"إلى رَجُلَي القرن.. الإمام الشهيد حسن البنّا، والإمام الثائر آية الله الخميني"، كان هذا هو الإهداء الذي زيّن كتاب "الخميني.. الحل الإسلامي والبديل"، لمؤسس وقائد حركة الجهاد الإسلامي الأسبق فتحي الشقاقي، الإهداء الذي كان له ما بعده في شبكة علاقات وتوجّهات الحركة، التي نشأت في ثمانينات القرن الماضي.
وبظهور الحديث بشكلٍ مكثّف خلال اليومين الماضيين عن الحركة، بعد اغتيال الجيش الإسرائيلي القائد العسكري البارز بهاء أبوعطا في قطاع غزّة، نحكي لكم في هذا التقرير قصّة الحركة، التي ترفض الدخول في العملية السياسية برمّتها، وترفع راية الجهاد فقط في وجه إسرائيل.
البداية مع الإخوان المسلمين.. والنهاية انبهار بتجربة الخميني
تشكَّلت حركة الجهاد الإسلامي عبر عمليةٍ طويلة من تغيّر أفكار مؤسسيها والظروف الإقليمية المحيطة بها، فقد ولد الطبيب فتحي الشقاقي – مؤسس الحركة – في مخيّم الشاطئ بمدينة غزة عام 1951. نشأ الشقاقي في بيئة متدينة ومحافظة، درس الرياضيات في جامعة بير زيت، لكنّه قرَّر دراسة الشهادة الثانوية مرةً أخرى ليدرس الطبّ، ومن خلال دراسته للطبّ تغيّرت حياته تماماً.
درس الشقاقي الطبّ في جامعة الزقازيق بمصر عام 1974، وتخرّج فيها وعمل طبيباً للأطفال في قطاع غزة، لكنّ دراسته للطبّ جعلته يخالط زملاءه من الإخوان المسلمين، فتأثر بفكرهم رويداً رويداً حتّى اعتنقه تماماً، وأصبح لاحقاً مسؤولاً تنظيمياً، انضمّ له لاحقاً الأمين العام اللاحق للحركة رمضان شلّح.
في أثناء دراسته بمصر، ومع تأثّره بالإخوان المسلمين واندماجه تنظيمياً معهم، حدث ما لم يكن في الحُسبان، فقد انتصر الخميني في ثورته التي قادها على الشاه محمد رضا بهلوي، وطُرد الشاه من بلاده التي حكمها طيلة ثلاثين عاماً أو يزيد، وبدأ حديث الخميني عن "تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية للخارج"، وهنا بدأ الانجذاب للخميني.
ألّف الشقاقي كتابه الذي سُجن بسببه في مصر "الخميني.. الحل الإسلامي والبديل"، وقد أهدى الكتاب للإمامين كما سمَّاهما: حسن البنّا والخميني.
لا يبدو أنّ الشقاقي كان متأثراً بأيّ حال بالفكر الشيعيّ أو بنظرية "ولاية الفقيه"، وإنّما تأثره بتلك الثورة "الإسلامية" التي هزّت الإقليم كلّه، ولا يخفي الشقاقي في كتابه انجذابه الشديد لتجربة الخميني، بل إنّه هاجم في نهاية الكتاب الدول العربيّة التي ناهضت الثورة الإيرانية واتخذت منها موقف العداء، مثل السعودية والعراق.
وربما ما ربطه أكثر بخطاب الخميني أنّ خطابات الخميني كانت شديدة العداء لإسرائيل، وواضحة المعالم والهدف: إسرائيل هي يد أمريكا في العالم الإسلامي وعلينا محاربتها، وربما هذا هو ما جذب الشقاقي بشكلٍ أساسيّ لإيران ونظامها السياسيّ الوليد.
اعتقلت السلطات المصرية الشقاقي بسبب هذا الكتاب، ورحّلته إلى فلسطين، ومن شبكة علاقاته التي بناها بدأت حركة الجهاد الإسلامي عام 1981 في غزّة.
عمليات عسكرية قادت لاغتيال المؤسس من قبل الموساد
ما يبدو من شخصيّة الشقاقي أنّه كان شخصاً ثورياً بامتياز، اختار "الجهاد" باعتباره السبيل الوحيد لتحرير فلسطين، وقد بدأ نشاطاته بعد عودته لفلسطين، فقد بدأ – وفقاً لموقع وزارة الخارجية الفلسطينية – تواصله مع قيادات "سرايا الجهاد" التي تأسست في جنوب لبنان عام 1986، وكذلك اتّصل بقيادات الاتجاه الإسلامي داخل حركة فتح، وأسفر هذا التواصل عن تأسيس إطار عسكري واضح المعالم تحت مسمى "حركة الجهاد الإسلامي".
بدأ الشقاقي سريعاً عملياته العسكريّة ضدّ الاحتلال، وقد اتهمته السلطات الإسرائيلية بالضلوع في الانتفاضة الفلسطينية الأولى، هو وصديقه ورفيقه الشيخ عبد العزيز عودة، الذي يعتبر الأب الروحي للحركة، وقد تمّ إبعاد العودة، بينما أبعد الشقاقي إلى لبنان عام 1988.
