في أمسيةٍ صيفية شديدة الحرارة في يونيو/حزيران من عام 1983، اختفت فتاةٌ في عمر الخامسة عشرة من مدينة الفاتيكان بوسط روما، بعد حضور درسٍ موسيقي روتيني. لتبقى بذلك إحدى أغرب قصص الاختفاء في العالم.
تدعى الفتاة إيمانويلا أورلاندي، وهي ابنة موظفٍ بارز في الفاتيكان. استمتعت أورلاندي، باعتبار منصب والدها بالحدائق الشاعرية للمركز الديني في الفاتيكان، وغالباً ما كانت تقابل البابا يوحنا بولس الثاني. يتذكَّر شقيقها بيترو أن مدينتهم كانت أقرب إلى قريةٍ صغيرة، تسكنها مجموعةٌ من حوالي ست عائلات.
لكن اختفاء إيمانويلا أورلاندي في 22 يونيو/حزيران من ذلك العام فَتَحَ الباب أمام عقودٍ من نظريات المؤامرة المُتنوِّعة، التي شملت المافيا الإيطالية، وعبدة الشيطان، والاتجار بالجنس، ومنظمة تركية يمينية. وبالطبع هي قضيّة لم تُحلّ حتى الآن، وغير معروف ما حصل لتلك الفتاة المسكينة.
يوم اختفاء إيمانويلا أورلاندي
في آخر يومٍ شُوهِدَت فيه إيمانويلا، اتصلت بأختها بعد فصل الموسيقى لتخبرها أنَّ ممثلاً من شركة Avon Cosmetics قد عَرَضَ عليها وظيفة، أخبرتها أختها أن تنتظري حتّى تناقش والديها قبل اتخاذ أيّ قرار.
لكن لم يكن هناك وقتٌ لاستشارة والديها، فالفتاة المسكينة لم تعد إلى المنزل ذلك اليوم، ولا في اليوم التالي، ولا حتّى الآن. وهكذا اتصل والدها بالشرطة. وأُعلِنَ أنها اختفت بصورةٍ غامضة في ذلك اليوم.
أفاد أحد الشهود في البداية أنه رأى فتاةً تتطابق مع مواصفات إيمانويلا وهي تدخل سيارة بي إم دابليو خضراء بالقرب من مدرسة الموسيقى ليلة اختفائها، لكنّ هذه المعلومات المحدودة لم تكن لتقود إلى أيّ شيء.
أبرز النظريات حول سبب اختفاء إيمانويلا أورلاندي
ارتبطت قصّة اختفاء إيمانويلا بالعديد من النظريات والتخمينات.
قبل اختفاء إيمانويلا بسنتين وقعت حادثة شهيرة: محاولة اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني. حاول اغتياله شاب يدعى محمد علي أغا، وهو مواطن تركي متطرّف ينتمي لجماعةٍ تركية يمينية متطرفة تدعى "الذئاب الرمادية"، تؤمن هذه الجماعة بتفوُّق العرق التركي على غيره من الأعراق، وتسعى لتكوين دولة واحدة لكلّ الأتراك المنتشرين في وسط آسيا وحتّى في الصين وغيرها من الدول.
وقد حاولت تلك المنظمة اغتيال البابا عام 1981 في ساحة القديس بطرس في البرتغال، ولكنّ البابا أصيب فقط ولم يقتل، وحُكم على الشاب الذي حاول اغتياله بالسجن مدى الحياة.
وبعد فترةٍ وجيزة من ظهور هذه التفاصيل المثيرة عن اختفاء الفتاة، تلقَّت عائلة أورلاندي مكالمةً هاتفية تتعهَّد بإعادة الفتاة إذا أَطلَقَ الفاتيكان سراح محمد علي أغا. ولكن أيضاً لا أحد يعلم هل كان ذلك حقيقياً أم محاولة من المنظمة للمناورة وتخليص أغا.
للقراءة أكثر عن هذه المنظمة، يمكنك قراءة هذه المادة.
ومنذ ذلك الحين، ظهرت تخمينات أخرى لا تقلّ إثارة. فالبعض يعتقد أن منظمة Banda della Magliana الإجرامية، وهي منظمة إجرامية تتمركز في روما، وأسست عام 1975 ومتورطة في العديد من أحداث العنف في أوروبا، قد اختطفت إيمانويلا في محاولةٍ منها لإجبار الفاتيكان على سداد قرضٍ مُستحق لها، كانت أقرضته للفاتيكان من خلال وسيط.
وقد ادَّعَت صديقة زعيم التنظيم الإجرامي، إنريكو دي بيديس، لاحقاً أن صديقها أخبرها أن إيمانويلا قد اختُطِفَت بالفعل وقُتِلَت.
ولكنّ، أكثر النظريات إفزاعاً وفضائحيّة، هي تلك التي تدَّعي أن الفاتيكان والشرطة المحلية قد اختطفوا إيمانويلا لإجبارها على "العبودية الجنسية". على الأقل هذا ما كان يؤمن به كاهن أبرشية روما، الأب غابرييل أمورث، الذي عيَّنه البابا يوحنا بولس الثاني نفسه.
ويصرَّ أمورث على موقفه قائلاً: "هذه جريمةٌ بدافعٍ جنسي. كانت الحفلات تُنظَّم، وقام فيها درك الفاتيكان بدور "المُجنِّد" للفتيات. وضمَّت الشبكة موظَّفين دبلوماسيين من سفارةٍ أجنبية لدى الكرسي البابوي. أعتقد أن إيمانويلا انتهى بها الأمر ضحيةً لهذه الدائرة". ولكن هذه الفرضيّة أيضاً لا دليل عليها.
وفي عام 2019، أُشيرَ إلى أن إيمانويلا قد دُفِنَت في مقبرةٍ بالفاتيكان. والمأساة أن هذه الإشارة هي الأخرى لم تُسفر عن أي شيء، فقد كانت النتيجة بعد التحقيق أنّ العظام التي وجدت تنتمي لأشخاص دفنوا قبل القرن العشرين.
وهكذا نظَّمَت عائلتها مظاهراتٍ في السنوات الأخيرة، على أمل الضغط من أجل إجراء تحقيقٍ جديد في لغز اختفائها الذي يظلُّ بلا حل، لكن دون جدوى.