تتعرض الأقلية المسلمة في الهند إلى مضايقات وصَفَها البعضُ بالاضطهاد الممنهج، ازدادت بعد انتخاب رئيس الوزراء الحالي نارندا مودي وظهور خطاب شعبوي يؤكد هندوسية الدولة، بغضّ النظر عن سائر الأديان.
منظمات دولية ألقت الضوءَ على جرائم الكراهية المتكرِّرة التي شهدتها أقاليم دون أخرى، خصوصاً تلك التي تقع على الحدود مع بنغلاديش.
ولكن السؤال هو: لماذا الآن؟
لنفهم أولاً طبيعة السكان وتنوع الأديان في الهند
يشكِّل الهندوس حوالي 80% من إجمالي عدد سكان الهند، البالغ عدهم 1.3 مليار نسمة، بينما يمثل المسلمون هناك أقلية لا تتجاوز 14% من إجمالي عدد السكان، أي حوالي 170 مليون نسمة.
وتعد شبه القارة الهندية مركز انطلاق 4 من أكثر أديان العالم انتشاراً: الهندوسية، والبوذية، واليانية والسيخ.
لا يتركَّز المسلمون في ولايات بعينها، بل ينتشرون في كافة أرجاء الهند، ولا يشكلون الأغلبية سوى في ولاية جامو وكشمير وجزر لاكشدويب.
ويشكل المسلمون في المتوسط نحو 10% في أغلب الولايات، ولا يُظهرون مطامع في الحكم أو في التنظيمات السياسية، وأغلب أدوارهم تكون دعوية ووعظية وتعليمية.
لكن هذه الأقلية تصارع من أجل البقاء، في ظلِّ الاضطهاد الذي يتعرَّضون له من قبل الهندوس.
ما هي العقيدة الهندوسية؟
العقيدة الهندوسية "البرهمية" هي ديانة تضم القيم الروحية والخلقية والمبادئ القانونية والتنظيمية.
تتخذ لها عدة آلهة بحسب الأعمال المتعلقة بها، فلكل منطقة إله، ولكل عمل أو ظاهرة إله.
لا يوجد توحيد بالمعنى الدقيق، لكنهم إذا أقبلوا على إله من الآلهة أقبلوا عليه بكل جوارحهم، وخاطبوه برب الأرباب أو إله الآلهة.
لا يوجد للديانة الهندوسية مؤسس معين، ويُعتقد أن الآريُّون الغزاة الذين قدموا إلى الهند في القرن الخامس عشر قبل الميلاد هم المؤسسون الأوائل للديانة الهندوسية.
في القرن التاسع قبل الميلاد جمع الكهنة الآلهة في إله واحد، أخرج العالم من ذاته، وسمّوه براهما.
والهندوس لا يعبدون الأبقار، ولكن يحرّمون قتلها بسبب منافعها الكثيرة، فهي تأكل ماء وحشائش، وتقدم لهم الحليب بمشتقاته الكثيرة المفيدة.
كما أن لها أهمية كبيرة في الأعمال الزراعية، بينما يُستخدم روثها في العديد من الأغراض في البيوت الريفية.
ويقدس الهنود البقرة فحسب، ويرى الكثيرون استهلاك لحمها كرجس مكروه، والسبب أن الإله "كريشنا" غالباً ما تم تصويره إلى جانب بقرة، فيُعتبر أنه حامي البقر، لهذا يُمنع قتلها أو أكلها.
ويعتقد الناس أن قتل البقر جريمة تغضب الآلهة، كما توجد طقوس لدفن البقر الميت.
رئيس الوزراء "نارندامودي" وحزب الهندوتفا
وصل حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي إلى السلطة برئاسة رئيس الوزراء "نارندا مودي" عام 2014، وشدّدت الولايات الهندية القوانين المتعلقة بذبح الأبقار، مما أثار غضبَ واستياء المسلمين الذين لا يتعارض تناول لحوم الأبقار مع عقيدتهم.
