يمكن أن تعيش حياتك بأكملها في دولةٍ، لكن لأسبابٍ تتعلق بمكان ولادتك أو ربما لمواءماتٍ سياسيةٍ خارجةٍ عن سيطرتك تصبح من الأشخاص عديمي الجنسية.
ويُمكن أن تُحرم من التعليم، والرعاية الصحية، والتوظيف، والحقوق القانونية، ومن أي نوعٍ من أنواع وثائق تحديد الهوية، وأشياء كثيرة أُخرى يتمكن أقرانك من تحقيقها.
قد يعيش المرء في عالمٍ من البيروقراطية البحتة حين لا يملك وطناً، لكن ذلك قد تكون له آثارٌ حقيقيةٌ وراسخةٌ في حياتك.
وفق موقع big think الأمريكي، تقول تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن حوالي 12 مليون شخصٍ حول العالم لا ينتمون لأية دولةٍ، بعضهم تخلى عن جنسيته طواعيةً، وبعضهم نزعت عنهم جنسياتهم حكوماتٌ انتقاميةٌ، فيما لم يملك بعضهم جنسياتٍ أبداً بالأساس.
كيف يُصبح الشخص عديم الجنسية؟
تنشأ هذه الحالة عادة من ثنايا القانون الدولي، فمثلاً، تمنح الدول جنسياتها بناءً على ما يعرف بحق المواطنة بالولادة، حيث يُمنح المولودون في بلدٍ حق المطالبة بجنسيته، أو بناءً على حق الدم، حيث تُورّث الجنسية من أحد الوالدين أو كليهما. وحين تختل تلك الأنظمة، قد تكون النتيجة أحياناً اللاموطنة.
مثلاً، تمنح كندا جنسيتها بحق الدم، لكن لجيلٍ واحدٍ فقط -فلا يمكن للأحفاد وراثة الجنسية الكندية عن أجدادهم.
وُلد والد إحدى الفتيات راشيل شاندلر في ليبيا، لكنه كان كندياً بموجب القانون الكندي.
بينما وُلدت راشيل في الصين لأم صينيةٍ، لكنها لم تكن قادرةً على الحصول على الجنسية الصينية بموجب القانون الصيني.
ولأنها كنديةٌ مولودةٌ بالخارج لأبٍ كندي مولودٍ بالخارج، فهي لم تكن قادرةً كذلك على الحصول على الجنسية الكندية، وبهذا صارت عديمة الجنسية.
25 دولةً لا تسمح للأمهات بتوريث جنسياتهن لأبنائهن
وتُعد التفرقة الجنسية سبباً آخر لظاهرة انعدام الجنسية. توجد 25 دولةً لا تسمح للأمهات بتوريث جنسياتهن لأبنائهن كما هو الحال مع الآباء، مثل إيران، ولبنان، وسوريا.
وحين يكون الأب نفسه بلا جنسيةٍ، وغير متزوجٍ رسمياً بالأم، أو لو أنه توفي، أو لأسبابٍ أُخرى، فإن المواليد في تلك البلاد يجدون أنفسهم فجأةً بلا جنسياتٍ.
آخرون يتنازلون عن جنسياتهم أو يفقدونها حين تتفكك بلادهم، مثلما هو الحال مع الكثير من حاملي جنسية روسيا السوفييتية المقيمين في إستونيا ولاتفيا، الذين أصبحوا فجأةً عديمي الجنسية حين تفكك الاتحاد السوفييتي.
غير أن السبب الأكبر وراء انعدام الجنسية يبرز من تحامل بعض الدول على فئاتٍ بعينها.
نزعت الحكومة السورية مثلاً الجنسية عن مئات آلاف الأكراد في تعداد عام 1962، زاعمةً أن الأكراد هاجروا بشكلٍ غير شرعي، وأثارت بذلك انتقاداتٍ دوليةً كبيرةً.
واليوم قد تكون حكومة ميانمار المساهم الأكبر في انعدام الجنسية المعاصرة برفضها منح جنسيتها لمواطني الروهينغا. عاش الروهينغا في ميانمار منذ القرن الثامن، لكن الدولة لا تعترف إلا بـ 135 جماعةً عرقيةً، ليس من بينهم الروهينغا. وبدلاً من الاعتراف بهم يبدو أن ميانمار تنوي لفظ الروهينغا منها.
