لابد وأنك سمعت به مرة واحدة على الأقل خلال العام الحالي 2019؛ إن لم تكن قد شاهدته أو أعطيته تقييماً مرتفعاً.
المسلسل القصير "Chernobyl" من إنتاج شبكة HBO تناول كارثة انفجار مفاعل تشرنوبل -السوفيتي آنذاك- بقصة درامية مشوقة جعلت العديد من المشاهدين يرونه كعمل تاريخي دقيق يخلّد الكارثة الكبيرة؛ ولكن بحسب ما نشره موقع History vs. Hollywood الأمريكي فالأمر ليس كذلك. التقرير وضع القصة تحت المنظار من خلال الإجابة على الأسئلة الأكثر شيوعاً حول تناول المسلسل للكارثة الشهيرة؛ وبالطبع يجب التنويه: التقرير يحتوى على حرق شبه كامل لأحداث المسلسل
هل التقط أحد رجال الإطفاء حقاً قطعةً من الغرافيت من نواة المفاعل النووي؟
أجل. وفقاً لكاتب المسلسل وصانعه كريغ مازن، حدث هذا بالفعل. التقط أحد رجال الإطفاء قطعةً من الغرافيت أتت من نواة مفاعل تشيرنوبل رقم 4 حين انفجر. ويُقال أيضاً إن رجال الإطفاء قد اشتكوا من شعورهم بمذاقٍ معدنيٍّ في أثناء مكافحتهم الحريق.
وتكشف القصة الحقيقية أن بعضهم لم يكن يرتدي خوذةً أو سترةً، فكانوا يسيرون في المكان مرتدين قمصاناً عاديةً.
وفقاً لشهود عيان، البشرة الحمراء لبعض المستجيبين الأوائل هي صحيحةٌ تاريخياً. إذ كانت بشرتهم إما بنيةً كأنها مسمرَّةٌ من التعرض للشمس أو حمراء كأنها تعرضت لحرقٍ شمسيٍّ بحسب ما نشر في موقع The New York Times
هل تعرّض الرجال الذين كانوا ملاصقين للإشعاعات للنزيف من كل مناطق أجسادهم؟
لا. على سبيل المثال، أليكساندر يوفتشينكو، الرجل الذي يضع جسمه حائلاً لمنع باب غرفة المفاعل من الانغلاق في المسلسل القصير من HBO، يُصاب بنزيفٍ حادٍّ في عدة بقعٍ على جسده. ولكن باستكشاف حقيقة تشيرنوبل وجدنا أن الإشعاعات لا تسبب ذلك. إذا كان قد نزف، فحتماً كان هذا بسبب حروقٍ حراريةٍ من النيران، أو حروقٍ بخاريةٍ، أو في موضع تلامس الفولاذ الساخن مع جلده.
في المسلسل القصير يلقى يوفتشينكو حتفه بُعيد عودة الرجال. لكن بالبحث في قصة تشيرنوبل الحقيقية وجدنا أنه لم ينجُ فحسب، بل ظل مؤيداً للطاقة النووية. إذ قال يوفتشينكو في حوارٍ صحفيٍّ عام 2004: "لا أمانع الأمر"، متابعاً: "إذا ظل الأمان أولويتك القصوى في جميع مراحل تخطيط المفاعل وإدارته، فلن تكون مشكلةً" بحسب ما نُشر في موقع مجلة Forbes
هل يشبه مفاعل تشيرنوبل في المسلسل المفاعل الحقيقي؟
أجل. بناءً على تصريحات هنري فاونتن كاتب المقالات العلمية بصحيفة The New York Times الذي زار مفاعل تشيرنوبل، فإن غرفة تحكم المفاعل رقم 4 في المسلسل دقيقةٌ من الناحية التاريخية.
وكان قد زار غرفة تحكم الوحدة المجاورة رقم 3 قبلها بعدة أعوامٍ. ونوَّه بدقة المسلسل في تصوير أقراص قضبان التحكم على الجدران والأزياء البيضاء التي يرتديها العاملون. وما زال زائرو المفاعل اليوم يُعطَون هذا الرداء الغريب المكوَّن من معطفٍ وقبعةٍ بيضاوين ليرتدوهما في أثناء جولتهما بالمنشأة.
وبالإضافة إلى المفاعل نفسه وعمَّاله، صُمِّمت أزياء رجال الإطفاء وأزياء عمَّال التصفية الواقية منزلية الصنع تصميماً مطابقاً لما ارتدوه في ذلك الوقت.