في خطبه الأخيرة، أدان مودي القتل واسع النطاق للأبقار في الهند، ولكن منذ توليه لمنصبه كرئيس للوزراء لم يعمد إلى إدانة قتل المسلمين في الهند بشكل مباشر.
وتعدّ جماعة "حرّاس البقر" إحدى المجموعات الأهلية الهندوسية، التي تستخدم العنف لـ "حماية الأبقار" في الهند، حيث يُحظر ذبح الأبقار وتناول لحومها.
أمضى مودي عقوداً مع منظمة المتطوعين الوطنية، اختصار "RSS"، وهي حركة شوفينية هندوسية كبرى، معجبة بمبادئ الفاشية، وتسعى لتحويل الهند إلى دولة هندوسية.
ومنذ عام 1985 انضمّ مودي إلى حزب بهاراتيا جاناتا، الذي يتبع أيديولوجية "الهندوتفا" (القومية الهندوسية)، حيث يسعى الحزب لتحويل الهند أيضاً إلى دولة هندوسية لا مكان فيها للأقليات مثل المسيحيين (2.3%) أو المسلمين.
أنصار الحزب الحاكم يعتدون على الأقلية المسلمة في الهند
وجد تقرير أصدرته هيومن رايتس ووتش، في فبراير/شباط 2019، أنه في الفترة ما بين مايو/أيار 2015 وديسمبر/كانون الأول 2018، قُتل 44 شخصاً على الأقل (36 منهم مسلمون) في 12 ولاية هندية، وأصيب حوالي 280 شخصاً في أكثر من 100 حادث في عشرين ولاية خلال نفس الفترة، بسبب الاضطهاد الديني.
وأعربت رئيسة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان "ميشيل باشيليت"، في تقريرها السنوي، عن مخاوفها بشأن زيادة المضايقات واستهداف الأقليات، لاسيما المسلمين والفئات المهمّشة، مثل "الداليت"، وهي أدني طبقة اجتماعية في الهند (وهي أيضاً لا تمنع تناول لحم البقر).
كان أحد الأمثلة التي تقشعر لها الأبدان على اعتداء الهندوس على المسلمين واضطهادهم في عهد رئيس الوزراء مودي، هو اغتصاب طفلة مسلمة عمرها 8 سنوات في منطقة كاثوا في كشمير، بهدف ترويع الأقلية المسلمة من الغجر في المنطقة، وإجبارهم على مغادرتها.
اختُطفت الفتاة في معبد هندوسي، وقام الجناة بتخديرها واغتصابها لأكثر من مرة وتعذيبها.
ويرفض والداها ترك المنزل الذي كانت تعيش فيه طفلتهما الصغيرة، لكنهما قلقان للغاية بشأن سلامتهما.
في أعقاب وفاة الفتاة خرج المئات إلى الشوارع في مسيرات احتجاجية، كانت أغلبيتها تدعم الرجال الهندوس الثمانية المتهمين بالهجوم الشنيع، وليس تضامناً مع الضحية وعائلتها.
وكان اثنان من أعضاء حزب بهاراتيا جاناتا -اللذان يعملان في حكومة الولاية- من بين الذين خرجوا للشارع لدعم الجناة.
وبينما أدان السيد مودي الاغتصاب، لم يُقل هذين الرجلين على الفور، واستغرق الأمر أسابيع من الضغط عليهما للتنحي.
وفي عام 2015 قُتل الهندي المسلم محمد أخلاق (50 عاماً)، بعد أن تعرَّض للهجوم والضرب بالحصى هو وابنه (22 عاماً)، من قبل حشد هندوسي في ولاية أوتار براديش، بسبب اتهام الهندوس له بتخزين لحم بقري في منزله.
وبعد حادثة قتل أخلاق، قام راجا سينغ، أحد مشرِّعي حزب بهاراتيا جاناتا، بنشر تغريدة تحتوي مقاطع من نصّ فيدا الهندوسي المقدس، تحضّ على قتل الأشخاص الذين يذبحون الأبقار.
