لوحات ليوناردو دافنشي لم تكن مصدر شهرته الوحيد، فقد كان ذلك الفنان الإيطالي مهندساً، عالم نبات، عالم خرائط، جيولوجياً، موسيقياً، نحاتاً، معمارياً وعالماً أيضاً.
لوحات ليوناردو دافنشي خير ممثل لعصر النهضة
كانت عبقرية ليوناردو دافنشي تجسيداً مثالياً لعصر النهضة، وهذا بالضبط ما عكسته لوحاته ومجمل أعماله.
فإلى جانب كونه صاحب لوحة الموناليزا الأكثر شهرة في العالم، كان دافنشي عبقرياً جسد روح عصره.
برع للغاية في الرياضيات وعمل في فن النحت وفاق في التصميم كل معاصريه.
أيضاً كان دافنشي خطيباً مفوهاً، ومنشداً ماهراً، تميز في الاختراعات الغريبة، درس التشريح وعلم النبات وتميز بالهندسة المعمارية.
إيمانه بعبقريته جعله يكتب أفكاره بشيفرة خاصة من اليمين لليسار وبأحرف مغايرة لشكلها الأصلي حتى لا يتمكن أحد من سرقة أفكاره.
خلاف طبقي أنتج طفلاً معجزة
ولد العالم الإيطالي ليوناردو دافنشي في عام 1452، في مزرعة بين أنجيانو وفالتوغنانو.
والده سير بييرو دا فينشي كان ثرياً ينتمي لطبقة النبلاء، بينما والدته كاثرين كانت فلاحة من الطبقة الدنيا.
ولد ليوناردو نتيجة علاقة غير شرعية بين والديه، فأمضى أول خمس سنوات من عمره مع والدته ثم انتقل لاحقاً للعيش مع والده.
في منتصف القرن الرابع عشر التحق ليوناردو بمدارس فلورنسا، حيث تلقى أفضل ما يمكن أن تقدمه هذه المدينة الرائعة من علوم وفنون.
حيث كانت فلورنسا آنذاك كانت المركز الرئيسي للعلوم والفن في إيطاليا.
وبدأ الفنان الشاب بإحراز مكانة اجتماعية عالية بشكل لافت، فقد كان وسيماً لبق الحديث ويستطيع العزف بمهارة إضافة إلى قدرة رائعة على الإقناع.
مشغل فروكيو
شكل التحاقه بمشغل فروكيو للفنون في العام 1466 نقطة تحول في حياته، فقد كان معلمه أندريا فروكيو فنان ذلك العصر في الرسم والنحت مما مكن ليوناردو من اكتشاف مواهبه وصقلها.
فكان هذا المشغل يعد من أهم المشاغل في فلورنسا فضلاً عن أنه كان مرتعاً حقيقياً للمواهب الجديدة.
عدا فنون الرسم والنحت بأنواعها، اهتم مشغل فروكيو بتعيلم الطلاب مفاهيم النجارة والميكانيكا والهندسة والعمارة.
لوحات غير مكتملة
عمله الأول كان رسماً جدارياً لكنيسة القصر القديم أو كما يُدعى بالإيطالية "بالالزو فيكيو"، لكن لم يتم إتمام هذا العمل.
ومن أوائل أعماله الهامة أيضاً كانت لوحة (The Adoration of the Magi) التي بدأ بها في العام 1481م وتركها دون إنهاء.
وأحد أضخم أعماله كان النصب التذكاري لـ فرانشيسكو سفورزا ضمن فناء (قلعة سفورزيكو) والذي بدأه في العام 1499.
لكن عائلة سفورزا كانت قد اقتيدت على يد القوى الفرنسية العسكرية وترك ليوناردو العمل دون إكمال حيث حطم بعد استخدامه كهدف من قبل رماة السهام الفرنسيين.
هناك الكثير أيضاً من الأعمال غير المكتملة لليوناردو دافنشي، ويعزو البعض ذلك إلى أن دافنشي في سعيه للكمال لم يكن راضياً عن أعماله لذا تخلى عن معظمها.
اتهامه بالشذوذ الجنسي
يشاع أنه في عام 1476 قُدم محضر مجهول إلى ضباط الليل والأديرة ضد أشخاص معينين من بينهم ليوناردو وذلك بتهمة الشذوذ الجنسي الذي مارسه مع يعقوب سالتاريللي البالغ من العمر سبعة عشر عاماً.
ويشاع أيضاً أنه تمت تبرئته من هذه التهمة لاحقاً.
وعلى الرغم من عدم وجود سبيل للتأكد من ميول دافنشي الجنسية، لكن أيضاً من المعروف أن ذلك الفنان الإيطالي لم يكن له علاقات عاطفية نسائية، حتى أنه لم يتزوج قط.
لوحة العشاء الأخير
كانت لوحة العشاء الأخير أحد أشهر أعمال ليوناردو دافنشي والتي أخذت منه جهداً جباراً، فقد استغرق إتمامها ثلاثة أعوام.