هل جاركوف، رجل الدولة المسنُّ الذي يأمر الرجال باحتواء انتشار المعلومات المضللة، مبنيٌّ على شخص حقيقي؟
لا. تكشف قصة تشيرنوبل الحقيقية أن الشخصية التي يؤديها الممثل دونالد سومبتر، جاركوف، هو شخصية خيالية. في المسلسل القصير، يقول البلشفيُّ العجوز للرجال في اجتماع الطوارئ:
"نغلق مداخل المدينة ومخارجها. لا أحد يغادر. واقطعوا خطوط الهاتف. سيطروا على انتشار المعلومات المضللة. هكذا نحمي الناس من هدم ثمار عملهم". مع أن هذا الخطاب بالتحديد خياليٌّ، فهو يتماشى مع المراوغة البيروقراطية للخطاب السوفييتي، إذ يفضِّل "ثمار العمل" على الأشخاص الذين أنتجوها، فضلاً عن عدم الاهتمام بالحياة البشرية. بحسب الاستقصاء الذي نشر في موقع مجلة The New Yorker
كم توفي من عاملين ومستجيبين أوائل عقب كارثة تشيرنوبل مباشرةً؟
يصوِّر المسلسل الأمر على أن مَن ماتوا على الفور كانوا بضعة عمالٍ ورجال إطفاءٍ، بينما الصفحة 66 من تقرير الأمم المتحدة الرسمي تبيِّن أن الساعات الأولى التالية لانفجار تشيرنوبل أسفرت عن مقتل شخصين فقط، ولم يتعرض أيُّهما لإشعاعات. كان أحد الرجلين، فاليري خودمتشوك، مشغِّل المضخة الليلي، ويُعتَقد أنه لقي حتفه على الفور من جراء الانفجار (لم يُعثَر على جثته). أما الآخر فمات من أثر الحروق.
لم تبدأ وفيات المستجيبين الأوائل ورجال الإطفاء من متلازمة الإشعاع الحادة إلا بعد أسبوعين.
لكن 80% من المستجيبين الأوائل الذين عانوا من المتلازمة نجوا منها. ومن المستجيبين الأوائل الذين هلكوا، كان ثلثاهم مصابين بحروقٍ إلى جانب مستوياتٍ عاليةٍ من التعرُّض للإشعاعات، وكانت الحروق هي السبب الوحيد لوفاة خمسةٍ من الرجال. ويرجع هذا لارتفاع خطورة إصابة ضحايا الحريق بالعدوى؛ لأن الجلد هو خير وسائل الجسد الدفاعية ضد الميكروبات الضارة.
وورد في الصفحة 624 من تقرير الأمم المتحدة أن "ستة مرضى لم يعانوا من حروقٍ جلديةٍ قاتلةٍ" قد نجوا. ومن ضمن الضحايا، كانت هناك امرأتان تعملان في المفاعل.
هل الإشعاعات حقاً كـ " طلقات الرصاص"؟
لا. نسمع هذا على لسان شخصية جارد هاريس، العالم فاليري ليغاسوف، الذي يقول إن الإشعاعات شبيهةٌ بـ "الرصاص" وإن تشيرنوبل كـ "ثلاثة تريليونات رصاصةٍ في الهواء والمياه والطعام… لن يتوقَّف إطلاقها لـ50 ألف سنة".
يبدو أن المسلسل قد تجاهل العلم مرةً أخرى لصالح الدراما. إذ يحاول المسلسل مجدداً تسليح الإشعاعات لتذكيرنا بالحروب.
الإشعاعات ليست كالرصاص. فلو كانت كذلك، لقتلتنا جميعاً بما أننا نتعرض لإطلاق رصاصاتٍ إشعاعيةٍ مستمرةٍ من الأشعة الكونية التي تضرب كوكب الأرض من الفضاء الخارجي، بل إن بعض الأشخاص الذين يعيشون على ارتفاعاتٍ أعلى -أي يتعرَّضون لنسبة إشعاعات أعلى- مثل سكَّان ولاية كولورادو الأمريكية يعيشون لفتراتٍ أطول.
هل شخصية أولانا خوميوك، مبنية على شخصية حقيقية؟
لا. يوهمنا المسلسل بأن فاليري ليغاسوف لم يلقَ أي مساعدةٍ خلال تحقيقه في ما حدث بتشيرنوبل سوى من زميلته العالمة أولانا خوميوك (إميلي واتسون).
لكن ليغاسوف الحقيقي تلقَّى مساعدة عشراتٍ -إن لم يكن مئاتٍ- من العلماء الذين عملوا على مشكلة تشيرنوبل. شخصية إميلي واتسون خياليةٌ اختُلِقَت لتمثِّل اندماجاً لجميع أولئك الأفراد.
لكن تواجد شخصية مثل أولانا في الحقيقة واقعيٌّ إلى حد ما. إذ كان الاتحاد السوفييتي يدرِّب النساء على الوظائف المرموقة.
وعلى شاكلة فاليري ليغاسوف ناقض بعض العلماء الآخرين الذين عملوا على مشكلة تشيرنوبل الرواية الرسمية للأحداث الصادرة من الاتحاد السوفييتي. وتعرضوا للتشهير والتنديد مثلهم مثل ليغاسوف، بالإضافة إلى الاعتقال والسجن. لكنهم لم يتمرَّدوا بصورةٍ مباشرةٍ كما فعل ليغاسوف وأولانا في المسلسل القصير.
هل ظهر شعاع من الضوء الأزرق يخترق السماء فوق المفاعل المفتوح؟
أجل. يمكن للمفاعلات النووية أن تُنتج لوناً أزرق من إشعاع شيرينكوف (إشعاع كهرومغناطيسي ينبعث عندما يمر جسيم مشحون كالإلكترون في وسط عازل بسرعة تفوق سرعة الضوء في الوسط ذاته)، لكن ليس ذلك ما تسبَّب في الضوء الفريد في نوعه. إذ يشير هنري فاونتن كاتب المقالات العلمية بصحيفة The New York Times إلى أنه محالٌ أن يكون الضوء شبيهاً بـ "تحية الضوء" التي سُلِّطت على موقع هجمات 11 سبتمبر/أيلول في وسط مانهاتن في الذكرى السنوية للأحداث.