كانت نهاية الشقاقي عام 1995، في أكتوبر/تشرين الأول، عندما اغتاله الموساد الإسرائيلي بعد تسعة أشهر من عمليةٍ عسكرية قوية خطط لها ونجحت. سُميت بـ "عمليّة بيت ليد"، وقد أسفرت عن مقتل 22 عسكرياً إسرائيلياً، وسقوط أكثر من 108 جرحى في يناير/كانون الثاني من نفس العام، وقد تمّ الاغتيال في جزيرة مالطا.
بعد اغتيال الشقاقي تسلّم الدكتور رمضان شلّح أمانة الحركة، التي أكملت ما بدأته وفق تعريفها لنفسها ولأدواتها كالتالي: فهي "حركة إسلامية جماهيرية مجاهدة مستقلة، الإسلام منطلقها، والعمل الجماهيري الثوري والجهاد المسلح أسلوبها، وتحرير كامل فلسطين من الاحتلال الصهيوني هدفها".
وشلّح أستاذٌ في الاقتصاد حاصل على درجة الدكتوراه، وقد قام بالتدريس في جامعة جنوب فلوريدا بين عامي 1993 و1995، وبالطبع ما إن تسلّم قيادة الحركة حتى أصبح على قوائم الإرهاب الأمريكيّة. لكنّ شلّح المقيم في دمشق، سلّم قيادة الحركة بعد وعكة صحية كبيرة للقيادي البارز زياد نخالة، الذي تعتبره إسرائيل من معسكر "الصقور" داخل الحركة.
ما الذي يميز حركة الجهاد الإسلامي عن حماس؟
ربما يتصوّر البعض أنّ حركة المقاومة الإسلامية (حماس) هي الحركة الإسلاميّة المقاومة الوحيدة لإسرائيل، لكنّ حركة الجهاد الإسلامي أيضاً لها تاريخٌ طويلٌ أيضاً، لكنّ الأسئلة تطرح عادةً عن العلاقة بين حماس وحركة الجهاد الإسلامي، وهل هما وجهان لعملةٍ واحدة أم لا؟
للجواب عن هذا السؤال، فإن إسرائيل ترى بحسب ما قاله أحد المحللين الإسرائيليين لصحيفة The New York Times الأمريكية "بينما تعمل حماس (مع) إيران، يمكن اعتبار حركة الجهاد الإسلامي تعمل (لصالح) إيران".
بعد اغتيال الشقاقي، مؤسس الحركة، برزت أحياناً بعض التفاهمات لإدماج الحركتين، إلّا أنّ هذا الأمر لم يتمّ لاختلافاتٍ سياسية وأيديولوجية كبيرة، خصوصاً بعد سيطرة حماس على قطاع غزة عام 2007، وفقاً لما أوردته The New York Times.
لكنّ الأمر أصبح معقداً أكثر مع موجة الربيع العربي التي بدأت في عام 2011، ومع حسم حركة حماس أمرها من النظام السوري الذي كان يستضيف قياداتها، وعدم اتخاذها موقفاً سلبياً من الربيع العربي ومغادرة قادتها الأراضي السورية، وقفت حركة الجهاد الإسلامي على الحياد تماماً، واعتبرت أنّ الربيع العربي "شأن داخلي" غير ملزمة هي بالتدخّل فيه أو اتخاذ موقفٍ منه.
لكنّ هذا الأمر الذي بدأ في 2012، وصل إلى موقفٍ صعب في عام 2015، عندما ظهرت بعض الدلائل التي تفيد بأنّ إيران قد قلّصت من دعمها المالي للحركة، محاولةً منها لدفعها لاتخاذ موقفٍ واضح مناهض للربيع العربي، وهو ما يبدو أنّ الحركة رفضت أن تدخل في معمعته، ومع هذا ما زالت حركة الجهاد الإسلامي حركةً محسوبةً بالأساس على إيران.
أحد الاختلافات الأخرى بين الحركتين التي أوردتها The New York Times على لسان طارق بقعوني – وهو محلل في الشأن الفلسطيني الإسرائيلي – هو الاختلاف في "فلسفة العمل" بين حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي، وهو أنّ حماس تعتقد أنّ "بناء مجتمع قوي قبل المقاومة" هو الأولوية، بينما تعتقد حركة الجهاد الإسلامي أنّها لا تحتاج لبناء مجتمع، وإنما تحتاج فقط لمقاومة إسرائيل دون الدخول في أية تفاصيل أخرى.
في حواره مع "الجزيرة.نت"، الشهر الماضي، قال عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي الدكتور وليد القططي، إنّ العلاقة مع إيران في أحسن أحوالها، ولم تتأثّر في أيّ مرحلةٍ سابقة، وإنّ إيران لا تتوانى عن مد يد العون على كافة المستويات السياسية والمالية، كما أكّد أنّ الحركة قد قدّمت دوراً توفيقياً كبيراً لعودة العلاقات بين حركة حماس وبين إيران في الفترة الأخيرة.