نماذج بارزةٌ لانعدام الجنسية
كان لألبرت أينشتاين تاريخٌ سياسي مثير للغاية، منتقلاً من حمل جنسية ألمانيا إلى سويسرا إلى ألمانيا مرةً أخرى ثم إلى الولايات المتحدة.
غير أنه في الفترة ما بين السنوات التي حمل فيها الجنسية الألمانية والجنسية السويسرية، كان أينشتاين عديم الجنسية لخمس سنواتٍ.
ومع أنه وُلد في مملكة فورتمبيرغ الألمانية تخلى أينشتاين عن جنسيته ليتجنب أداء الخدمة العسكرية عام 1896. بعد ذلك بخمس سنواتٍ حصل على الجنسية السويسرية.
مهران كريمي ناصري مكث في المطار 18 عاماً
لكن مهران كريمي ناصري لم يكن محظوظاً بنفس الدرجة. يُفترض أن مهران لا يحمل جنسيةً منذ عام 1977، ولنحو 18 عاماً من تلك الفترة عاش مهران في مطار شارل ديغول.
يزعم مهران أنه نُفي من إيران، موطنه، لمعارضته الشاه. حينها قرر السفر إلى بريطانيا، لكن وثائق سفره التي صنفته لاجئاً، والتي منحته حقاً قانونياً للمطالبة بالمواطنة في أوروبا، سُرقت منه أثناء توقفه في فرنسا.
سافر مهران لبريطانيا على أي حالٍ، لكن السلطات أعادته إلى فرنسا. وكان المسؤولون الفرنسيون ينتوون ترحيله، لكنهم لم يستطيعوا؛ لأنه لم يكن له بلدٌ يُرحلونه إليه.
خلُصت محكمةٌ فرنسيةٌ إلى أن مهران دخل إلى البلاد بطريقةٍ قانونيةٍ، لكنه لم يتمكن من مغادرة المطار. ولم يترك مهران المطار إلا عام 2006 بسبب حالةٍ مرضيةٍ مجهولةٍ تطلبت نقله للمستشفى. ويُذكر أن فيلم The Terminal الذي أُنتج عام 2004 كان مُقتبساً عن قصته.
وفي سياقٍ آخر، تخلى غاري دافيس عن جنسيته الأمريكية طواعيةً عام 1948، لأسبابٍ تتعلق بموت شقيقه في الحرب العالمية الثانية، ومشاركته فيها طياراً لقاذفة قنابل من طراز B-17.
فهم غاري من المادة رقم (2) 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنها تمنحه حقوق المواطنة العالمية.
ولاحقاً أنشأ هيئة الخدمات العالمية، وهي منظمةٌ غير ربحيةٍ تهدف للترويج للمواطنة العالمية، والتي يزعم أنه استغلها لينال حق الدخول إلى بعض الدول (ولو أنه اعتُقل عدة مراتٍ).
خطة الأمم المتحدة لإنهاء انعدام الجنسية بحلول عام 2024
ومع أن تلك الأمثلة تُلقي الضوء على بعض الطرق الغريبة التي يُمكن للمرء أن يفقد بها جنسيته، إلا أن أغلب عديمي الجنسية يعانون قدراً كبيراً من الاستغلال بسبب أوضاعهم.
وقد وضعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين خطةً تهدف إلى إنهاء انعدام الجنسية بحلول عام 2024، تتضمن عدة إجراءاتٍ، من بينها:
• حث الدول على تغيير القوانين الإشكالية (مثل تلك الدول الخمس والعشرين ذات القوانين التي تتسم بالتمييز الجنسي).
• الضغط الدولي على الدول العنصرية.
• تطوير آليات تفكك أو انفصال الدول.
وصحيحٌ أن تلك غايةٌ طموحةٌ، لكن المرء لا يملك إلا أن يتخيل أن انعدام الجنسية ستستمر معنا دائماً.