ودافع صانع المسلسل كريغ مازن عن المشهد بقوله إن عدة شهود عيانٍ قد وصفوا الضوء الأزرق، وإنه كان في الأساس تأيُّناً للهواء بسبب كثافة الإشعاعات (هكذا يصفه ليغاسوف أيضاً في المسلسل القصير).
يقول آدم هيغنبوثام، مؤلف كتاب "Midnight in Chernobyl" إن المهندس أليكساندر يوفتشينكو -الذي كان يعمل بالنوبة ليلتذاك- قد رأى الضوء صاعداً من المفاعل النووي المكشوف ووصفه بأنه "عمودٌ متألقٌ من ضوءٍ سماويٍّ أزرق وأبيض يخترق سماء الليل، مختفياً في الأزلية". يبدو أن مسلسل "Chernobyl" يلتزم بالقصة الحقيقية في تصويره للضوء.
هل مات كل مَن شاهد الحدث من جسر السكة الحديدية في بريبيات؟
لا. لكن هذا ما تناقلته وسائل الإعلام على مرِّ السنين، مما أكسب الجسر الممتدَّ بين مدينة بريبيات ومفاعل تشيرنوبل النووي لقب "جسر الموت".
في المسلسل القصير، يحتشد سكَّان بريبيات على الجسر الذي يبعد بمسافة كيلومترٍ واحدٍ تقريباً من المفاعل لمشاهدة سحب الدخان وأشعة الضوء الأزرق المؤيِّن المنبعثة نحو السماء. وتكتنفهم سحابةٌ من الرماد والغبار المشعَّين اللذين حملتهما الرياح باتجاههم. أما في الحقيقة، اعتمد تأثير الرماد والغبار في صحة السكان على مدة بقائهم في الخارج لمشاهدة الحدث وكمية الحُطام التي وصلتهم في أثناء ذلك الوقت. اليوم، لا تُعتَبر قصص جسر الموت أكثر من مجرد أسطورةٍ شعبيةٍ روَّجت لها جزئياً صناعة السياحة الغريبة التي نشأت في منطقة تشيرنوبل المحظورة.
ما عرفناه من تقصٍّ بسيطٍ لحقائق "Chernobyl" أنه ليس كل شخصٍ شاهد الحدث من على الجسر توفِّي من جراء التسمم الإشعاعي. وأجرت صحيفة The Guardian البريطانية عام 2016 حديثاً مع أحد سكَّان بريبيات يُدعى باشا كوندراتييف.
وذكر صاحب الـ62 عاماً أن يوم حادث تشيرنوبل، سار هو وزوجته ناتاشا مع ابنتَيهما مارينا -التي كانت بعمر 10 سنوات- وتاتيانا -بعمر 12 سنة- إلى الجسر لرؤية المفاعل من زاويةٍ أفضل. وورد على لسانه:
"رأيت حطام المفاعل. كان قد هُدِم تماماً وكانت هناك سحابةٌ من الدخان منبعثةٌ منه. لم يعطنا أحدٌ أي معلوماتٍ لكننا عرفنا أنه أمر خطير. عرفنا أنه شيء مريع". وهناك ناجون آخرون شاهدوا الحدث من على الجسر ورواياتهم لما رأوه مشابهةٌ لهذا.
هل مات "الغطاسون" الثلاثة الذين فرَّغوا خزانات المفاعل رقم 4 الفوَّارة نتيجة بطولتهم؟
لا، ولحسن الحظ يوضِّح المسلسل القصير هذا في خاتمته. ويقول المؤلف أندرو ليذربارو الذي أمضى خمسة أعوامٍ في البحث في الكارثة لأجل كتابه "1:23:40: The Incredible True Story of the Chernobyl Nuclear Disaster" إنه رغم البطولة التامة للرجال الذين فرَّغوا الخزانات الفوَّارة، فهم لم يموتوا في غضون أسابيع بمتلازمة الإشعاع الحادة، كما أورد عديدٌ من التقارير في الماضي.
وفقاً لكلام ليذربارو، وقعت أحداث القبو في أغلبها كما نراه في المسلسل القصير؛ إذ كانت نواة المفاعل المنصهرة تشق طريقها تدريجياً نحو حوض مياه التبريد العملاق أسفل المفاعل. ولو وصل المعدن المنصهر المشعُّ إلى المياه، لأحدث انفجاراً بخارياً كان يمكن بسهولةٍ أن يبيد الكوكب بأكمله، بما في ذلك المفاعلات النووية الثلاثة الأخرى.
ما أخطأ المسلسل القصير فيه أن الرجال الثلاثة لم يتطوعوا بطريقةٍ دراميةٍ للذهاب إلى أسفل المفاعل وتفريغ المياه. كان الرجال الثلاثة من هيئة عاملي المفاعل وكانوا يعملون في منطقة المحطة.
كان أوليكسي أنانينكو في نوبته آنذاك، أما الرجلان الآخران، بوريس بارانوف وفاليري بيسبالوف، فاستدعاهما مديرهما لأجل النزول وفتح الصمامات. وعكس ما نراه في المسلسل القصير، لم يُمنحوا أي مكافأة، ولم يصفِّق أحدٌ لهم بعد عودتهم بنجاح.
