارسة قدر أكبر من الحرية في الحركة والاطمئنان على أنفسنا دون خوف أو قلق كما نعيش في الوقت الحالي، أما بالنسبة للناشرين فأنا أعرف الخسائر الكبيرة التي تكبدوها ولكن وأنا واثقة من أن الله سيعوضنا جميعاً عن كل ما نعاني منه بعد أن يعود العالم لطبيعته".
بالتأكيد فإن صناعة النشر في مصر في مهبّ الريح في ظل كل ما يحدث لأن كل النتائج تشير لوجود أزمة حقيقية تمر بها الصناعة في ظل غياب المعارض واقتصار المكتبات على إصدارات معينة رائجة تضمن الربح وتساهم في دفع المركب للأمام قليلاً. وفي ظل غياب أي دعم لصُناع الكتاب في مصر واستفحال انتشار الكتاب المزور في السوق المصري لقلة ثمنه وانتشاره في ظل وجود أزمة مالية يعاني منها الجميع، ورغم إطلاق أكثر من مبادرة علی مواقع التواصل الاجتماعي وإنشاء أكثر من مجموعة أدبية مثل "نادي القراء المحترفين" وغيرها لتدافع عن حقوق الكُتاب وأصحاب دور النشر ضد سارقي الكتب والمزورين وجلب خصومات جيدة من عدة دور نشر للتشجيع على دعم الصناعة التي وبلا شك تشهد معاناة لا سابقة لها، ولكن تظل التأثيرات موجودة في ظل مركزية العاصمة وصعوبة وصول الكتب للمحافظات حتى في ظل عمل دور النشر بكامل طاقتها؛ فإنه وعلی ما يبدو أن الأزمة ستنهي نشاطات دور نشر ومكتبات ثقافية عديدة لن تتمكن من الصمود أمام هذا الطوفان الذي يأكل الاقتصاد وأرواح الناس، وأن كل ما ذكرناه هو مجرد حلول نظرية ستتوقف على عوامل أخری، إما أن تساعد في دفع المركب للبر والمرور من الأزمة بأقل الأضرار وإما غرق الكثير من صناع الثقافة في مصر تحت وطأة القرارات أو الظروف العامة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.