لطالما توجهت أسهم الاتهام باتجاه جماعة الذئاب الرمادية، الذراع العسكرية المسلحة غير الرسمية التابعة لحزب الحركة القومية التركية "MHP"، باعتبارها منظمة وطنية متطرفة، فمن هي هذه الجماعة، أين تتواجد، ما هي أهدافُها، وما أبرز العمليات التي قامت بها؟
جماعة "الذئاب الرمادية".. تأسيسها وعلاقتها بحزب الحركة القومية
آلب أرسلان توركيش
ولد آلب أرسلان توركيش، في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1917، في مدينة نيقوسيا القبرصية، وتوفي في 4 أبريل/نيسان 1997، في العاصمة التركية أنقرة، وهو مؤسس حزب الحركة القومية وجماعة "الذئاب الرمادية"، وهو الممثل الأكبر لليمين السياسي في تركيا.
وكان توركيش من بين أول 16 ضابطاً جرى تدريبهم في العام 1948 من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل تشكيل منظمة مقاومة معادية للشيوعية.
راح توركيش يتنقل بين تركيا والولايات المتحدة، وأقام روابط قوية مع وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون ووكالة المخابرات المركزية.
وبين عامي 1955 و1958، خدم في واشنطن ضمن قوات حلف الناتو، قبل أن يعود إلى تركيا، في حين يبدأ نفوذه في الجيش بالازدياد، عندما شارك في الانقلاب على رئيس الوزراء عدنان مندريس وإعدامه.
في حين كان لمشاركته في الحرب الأهلية التركية، في سبعينيات القرن الماضي ضد الشيوعيين، السبب الأبرز في ازدياد شعبيته بين القوميين الأتراك.
وعند عودته انضم أرسلان الذي كان مؤمناً بنظرية الأعراق المتفوقة، رفقة زملائه إلى حزب الأمة الريفي الجمهوري في العام 1964، حيث بدأ الترويج من داخل الحزب لفكرة القومية التركية، فأسس حركة ""الذئاب الرمادية"" انطلاقاً من إيمانه الراسخ بتفوق العرق التركي على بقية الأعراق الموجودة في البلاد.
كما بدأ بتوسيع هذه المجموعة عن طريق ضمّ الشباب الأتراك حصراً، والذين يملكون الفكر ذاته.
لم يمضِ على انضمام أرسلان عام واحد حتى تم اختياره زعيماً جديداً للحزب، فكانت أولى خطواته البدء في تغيير اسم الحزب من الأمة الريفي الجمهوري إلى حزب الحركة القومية.
وكان له ما أراد في العام 1969، عندما تمّ عقد مؤتمر استثنائي تم فيه استبدال الاسم، كما قام بتغيير الشعار من الميزان إلى الأهلة الثلاثة.
ومنذ ذلك الحين بات حزب الحركة القومية يمثل الاتجاه القومي اليميني المتشدد في تركيا، وحصل على نجاحات كبيرة في الانتخابات الرئاسية والبلدية التي أُجريت في عامي 1969 و1973، إذ تم رفع عدد نواب الحزب في البرلمان من 1 إلى 3 نواب.
كما تمكّن الحزب في انتخابات العام 1977 من الحصول على نسبة أصوات بلغت نحو 6.5%، ما مكّنه من دخول الحكومة عبر 5 وزراء ونائب رئيس وزراء.
أهداف جماعة "الذئاب الرمادية"
تعتبر منظمة "الذئاب الرمادية" أنّ العرق التركي هو المتفوق على بقية الأعراق في المنطقة، لذلك فإنها تسعى إلى توحيد جميع المنتمين إلى القوميّة التركية حول العالم، في بلد واحد يمتد من البلقان حتى آسيا الوسطى، ويشمل دول المجلس التركي (أذربيجان، كازاخستان، قيرغيزستان، تركمانستان، أوزباكستان) وبعض المقاطعات التركية ذات حكم ذاتي في روسيا الاتحادية تتضمن مثل (باشكورتوستان، تتارستان، جواشيا، خقاسيا، قبردينو – بلقاريا، قراتشاي، تشيركيسيا).
كما أن الجماعة من أكبر المعارضين للتسويات مع القوميات الأخرى، خاصة الأكراد واليونانيين والأرمن إضافة إلى الشيوعيين.
إشارة فم الذئب
أبرز ما يميز الحركة هو الشعار الذي يرفعه أعضاؤها بيدهم، وذلك من خلال رفع السبابة والخنصر، بينما تضم باقي الأصابع إلى بعضها مشكلةً ما يُشبه رأس الذئب.