وقد ارتدى الرجال بذلات غطسٍ واستخدموا أضواء كشافةً للعثور على الأنبوب الذي سيقودهم إلى الصمامات، كما في المسلسل. ولكن وفقاً لأوليكسي أنانينكو، لم تكن أوجههم مغطاةً بأجهزة التنفس ولم يحملوا أنابيب أكسجين.
بل استطاعوا الحديث في ما بينهم، فضلاً عن أنهم تحركوا بسرعةٍ أكبر بكثيرٍ مما فعلت شخصياتهم في المسلسل، وبحسب عدة رواياتٍ، فقد انطفأت أضواؤهم الكشافة بالفعل. وهو ما نُشر في صحيفة BBC أيضاً.
كما قيل في نهاية المسلسل، يؤكد المؤلف ليذربارو أن لا أحد من الرجال توفي متأثراً بمتلازمة الإشعاع الحادة. وبناءً على ما توصَّلت له الاستقصاءات المنشورة في تقرير BBC، توفِّي قائد النوبة بوريس بارانوف بأزمةٍ قلبيةٍ عام 2005. أما كبيرا المهندسين أوليكسي أنانينكو وفاليري بيسبالوف فما زالا على قيد الحياة ويعيشان في العاصمة الأوكرانية كييف.
هل تصرف الناس بالفعل خوفاً من الإعدام بالرصاص؟
لا. يعتمد المسلسل اعتماداً كبيراً على فكرةٍ نمطيةٍ هي أن الاتحاد السوفييتي كان يستغل الخوف من التعرض لإطلاق النار (أو الإعدام بطرقٍ أخرى) كأداةٍ للإقناع. "أقلع بهذه المروحية وإلا أمرت بإعدامك بالرصاص".
"أخبرني كيف يعمل المفاعل النووي وإلا أمرت أحد هؤلاء الجنود برميك من المروحية". وهذا ليس تصويراً دقيقاً للحياة السوفييتية في الثمانينيات. فلم تكن أحكام الإعدام الفورية شائعةً في الاتحاد السوفييتي بعد وفاة ستالين عام 1953. ولم يكونوا يهددون بقتل جميع الناس في أثناء محاولتهم التعامل مع كارثة تشيرنوبل.
هل كان الأباراتشيك "موظفي الحزب الشيوعي" حقاً يشربون الفودكا في العمل نهاراً أمام الغرباء؟
لا. هذا من أسوأ الصور النمطية في مسلسل "Chernobyl" من إنتاج HBO (الصورة النمطية الأخرى هي الحضور الدائم للاستخبارات الروسية/KGB). في الحلقة الثانية، تقول شخصية إميلي واتسون، أولانا خوميوك، لأحد موظفي الحزب الشيوعي:
"أنا عالمة فيزياء نووية. قبل أن تكون نائب وزير، كنت تعمل بمصنع أحذية".
وعلى مكتبه، يصبُّ الأباراتشيك لنفسه كأساً من الفودكا من دورق زجاجي. ويرد: "نعم، كنت أعمل بمصنع أحذية. والآن أنا القائد". هذا المشهد "مليءٌ بالهراء النمطي والجهل بالانقسامات الاقتصادية الاجتماعية في الاتحاد السوفييتي" بحسب صحيفة The New Yorker الأمريكية.
هل نجت زوجة رجل الإطفاء، ليودميلا إغناتنكو، بحياتها حقاً بسبب امتصاص الجنين في بطنها للإشعاعات؟
فقدت ليودميلا إغناتنكو بالفعل زوجها وطفلها في الرابعة من عمره. وقد حكت عن تجربتها المروعة في كتاب "Voices from Chernobyl" الحائز على جائزة نوبل من تأليف سفيتلانا أليكسيفيتش (يحمل أيضاً عنوان "Chernobyl Prayer")، وهو عبارة عن مجموعةٍ من الروايات الشفهية على ألسنة الناجين من الكارثة.
وعلى ما يبدو، توفي الطفل معانياً من مشاكل في القلب والكبد. ومع أن المسلسل القصير يتفق مع موقف ليودميلا بأن الجنين قد امتص الإشعاعات الصادرة من زوجها لإنقاذها، فهذه الفكرة تبدو أشبه بالعلم الزائف من الحقيقة.
كما أن الإشعاعات ليست معديةً. يخفق المسلسل في توضيح أن خيمة العزل البلاستيكية حول الضحايا لم يكن غرضها حماية الموجودين بالخارج، بل كان الهدف من البلاستيك حماية جهاز مناعة المريض من العدوى بعد أن أضعفته الإشعاعات.
بحسب خاتمة المسلسل القصير من HBO، بالإضافة إلى فقدان زوجها وطفلها في الرابعة من عمره، عانت ليودميلا إغناتنكو من عدة سكتاتٍ دماغيةٍ، وتلقت خبراً من الأطباء بأنها لن تقدر على الحمل مجدداً. وتوضح الخاتمة أنهم كانوا مخطئين، وأنها أنجبت في النهاية ولداً، وتعيش حالياً في كييف.
هل تسبب حادث Chernobyl في عيوب ولادية؟
لا يوجد دليل قوي على تسبُّب تشيرنوبل في ارتفاع العيوب الولادية. ويُحسَب للمسلسل القصير أنه لم يُبدِ وجود أي عيوبٍ ولاديةٍ، مع أنه لمَّح إليها إذ نرى عدداً من النساء الحوامل وأطفالهم الرضَّع. بالطبع إذا كتبت "عيوب ولادية من تشيرنوبل" في جوجل، فستجد كثيراً من الصور المروعة ومواقع تعرضها.
