انتحار أم اغتيال؟ كان هذا هو السؤال الذي أحاط بنهاية حياة العالم المصري سعيد السيد بدير. فوجئ جيران شقيقه بإحدى العمارات السكنية بحي كامب شيزار في الإسكندرية بمصر، في 14 يوليو/تموز 1989، بجثة رجل أربعيني، لا يعرفون مَن هو، ارتطمت بأرض الشارع غارقةً في دمائها، بعد أن سقط من الشرفة.
بدأت الشرطة في سؤال سكان العمارة والشارع عن شخصية القتيل، لكن أحداً لم يُجب، فقد كان القتيل غريباً عن الحي كله.
ثم توصَّلت تحريات رجال الشرطة إلى شخصية الضحية، وكان الدكتور سعيد السيد بدير، الذي جاء بالأمس إلى شقة شقيقه سامح بالطابق الرابع من العمارة رقم (20)، بحسب ما وثَّقه كتاب "الموساد واغتيال زعماء وعلماء" للكاتب حمادة إمام.
كان هذا هو كل ما يعلمه الجيران أن الرجل في زيارة لأخيه، وأن الاثنين هما أبناء الكاتب والممثل والمخرج المصري الراحل السيد بدير.
توقَّع كثير ممن تعامل مع الحادث أنَّ الأمر هو حادثة انتحار، لكن عندما عُرفت قامة الرجل وإنجازاته العلمية أصبح الأمر موضع شكٍّ.
فالرجل توصَّل من خلال أبحاثه إلى نتائج متقدمة جعلته يحتل المرتبة الثالثة على مستوى 13 عالماً فقط، في حقل تخصصه النادر في الهندسة التكنولوجية الخاصة بالصواريخ.
ويُقال إن برنامج حرب الفضاء الذي نفَّذته الولايات المتحدة الأمريكية كان نتيجة للأبحاث التي سُرقت منه.
مَن هو سعيد السيد بدير؟
وًلد سعيد السيد بدير في الرابع من يناير/كانون الثاني عام 1949، في حيِّ روض الفرج بالقاهرة. والده كان يعمل مخرجاً، بينما كانت زوجة والدة الممثلة الشهيرة شريفة فاضل.
كان عالماً مصرياً في الهندسة الكهربائية والإلكترونية، وتخصص في مجال الاتصال بالأقمار الصناعية والمركبات الفضائية خارج الغلاف الجوي، وهو أيضاً عقيد في الجيش المصري.
تخرج في الكلية الفنية العسكرية، وعُين ضابطاً مهندساً في القوات المسلحة المصرية، حتى وصل إلى رتبة عقيد مهندس بالقوات الجوية.
أُحيل إلى التقاعد برتبة عقيد مهندس بالمعاش، بناء على طلبه، بعد أن حصل على درجة الدكتوراه من جامعة كنت في المملكة المتحدة، منذ عام 1978 وحتى عام 1982.
التحق بالقوات الجوية المصرية، في يناير/كانون الثاني 1983، حيث عمل في قسم الأبحاث والتطوير التقني، حتى يوليو/تموز 1987.
وفي أغسطس/آب 1987، انخرط في مشروع بحثي في قسم الهندسة الكهربائية في جامعة دويسبورغ إيسن بألمانيا، تحت إشراف البروفيسور إنغو وولف، وتعاقد مع الجامعة لإجراء أبحاثه طوال عامين، وهو المشروع الذي سمح له أن يحصل على خبرة في العديد من جوانب الهندسة الكهربائية والإلكترونية.
ثم عمل في مجال أبحاث الأقمار الصناعية في جامعة دويسبورغ إيسن في ألمانيا، وكان مجال عمله، وفقاً لكتاب دماء على أبواب الموساد: اغتيالات علماء عرب، لدكتور يوسف حسن يوسف، يتلخص في أمرين:
1- التحكم في المدة الزمنية منذ بدء إطلاق القمر الصناعي إلى الفضاء، المدة المستغرقة لانفصال الصاروخ عن القمر الصناعي.
2- التحكم في المعلومات المُرسلة من القمر الصناعي إلى مركز المعلومات في الأرض، سواء أكان قمر تجسس أو قمراً استكشافياً.
بدايات المُضايقات
بدأت أبحاث الدكتور سعيد السيد في الانتشار، ونُشرت في جميع دول العالم، حتى اتفق معه باحثان أمريكيان، في أكتوبر/تشرين الأول عام 1988م، لإجراء أبحاث عقب انتهاء تعاقده مع الجامعة الألمانية.
وهنا اغتاظ باحثو الجامعة الألمانية، وبدأوا في التحرش به ومضايقته حتى يلغي فكرة التعاقد مع الأمريكيين.
وذكرت زوجته أنها وزوجها وابنيهما كانوا يكتشفون أثناء وجودهم في ألمانيا عبثاً في أثاث مسكنهم وسرقة كتب زوجها، ونتيجة لشعورهم بالقلق قررت الأسرة العودة إلى مصر، على أن يعود الزوج بمُفرده إلى ألمانيا لاستكمال فترة تعاقده.
لكنه قرَّر في يونيو/حزيران عام 1988، العودة إلى مصر للحماية من محاولات متوقعة لاغتياله، وقرَّر السفر إلى أحد أشقائه في الإسكندرية لاستكمال أبحاثه فيها.
ووفقاً لكتاب "الموساد واغتيال زعماء وعلماء"، أزعجت أبحاثه كل أجهزة الاستخبارات في العالم، خاصة الموساد الإسرائيلي، لذا صدر قرار تصفيته لأنه نجح في فكِّ شفرة الاتصال بين أقمار التجسس الإسرائيلية والمخططات الأرضية.
النهاية المشبوهة
في يوليو/تموز عام 1989، تلقَّى قسم شرق بالإسكندرية بلاغاً عن سقوط شخص من أعلى عمارة في شارع طيبة بكامب شيزار على الأرض، وكان هذا الشخص هو الدكتور سعيد السيد بدير، وقد تم العثور على عروقه مقطوعة، واكتُشف تسرب للغاز في الشقة.
من غير الواضح كيف مات سعيد بدير، لكن تزعم العديد من المصادر العربية والمصرية أن أسلوب الاغتيال كان مُخططاً له أن يبدو وكأنه انتحار.
لكن الحقيقة أنه اغتِيل على يد الموساد الإسرائيلي، وهو ما أكدته زوجته، التي نفت احتمال انتحار زوجها بعد كل هذه الإنجازات.