وترتبط تلك الإشارة بأسطورة تركية قديمة تتحدث عن أنثى ذئب رمادية تدعى "أسينا"، قامت بمساعدة أتراك بقوا عالقين في وادي "أرجينكون"، الذي يعتقد أنه يقع قرب ولاية فان شرق تركيا مدة 4 قرون.
حتى جاءتهم الذئبة آسينا، التي تمكنت من الخروج من الحصار عن طريق ممر نشأ بعد ذوبان الثلوج، وتعتبر هذه الأسطورة أساس نشوء القوميتين المغولية والتركية.
بينما تعود تسمية الجماعة إلى أسطورة أخرى، تتحدث عن تعرّض الأتراك لحرب أبادتهم جميعاً، عدا طفلاً واحداً اضطر إلى الزواج من ذئبة رمادية أنجب منها 12 شخصاً أعادوا بناء القبائل التركية.
المعارك السابقة التي شاركت فيها "الذئاب الرمادية"
في سبعينيات القرن الماضي بدأ حزب الحركة القوميّة التركي بالحصول على دعم شريحة كبيرة من الناس لسببين رئيسيين هنا:
1- الترويج لأهمية القومية التركية ، وضرورة توحيد الأتراك في بلد واحد.
2- خوض جماعة ""الذئاب الرمادية""، التابعة للحزب بشكل غير مباشر، لمعارك شوارع بشكل انفرادي خلال مواجهات مع اليساريين الذين كانوا يحاولون السيطرة على البلاد، متمثلين بــ "الحزب الشيوعي التركي"، و"الجيش الشعبي لتحرير تركيا"، وجماعة "دفر يمسي يول".
وخلال تلك الفترة أنشأت "الذئاب الرمادية" في جميع أنحاء تركيا أكثر من 100 معسكر لعناصرها.
ولم تكتفِ الجماعة بأنشطتها في تركيا، بل امتد نفوذها ليصل إلى دول كثيرة حول العالم.
فشارك "الذئاب" إلى جانب أتراك قبرص في صراعهم مع اليونانيين، وأيضاً قدموا الدعم للإيغور في إقليم شينغيانغ في الصين، ووقفوا إلى جانب الشيشانيين في حربهم الأولى والثانية ضد الروس، عن طريق جمع التبرعات لهم والمشاركة العسكرية.
في حين يعتقد أنّ المجموعة لديها عناصر شاركت حتى العام 2005 في القتال إلى جانب الجيش الأذربيجاني في حربه ضد أرمينيا، قبل أن يتورطوا في محاولة انقلاب فاشلة على الرئيس إلهام علييف، فتم طردهم وحظرهم.
انتشار الذئاب الرمادية في أوروبا
تنتشر مجموعة "الذئاب الرمادية" في أوروبا بشكل كبير، إذ يعتقد أن عناصرها في ألمانيا وحدها يُقدّرون بنحو 20 ألف شخص، ما يجعلها أكبر تنظيم سري في البلاد، كما يعتقد بوجود نحو 5 آلاف عنصر في النمسا، وآلاف آخرين في فرنسا ودول أوروبية أخرى.
متورطة في محاولة اغتيال يوحنا بولس الثاني
في العام 1981، بينما كان البابا يوحنا بولس الثاني يجول في ساحة القديس بطرس في مدينة فاطمة بالبرتغال، أقدم شاب تركي يدعى محمد علي آغا ينتمي لتنظيم "الذئاب الرمادية" على إطلاق النار على البابا مرتين عن قرب، فاستقرت الرصاصات في أمعائه، وذلك وفقاً لما ذكره مركز Global Security العسكري.
تم القبض على آغا فور قيامه بالعملية من قبل المحتشدين وحتى وصول الشرطة، وقد حكم عليه بالسجن مدى الحياة.
وبعد يومين من عيد الميلاد عام 1983 زار البابا يوحنا بولس الثاني آغا في السجن، وتكلم معه على انفراد لمدة 20 دقيقة، وقال يوحنا بولس الثاني: "ما تحدثنا عنه يجب أن يبقى سراً بيني وبينه، تحدثت معه باعتباره شقيقاً، وقد عفوت عنه، ولي كامل الثقة في ذلك".
ورغم اعتراف محمد علي آغا بانتمائه لمجموعة "الذئاب الرمادية" فإنّ هدف المجموعة من تلك العملية لا يزال مجهولاً حتى الآن.