ولكن تقرير اللجنة التنظيمية النووية الأمريكية أظهر أن "الأدلة المتاحة لا تُظهِر أية آثارٍ في عدد الولادات المتعسِّرة أو في تعقيدات الولادة أو وفي وفاة الأجنَّة أو في الصحة العامة للأطفال بين الأسر التي تعيش في أكثر المناطق تلوُّثاً". لكن يجب أن نذكر أن الأدلة ربما كانت محدودةً بسبب منع الحكومة السوفييتية الأطباء من الإبلاغ عن تشخصياتٍ مماثلةٍ.
ومع ذلك، فقد أجرت جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس دراسةً عام 1987، وأصدرت جامعة أوكسفورد مراجعةً عام 2017، ولم تجد كلتا الجامعتين "أية أدلةٍ مقنعةٍ على ارتفاع خطورة العيوب الولادية من التعرُّض للإشعاعات في المناطق الملوثة".
ولكن حالات الإجهاض كانت مرتفعة جرّاء شدة الخوف الأوليِّ من العيوب الولادية عقب الكارثة، وأجهضت نساءٌ كنَّ يعشن في مناطق عرضةٍ لمستوياتٍ منخفضةٍ من إشعاعات تشيرنوبل ما يتراوح بين 100 ألف و200 ألف ولادةٍ نتيجةً للهلع بحسب ما نشره تقرير مجلة Forbes الأمريكية.
هل استعملوا روبوتات بشرية لإخلاء السطح من الحطام المشع بعد فشل الطوافات؟
أجل. كان كل روبوت بشري استُعين به في تشيرنوبل قادراً على جرف الحطام المشع لما يقرب من دقيقتين قبل انتهاء مدة تحمُّله للتعرض الإشعاعي. ثم كانوا يُرسلون بعيداً عن تشيرنوبل. وكانت الأزياء الواقية منزلية الصنع ذات الألواح الرصاصية التي يرتدونها أيضاً يُتخلَّص منها بعد استخدامها نظراً لأن المواد أصبحت عالية الإشعاع.
عمل إجمالاً 3828 روبوتاً بشرياً على إخلاء سقف تشيرنوبل من الحطام المشع. وعلى حسب مدة تعرُّضهم الإجمالية، اختار بعض الرجال الذهاب إلى السقف أكثر من مرةٍ. ويقول الجنرال نيكولاي تاراكانوف الذي أدى دوره في المسلسل رالف إنيسون: "كانوا مُلزَمين بمرةٍ واحدةٍ. لكن بعضهم تطوَّع بالذهاب مرتين أو حتى ثلاث مرات". بحسب ما نشره تقرير قناة RT News الروسية.
في المسلسل القصير نرى روبوتاً بشرياً يتعثَّر أثناء دخوله من السطح. والمرجَّح أن هذا مستلهَمٌ من مشاهد مصورةٍ حقيقيةٍ لروبوتات تشيرنوبل البشرية يظهر فيها رجل يتعثَّر. لكن ليس من الواضح إن كان أحدهم علقت قدمه أو سقط في بركةٍ ما.
هل انفجر المفاعل لأن الشرير الرئيسي للمسلسل، أناتولي دياتلوف، أصرَّ على إجراء اختبار؟
يلقي المسلسل القصير بالكثير من اللوم على تصرفات رجل واحد، نائب كبير مهندسي تشيرنوبل أناتولي دياتلوف. إذ يظهر في المسلسل وهو يجبر مرؤوسيه بالتهديد على إجراء الاختبار، لمجرد رغبته في الحصول على ترقية. ورغم عدم وجود أدلةٍ على أن دياتلوف الحقيقي كان يطمح في ترقية، فهو في الأغلب شرير خيالي.
حقيقة تشيرنوبل هي أن الكارثة لم تكن نتيجة رغبة رجلٍ واحدٍ في الحصول على ترقية، ولا كانت ضرراً جانبياً لرئيس عملٍ واحدٍ أساء استخدام سلطته.
يقول مهندس تشيرنوبل السابق أوليكسي بريوس معلقاً على الدقة التاريخية المتعلقة بالأشرار الثلاثة الرئيسيين للمسلسل: "شخصياتهم مشوَّهة ومحرَّفة، كما لو كانوا أشراراً. لم يكونوا هكذا إطلاقاً". ويضيف أن تصويرهم هكذا "ليس خيالاً، بل كذبةً فاضحةً". يقرُّ بريوس بأن دياتلوف كان صارماً لكن يقول إنه كان "رغم ذلك محترفاً من أعلى طرازٍ". صحيح أن دياتلوف زعم في المحاكمة أنه كان في المرحاض ولم يخبر أحداً برفع القوة، وهي شهادةٌ ثبت بسهولةٍ أنها كذبة. يمكنك الاستماع إلى روايته للأحداث في هذه المقابلة مع أناتولي دياتلوف.
إلى حدٍّ كبيرٍ، كانت كارثة تشيرنوبل النووية نتيجة نظام سياسي فاسد يتألف من رجالٍ ونساءٍ معظمهم خانعون تجاهلوا التدابير الوقائية وفجَّروا مفاعلاً لاهتمامهم بالالتزام بنظامٍ قائمٍ على الأكاذيب والخداع أكثر من اهتمامهم بحماية الأرواح. بحسب ما نشرته صحيفة The New York Times الأمريكية.
