لم تكن المفاجأة لجمهور الشاعر الفلسطيني محمود درويش أن ريتا بطلة قصائده شخصية حقيقية، وإنما في أن تلك التي أحبَّها وكتب فيها "ريتا والبندقية" و "شتاء ريتا الطويل" فتاةٌ إسرائيلية!
كانت المرة الأولى التي يكتشف فيها محبُّوه حقيقة ريتا حين عرضت المخرجة الفلسطينية ابتسام المراعنة في فيلمها التسجيلي "سجّل أنا عربي" القصة، بعدما كان درويش نفى مراراً أن ريتا حقيقية، مُصرّاً على أنها مجرد شخصية فنية رسمها في خياله.
وُلدت ريتا، واسمها الحقيقي تامار باهي، في حيفا عام 1943، وعملت أستاذة للأدب بجامعة تل أبيب.
التقت المراعنة مع ريتا في برلين، وروت قصة تعرُّفها على درويش، كان اللقاء الأول وهو بالسادسة عشرة من عمره، في حفلٍ جمعهما مصادفة.
قصة حب غير متكافئة
هناك عرف درويش حبيبته، وبدأت قصة الحب التي خلَّدها في أشعاره، وعرض الفيلم بعضاً من خطابات درويش التي كتبها لريتا باللغة العبرية التي كان يجيدها، والتي كانت تحمل مشاعر مختلطة بين الرغبة في اللقاء والمنع بسبب الاحتلال.
خطَّ لها في إحدى رسائله، قائلاً: "أردت أن أسافر إليك فى القدس، حتى أطمئن وأهدّئ من روعك. توجهت بطلب إلى الحاكم العسكري بعد ظهر يوم الأربعاء، لكي أحصل على تصريح لدخول القدس، لكن طلبي رُفض. لطالما حلمت بأن أشرب معكِ الشاي في المساء، أي أن نتشارك السعادة والغبطة. صدِّقيني -يا عزيزتي- أن ذلك يجيش عواطفي حتى لو كنتِ بعيدة عني، لا لأن حبّي لك أقل من حبك لي، ولكن لأنني أحبك أكثر".
انتهت قصة الحب بين ريتا ومحمود بحلول يونيو/حزيران 1967، أنهت "نكسة حزيران" الحكاية وأيقظت لديهما هويتهما لينحاز كل منهما إليها، اختارت ريتا الانضمام إلى سلاح الطيران الإسرائيلي، واختار درويش الوقوف إلى حكاية شعبه، وكتب ليرثي حبه في قصيدته الشهيرة التي غناها الفنان اللبناني مارسيل خليفة ريما والبندقية، وظل جمهوره يتساءل عنها في كل أمسية شعرية دون أن يعرفوا شخصيتها الحقيقية، لكنهم ربما استنبطوا معنى البندقية التي فرَّقتهما.
دخل درويش في علاقات عاطفية تبعت "ريتا"، وتزوج مرتين لكن لم يُكتب لهما النجاح، فكتب في وصف نفسه بقصيدة "سيئ الحظ": "أنا العاشق السيئ الحظ، لا أستطيع الذهاب إليك، ولا أستطيع الرجوع إليّ".