وقد شوهدت مجموعة الرجال المتهمين بضرب محمد أخلاق في تجمع انتخابي لرئيس وزراء ولاية أوتار براديش "يوجي أديتياناث" .
وفي الآونة الأخيرة قال "جابلت سينها" وزير الطيران المدني الذي يجلس في حكومة السيد مودي لبي بي سي إنه قام بدفع الرسوم القانونية لمجموعة من الرجال المحكوم عليهم بالإعدام، لقتلهم تاجر ماشية مسلماً عام 2017.
وفي مقابلة مع بي بي سي هندي، أكد السيد سينها أنه ساعد المُدانين الذين كانوا أعضاء في حزب بهاراتيا جاناتا، لأنه يعتقد أنهم أدينوا بالخطأ.
ومودي يُنكر تعزيز الخطاب الشعبوي
ويرفض المتحدث الرسمي باسم حزب بهاراتيا جاناتا "نالين كوهلي" أي تأكيد بأن سياسات حزبه قد ساهمت في زيادة جرائم الكراهية، واتّهم الأمم المتحدة وتقارير حقوق الإنسان بتشويه الإحصائيات، بغرض تزييف الحقائق.
وأكد السيد كوهلي أنه في ظل حكومة مودي وفَّر الحزب الرفاهية للناس من جميع الأديان، وقال إن الحزب مخصص لـ1.3 مليار هندي، ولا يُميز على أساس الدين.
رام.. منإلهإلىدعوةللقتل
في السنوات الأخيرة، حوَّلت عصابات من القتلة اسم "رام" إلى صرخة تدعو للقتل، ففي يونيو/حزيران الماضي، انتشر على نطاق واسع في منصات التواصل الاجتماعي شريط يُظهر شاباً مسلماً يُدعى تبريز الأنصاري، عمره 24 عاماً، مرعوباً، يداه موثوقتان ومربوطتان بعمود خشبي وهو يتعرض للضرب المبرح، من جانب أفراد عصابة قتل هندوسية في ولاية جاركاند شرقي البلاد.
أجبرته العصابة على ترديد هتاف "جاي شري رام"، الذي يعني بالهندوسية "يحيا الإله رام" أو "النصر للإله رام"، ثم سلَّموه للشرطة التي حبسته بدورها، ومنعت أهله من زيارته، ليتوفى بعد 4 أيام متأثراً بجروحه.
وفي مدينة كالكاتا شرقي الهند، تعرَّض حفيظ محمد شاهروخ هالدار، البالغ من العمر 26 عاماً، الذي يعمل مدرساً في مدرسة دينية، لهجوم من مجموعة من الهندوس سَخِروا من لباسه ولحيته، وأجبروه على ترديد هتاف تمجيد الإله رام، وعندما رفض ألقوا به من القطار أثناء سيره.
والتشكيك في الجنسية آخر سياسات مودي
وفي مقال نُشر في صحيفة New York Times، في أغسطس/آب الماضي، اتَّضح أن أكثر من 4 ملايين شخص في الهند، أغلبهم من المسلمين، معرضون لخطر إعلانهم مهاجرين أجانب؛ لأن الحكومة تدفع بأجندة قومية هندوسية، تهدف إلى إعادة تعريف معنى أن تكون هندياً.
تجري عملية البحث عن المهاجرين في ولاية آسام، وهي ولاية فقيرة جبلية، بالقرب من الحدود مع ميانمار وبنغلاديش، حيث وُلد الكثير من الأشخاص الذين يتم التشكيك في جنسيتهم الآن في الهند، وتتم مطالبتهم بإثبات أنهم مواطنون هنود.
وبحسب الصحيفة، فإن نيودلهي تسعى لبناء معسكرات اعتقال ضخمة جديدة، وإنه قُبض بالفعل على مئات الأشخاص للاشتباه في كونهم مهاجرين أجانب، بمن فيهم بعض قدامى المحاربين في الجيش الهندي.
وتعيش الأقلية المسلمة في الهند في حالة ذعر شديد، ويراقبون بحذر ما يحدث في ولاية آسام.