هل كشف فاليري ليغاسوف الحقيقة في المحاكمة؟
لا. في المسلسل يشهد فاليري ليغاسوف في المحاكمة ويلقي بجزءٍ من اللوم على عاتق مفاعلات الدولة السوفييتية النووية "الرخيصة". و
لكن بإجراء تقصٍّ سريعٍ لحقائق "Chernobyl" نكتشف أن في الحقيقة لم يكن ليغاسوف حاضراً في المحاكمة من الأصل. أي أن لحظته الدرامية في المحكمة من خيال المسلسل. ومن المستبعَد تماماً أن ينتقد مواطنٌ سوفييتيٌّ الدولة بهذه الطريقة في محكمةٍ سوفييتيةٍ.
في اجتماع الوكالة الدولية للطاقة الذرية الخاص بمراجعة حادث تشيرنوبل الذي أُقيم في أغسطس/آب 1986، قدَّم ليغاسوف بالفعل تقييماً صريحاً ومفصلاً إلى حدٍّ ما لظروف الحادث وتوابعه، لكنه لم يكشف عن جميع النتائج التي توصَّل إليها وألقى بمعظم اللوم على عامل الخطأ البشري إلى جانب سوء تصميم المفاعلات بحسب تقرير صحيفة Express البريطانية.
ووفقاً لتصريحات صانع المسلسل كريغ مازن، كان مشهد المحاكمة "مسلتهَماً من ظروفٍ حقيقيةٍ"، ولم يكن نسخةً طبق الأصل مما حدث. وقد اختُصِرت المحكمة بشدةٍ لأجل مدة العرض. أما في الحقيقة فقد استمرت عدة أسابيع واشترك بها كثيرٌ من الشخصيات التي لم تقدَّم في المسلسل.
وفي ظل كون هذا ربما أكبر تحريفٍ لقصة تشيرنوبل الحقيقية، من الواضح أن ليغاسوف لم يكن الرمز البطولي الذي كان عليه في المسلسل. ففضلاً عن عدم ظهوره في المحاكمة، لم يرفع صوته قطُّ في وجه غورباتشوف، ولم يتحدَّ كبار ضباط الاستخبارات الروسية على الملأ.
ماذا حلّ بالرجال الذين حوكِموا على كارثة تشيرنوبل؟
في ختام محاكمتهم عام 1987، حُكِم على كلٍّ من فيكتور بريوخانوف وأناتولي دياتلوف ونيكولاي فومن بالسجن 10 سنواتٍ في معسكر عملٍ. لكن ما لم يعرضه المسلسل القصير هو أن نيكولاي فومن أُصيب بانهيارٍ عصبيٍّ وحاول الانتحار قبل بدء المحاكمة.
فضلاً عن أنه كسر نظَّارته وحاول شقَّ رُسغَيه بقطعةٍ من العدسة، ما أجَّل المحاكمة. ولم يُكمل أي من الرجال حُكمَه، ويرجع هذا جزئياً لدواعٍ صحيةٍ.
أما فومن فأُطلِق سراحه مبكراً لأسبابٍ متعلقةٍ بصحته النفسية وأمضى مدةً في أحد المستشفيات.
بحسب ما يخبرنا به المسلسل قبل نهاية الحلقة الأخيرة، عاد كبير مهندسي تشيرنوبل نيكولاي فومن للعمل بمفاعلٍ نوويٍّ في مدينة كالينين الروسية بعد فترةٍ من إطلاق سراحه. وتوفِّي نائب كبير المهندسين أناتولي دياتلوف بمرضٍ متعلقٍ بالإشعاعات عام 1995. وأُطلِق سراح مدير موقع تشيرنوبل، فيكتور بريوخانوف، بعد أن قضى 5 سنواتٍ فقط من حكمه. ووفقاً لصحيفة New Zealand Herald، يعيش حالياً في كييف.
يغفل مسلسل "Chernobyl" كذلك حقيقة أن بريوخانوف ودياتلوف وفومن لم يكونوا المتهمين الوحيدين في المحاكمة. ففي أثناء بحثنا في الدقة التاريخية لمسلسل Chernobyl اكتشفنا أن ستة أشخاصٍ قد مثلوا في الحقيقة أمام المحكمة. وكان الآخرون هم قائد نوبة قسم المفاعل رقم 4 بوريس في. روغوجكين، ومشرف المفاعل 4 أليكساندر بي. كوفالينكو، ويوري إيه. لوشكن أحد كبار المهندسين. وهو ما أكده تقرير صحيفة The New York Times الأمريكية.
هل هرَّب فاليري ليغاسوف تسجيلاته إلى خارج شقته؟
لا. صحيحٌ أن ليغاسوف قد روى ذكرياته عن الكارثة باستخدام جهاز تسجيل. وتحدث عن تحفظاته على سوء التعامل معها، بما في ذلك اتهام قوات الأمن السوفييتية بكتم المعلومات المتعلقة بحوادث سابقةٍ في مفاعلات RBMK عن مشغِّلي المفاعل. وختم حديثه بأن كارثة تشيرنوبل كانت "حصيلة جميع العيوب الموجودة منذ عقودٍ في إدارة الاقتصاد القومي".
