يبدو أن هناك علاقة بين رموز اللغة الهيروغليفية القديمة والرموز التعبيرية التي نستخدمها في المحادثات الإلكترونية اليوم، وأن اللغة المصرية القديمة لها تأثير على عصرنا الرقمي.
تعبر الأشكال الأنيقة، ورسوم العيون المكحولة، والقرابين المقدّمة للآلهة على جدران المعابد والمقابر المصرية القديمة، عن نوع من التجسيد التصويري للحياة الآخرة، وقد اكتسبت الرموز التعبيرية التي نستخدمها الآن الرمزية ذاتها في التعابير، بعد أكثر من 5000 عام.
حسب صحيفة The New York Times الأمريكية، فقد أطلق باحثون على هذه الطريقة اسم "الهيروتعبيرية"، وهي توضح العلاقة الرمزية بين الوجوه التعبيرية واللغة المصرية القديمة، التي ظلّت على مدار قرون غير قابلة للتفسير.
أصبحت اللغة الهيروغليفية أقرب في الوقت الحالي للتفسير، لأن الناس بدأوا يكتبون باستخدام الصور، ويعبرون بها عن مشاعرهم.
فنجد مثلاً أن التصوير المصري القديم للكلب النحيف يشبه كثيراً الرمز التعبيري للكلب الذي يظهر في تطبيقات المراسلة النصية. وعاد ظهور البطة (التي استخدمت كثيراً للرمز إلى المخلوقات المجنحة في اللغة المصرية القديمة) بعد آلاف السنين، في رمز تعبيري مشابه تماماً للرمز المصري القديم. كما تجد أن "الرمز التعبيري للرجل الراقص" يشبه رمزاً مماثلاً في اللغة الهيروغليفية، لا يفرق بينهما سوى الملابس و3,000 عام.
يمكنك الفهم دون أن تعرف اللغة
كانت الهيروغليفية لغة مكتوبة كاملة، وبالرغم من قدرة بعض الأشخاص على معرفة وفهم بعض الرموز الأساسية للغة الهيروغليفية، دون أي معرفة سابقة، فإن كتابتها تخضع لقواعد صارمة، وينبغي أن يتمتع كاتبها بمهارة فائقة.
بعد فك رموز اللغة الشهيرة تحولت لاحقاً إلى أبجدية مكونة من حوالي 20 حرفاً، فكانت تعتمد على رمز واحد بدلاً من كتابة كلمة كاملة.
غالباً ما تكون الرموز التعبيرية اختصارات للتعبير عن المشاعر، مثل الابتسامة أو القلوب للتعبير عن الامتنان أو الحب، أو الوجه الغامز للتعبير عن السخرية، وكل الرموز الأخرى لملء الفراغات التعبيرية التي قد تفشل الرسائل النصية في نقلها.
وفي الكتابة والفن المصري القديم عبّرت صورة "الجعران" عن مفهوم كامل للحياة الأخرى، أو البعث، وكانت تُستخدم في النقوش القديمة بمعنى "أن تصبح".
امتازت اللغة الهيروغليفية أيضاً بطرق لإضافة السياق على هيئة مجموعة من الرموز الصامتة، تُعرف بـ "المصنفات أو رموز التصنيف". على سبيل المثال كان يستخدم رمز الرمح الليبي للتعبير عن الأجانب.
يبدو أن كلا النظامين مدرك لقدرة النماذج الرسومية التعبيرية، هناك نقش مصري قديم للجعران للتعبير عن تيسير رحلة الموتى إلى الحياة الأخرى، يُصوّر طيوراً بلا أرجل، وبعد آلاف السنين، في 2016، حوّلت آبل الرمز التعبيري للمسدس إلى لعبة مسدس رش أخضر ساطع، وهي الخطوة التي سارت على خطاها منصات أخرى، من أجل تشجيع جهود الحد من انتشار الأسلحة.
البعض وصف الرموز التعبيرية باللغة الجديدة، وأنتج أحد المتحمسين لتلك الفكرة إصداراً بالرموز التعبيرية من رواية هيرمان ملفين الرائعة "Moby-Dick"، بعنوان "Emoji Dick". وفي عام 2015، اختار قاموس أوكسفورد الرمز التعبيري "وجه دموع الفرح" باعتباره كلمة العام، وقالوا إن هذا الرمز التعبيري هو أفضل ما عبّر عن "الحالة الروحية والمزاجية" لهذا المعنى.
يقول شيم نوي، باحث في علم الاتصال، إن الربط بين الثقافة العريقة للمتاحف والآثار المصرية القديمة من جهة، وبين الرموز التعبيرية الحديثة من جهة أخرى، أصبح محل اهتمام كبير، ويبدو وكأنك تنفض الغبار عن كل الصور والآثار القديمة.
وتعتبر الرموز التعبيرية أحدث مظاهر الكتابة والتصوير التعبيري ذات التاريخ الطويل، بدءاً من الكتابة البدائية على كهوف الجدران في عصور ما قبل التاريخ، إلى الشعارات الإعلانية الحديثة.
واستخدم سكان الكهوف ألواناً قوية، لكي تعيش رسوماتهم على الجدران عشرات الآلاف من السنين، وبعد أن دمرت الأبجدية الصور، والتعابير، والرموز هاهي تعود من جديد، لتبدو في بعض الحالات وكأنها تحل محل الحروف، وتعبر عما تعجز الكلمات في بعض الأحيان عن وصفه أو التعبير عنه.