في بداية المسلسل، نرى فاليري ليغاسوف يهرِّب شرائطه إلى خارج شقته. وهذا من ضرب الخيال. إذ قال صانع المسلسل كريغ مازن إنه لم يستطع التوصُّل إلى كيفية نشر ليغاسوف للشرائط، لذا كتب سيناريو تخيُّلياً عن شريكٍ له جاء ليستلمها منه.
هل انتحر فاليري ليغاسوف حقاً؟
أجل. إذ أكد تقصينا للحقائق أن فاليري ليغاسوف الحقيقي قد شنق نفسه يوم 26 أبريل/نيسان 1988، بعد عامين من كارثة تشيرنوبل (عثر ابنه على جثته يوم 27). وكان في الـ51 من عمره. لكن ما لم يعرضه المسلسل القصير أن ليغاسوف كان قد سبقت له محاولة الانتحار ولكنه تعافى منها في المستشفى.
وبناءً على تصريحات ابنته إغنا ليغاسوفا، فقد أصابته الإشعاعات بمرضٍ شديدٍ خلال الأشهر الأخيرة من حياته.
وقبل وفاته، حثَّ الحكومة على إنشاء معهد المخاطر والأمن التكنولوجي، وكتب في مقالٍ بإحدى الصحف بعنوان "واجبي إعلام الجميع" انتقاداً لمخطَّطات بناء المفاعل النووي السوفييتي، والموظفين غير المؤهلين، وعدم الاهتمام بالأمن النووي في الاتحاد السوفييتي. وحذَّر أيضاً من أن كارثة تشيرنوبل كان يمكن أن تحدث قبل ذلك بكثيرٍ. للأسف، رفضت جهات الرقابة الحكومية نشر المقال، فلم يرَ قطُّ ضوء النهار.
يوم وفاته، بدرت من ليغاسوف محاولة أخيرة لتوصيل صوته. إذ عرض أمام أكاديمية العلوم الروسية خطته لإنشاء مجلسٍ خاصٍّ منوطٍ بمخاطبة ركود العلوم السوفييتية وكيفية علاجه. ورفضت الأكاديمية خطته. فعاد محطَّماً إلى منزله وشنق نفسه في شقته بالعاصمة الروسية موسكو. مع أن ليغاسوف لم يكن من فضح أسرار الحادث كما صُوِّر في المسلسل القصير، فيُعتَقَد أن انتحاره في الذكرى السنوية لكارثة تشيرنوبل كان هدفه التأكُّد من أن تستمع الحكومة والمجتمع العلميُّ أخيراً إلى مخاوفه.
هل اعترف الاتحاد السوفييتي بعيوب تصميم مفاعل RBMK النووي؟
أجل. أمضى العلماء السوفييتيون عدة سنواتٍ في العمل على زيادة الوعي بعيوب تصميم المفاعل التي أسفرت عن وقوع كارثة تشيرنوبل. وفي النهاية، لم يبقَ لدى المسؤولون السوفييتيون خيارٌ سوى الاعتراف بالمخاطر التي شكَّلها مفاعل RBMK النووي.
هل أُصلِحت بقية مفاعلات RBMK النووية؟
أجل. بعد اعتراف الاتحاد السوفييتي أخيراً بعيوب تصاميم مفاعلات RBMK التي قد تسفر عن وفياتٍ، خضعت بقية المفاعلات لعملية تطويرٍ لأجل ضمان عدم وقوع كارثةٍ أخرى مثل كارثة تشيرنوبل أبداً.
كم شخصاً هُجِّروا بصفة دائمة من بيوتهم نتيجةً لكارثة تشيرنوبل؟
حدث تهجيرٌ لما يقرب من 300 ألف شخصٍ من بيوتهم. ومع أنهم أُخبروا بأنه أمرٌ مؤقتٌ، فمال زال محظوراً عليهم العودة.
إلى متى ستظل مدينة بريبيات غير صالحة للسكن؟
ستظل المدينة غير صالحةٍ للسكن البشري لمدة 24 ألف عامٍ على الأقل. ولأجل استيعاب نسبةٍ من الذين هُجِّروا، بُنِيت مدينة جديدة مكوَّنة من 8 أحياءٍ على مسافة 48 كم شمال شرق مفاعل تشيرنوبل. وسُمِّيت سلافوتيتش. وقبل البدء في بنائها، غُطِّيت المنطقة بتربةٍ غير ملوثةٍ بسُمك مترَين.
هل أُغلِق مفاعل تشيرنوبل النووي بعد حادث 1986؟
لا. ظلت المفاعلات الثلاثة الأخرى نشطةً بعد الحادث. وللحدِّ من تعرُّض الموظفين للإشعاعات، كانوا يعملون لمدة خمس ساعاتٍ يومياً ويقضون نصف الشهر خارج منطقة العزل. وقد بُنِيت مدينة سلافوتيتش الجديدة سكناً للعمال.
وظل تشيرنوبل مفاعلاً نشطاً حتى أُغلِق عام 2000. لكن ما زال عشرات الموظفين يعملون هناك، ويرصدون المفاتيح الإلكترونية بما أن المفاعل ما زال جزءاً من الشبكة. يستغرق إبطال مفاعلٍ نوويٍّ عقوداً من الزمن.
هل يستطيع الناس السياحة في تشيرنوبل ومدينة بريبيات غير المسكونة؟
أجل. يمكن لشركات السياحة تنظيم جولاتٍ في منطقة العزل، بما في ذلك مدينة بريبيات المهجورة ومفاعل تشيرنوبل نفسه. ويُعتَبر التعرُّض لكمياتٍ محدودةٍ من الإشعاعات المرتفعة أثناء الجولات تعرُّضاً آمناً. وبعد عرض المسلسل القصير، أوردت وكالة أنباء رويترز تقريراً عن زيادة السياحة إلى منطقة العزل بنسبة 40%.
كم كان عدد وفيات كارثة تشيرنوبل؟
يربط تقرير الأمم المتحدة 31 حالة وفاةٍ بالكارثة مباشرةً. إذ لقي ثلاثة أشخاصٍ حتفهم في موقع الحادث وتوفِّي 28 آخرون بعد بضعة أسابيع.
من المحال تحديد عدد الوفيات من المدنيين نتيجة الإصابة بالسرطان بسبب التعرض للإشعاعات في المناطق المتضررة. لكن الأرجح هو أن عدد الوفيات أقل بكثيرٍ مما يوحي لنا المسلسل.
ضمن من كانوا أقل من 18 عاماً وقت وقوع كارثة تشيرنوبل النووية، تشير الوثائق إلى إصابة 20 ألفاً منهم بسرطان الغدة الدرقية -بعض الحالات بسبب تناول حليبٍ ملوَّثٍ باليود المشع- وخَلُصت الأمم المتحدة في آخر نتائجها عام 2017 إلى أن 25% فقط (أي 5000 حالة) يمكن نسبها إلى إشعاعات تشيرنوبل.
ونظراً لانخفاض معدلات الوفية كثيراً لدى المصابين بسرطان الغدة الدرقية، إذ تصل نسبتها إلى 1% فقط، يعني هذا أن ما يتراوح بين 50 و150 شخصاً فقط من المرجَّح أن يموتوا متأثرين بسرطان الغدة الدرقية الناتج عن تشيرنوبل وبالطبع لا يعني هذا أن علينا تجاهل الآلاف الذين عانوا من سرطان الغدة الدرقية نتيجةً لكارثة تشيرنوبل وتعافوا منه.
وفقاً لنتائج الأمم المتحدة، العدد الإجمالي للوفيات المتوقعة على المدى البعيد من جراء تشيرنوبل هو 4000 تقريباً.
لكن هناك تقديراتٌ من منظماتٍ أخرى كمنظمة Greenpeace أعلى بكثيرٍ (93 ألفاً)، لكن تقديراتهم قد تكون مبالغاً فيها لأسباب سياسية. ووفقاً المؤلف مايكل شيلنبرغر، رئيس منظمة Environmental Progress والذي يكتب عن الطاقة والبيئة لصالح جهاتٍ صحافيةٍ مثل The New York Times وForbes، فإن الكوارث النووية مثل تشيرنوبل يُبالَغ فيها لأسبابٍ دراميةٍ لأنها في الحقيقة تسفر عن مقتل عددٍ أقل نسبياً من الناس مقارنةً بالكوارث الأخرى بشرية الصنع.
لوضع الأمور في نصابها الصحيح، كانت أعنف كارثة طاقةٍ هي انهيار سدِّ بانكياو الكهرومائي في الصين، الذي أدى إلى مصرع ما يتراوح بين 170 ألفاً و230 ألف شخصٍ. بينما هلك نحو 15 ألف شخصٍ في كارثة بوبال الكيماوية عام 1984. ولا نقصد بهذا أن وفيات تشيرنوبل ليست مأساويةً، فضلاً عن التوابع الصحية، لكن في الحقيقة، لم تكن الكوارث النووية مميتةً إلى الحد الذي يتصوره الجميع.
وبما أن الطاقة النووية مصدرٌ وفيرٌ ومنخفض الكربون للطاقة، فقد قدَّرت الدراسات أن استخدام الطاقة النووية قد حالت دون وفاة 1.84 مليون شخص لأسباب متعلقة بتلوث الهواء حتى وقتنا هذا.
من الصعب تحديد أعداد ملايين الأرواح التي كان يمكن إنقاذها لو انتصرت الحقيقة على الخيال في معركة الرأي العام في الطاقة النووية. في كتابه "Midnight in Chernobyl"، يذكر المؤلِّف آدم هيغنبوثام أن "المفاعلات النووية لا ينبعث منها غاز ثاني أكسيد الكربون، وأثبتت الإحصاءات أنها أكثر أماناً من أي مصدر طاقةٍ منافسٍ، بما في ذلك طواحين الهواء".
وللأسف، بسبب المسلسل القصير من HBO، تحاول هوليوود مرةً أخرى تسيير الرأي العام من خلال استخدام الخيال والترهيب.
هل ارتفعت معدلات السرطان ارتفاعاً كبيراً في أوكرانيا وروسيا البيضاء؟
لا. هذا ما يخبرنا به المسلسل القصير في خاتمته، لكن وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، هذا غير صحيح. إذ توضِّح منظمة الصحة العالمية أن مواطني روسيا البيضاء وأوكرانيا قد "تعرَّضوا لمستوياتٍ أعلى بقدرٍ ضئيلٍ من جرعات الإشعاعات الطبيعية".
وإذا كانت هناك زيادةٌ في عدد وفيات السرطان، فما هي إلا "0.6% من وفيات السرطان المتوقعة في هذه المنطقة لأسبابٍ أخرى".