وهي عبارة عن لوحة زيتية جداريه في حجرة طعام دير القديسة ماريا ديليه غراتسيه في ميلانو.
أسلوب ليوناردو المبدع كان ظاهراً بشكل كبير في هذه اللوحة، حيث قام بتمثيل مشهد تقليدي بطريقة جديدة كلياً.
فبدلاً من إظهار الحواريين الإثني عشر كأشكال فردية، قام بجمعهم في مشهد ديناميكي متفاعل.
وصور السيد المسيح في المنتصف معزولاً وهادئاً، وضمن موقع السيد المسيح قام برسم مشهد طبيعي على مبعدة من السيد المسيح من خلال نوافذ ضخمة مشكلاً خلفية ذات بعد درامي.
للأسف فإن استخدام دافنشي للزيت على الجص الجاف أدى إلى سرعة دمار اللوحة، حيث بدأت اللوحة فعلاً بالتلف بحلول سنة 1500.
في عام 1726 جرت محاولات لإعادتها إلى وضعها الأصلي إلا أنها باءت بالفشل.
لكن في عام 1977 جرت محاولات جادة باستخدام آخر ما توصل إليه العلم آنذاك لإيقاف تدهور اللوحة وبنجاح تمت استعادة معظم تفاصيل اللوحة بالرغم من أن السطح الخارجي كان قد بلي وزال.
بشكل عام استلزمت هذه اللوحة الكثير من عمليات الترميم (22) عملية انتهت في العام 1999 لتعود إلى بعض من رونقها.
من هي الموناليزا؟
لعل اللوحة الأبرز التي ساهمت في شهرة دافنشي عبر العصور كانت لوحة الموناليزا بلا منازع.
يقال إن المرأة الظاهرة في اللوحة هي ليزا جيرارديني زوجة فرانشيسكو بارتولوميو ديل موناليزا.
بينما يعتقد البعض أنها مجرد مومس، فيما كانت والدة دافنشي واحدة من الاحتمالات أيضاً.
بينما الاحتمال الأكثر إثارة للجدل كان أن البطلة لم تكن فتاةً من الأصل وإنما المتدرب الذي كان عند دافنشي مرتدياً ملابس أنثى.
ذهب البعض إلى أكثر من ذلك ليقولوا إنها كانت دافنشي نفسه.
بحسب النقاد فلوحات البورتريه التقليدية تصور الشكل الخارجي فقط دون الروح.
أما السر الكامن في لوحة الموناليزا فهو أن الروح موجودة بالفعل ولكن لا يمكن الوصول إليها.
توجد اللوحة الأصلية الآن في متحف اللوفر محفوظة بزجاج مقاوم للرصاص.
شغف دافنشي بالطيران
اهتمامات ليوناردو دافنشي لم تنحصر في الفنون فحسب بل كرس جزءاً لا يستهان به من حياته في البحوث العلمية.
كان دافنشي يؤمن أن الإنسان قادر على الطيران -ويبدو أنه كان على صواب- فانصب على دراسة الأمر وتصميم نماذج آلات تمكن الإنسان من التحليق كالطيور التي كانت ملهماً له في تصميماته.
رسم دافنشي رسومات توضيحية لهيكل الطائرة المروحية في أواخر القرن الخامس عشر، وكان يطلق عليها Helical Air Screw، والجدير بالذكر أنّ الطائرات في هذه الأيام تتشابه إلى حدٍ كبيرٍ مع رسومات دا فنشي القديمة.
اختراعات سبق بها عصره
اخترع دافنشي جهاز قياس سرعة الرياح، حيث أضاف تعديلات عدة على جهاز الأنيموميتر الأمر الذي جعل قياس السرعة أسهل.
كما وضع العديد من التصميمات التي تعكس عبقريته ومخيلته الجامحة التي سبقت عصره.
فصمم مثلاً سيارة بمحركٍّ يمكّنها من الحركة لوحدها، وكان الأسبق في ذلك، حيث صممها قبل أن تخطر فكرة السيارة ذات المحرك على بال أحدٍ من قبله.
كما صمم الساعة المائية أو المنبه المائي من خلال تجميع الماء ثم تنقيطه في وعاءٍ آخر وعند امتلائه يقوم الماء بالتأثير على مجموعة رافعات وظيفتها رفع قدميّ النائم ليستيقظ.
أيضاً صمم دبابة مدرعة تحتوي على مجموعة من المدافع الخفيفة المرتبة على منصة دائرية الشكل تسمح بحركتها 360 درجة، وفي أعلى هذه المنصة غطاء كبير شبيه بقوقعة السلحفاة مضاف إليه ألواح معدنية لتحقيق حماية أفضل.
وضع كذلك مخططات متعددة لآلات حفر ضخمة، وآلات رفع الأوزان الثقيلة.
ذكرى دافنشي لا تزال حية إلى يومنا هذا
أطلقت إيطاليا على 2019، "عام دافينشي" وذلك لأنه يوافق مرور الذكرى الخمسمئة على وفاته.
وبمناسبة ذلك أقيمت الاحتفالات في المعارض الفنية والعروض المسرحية والأفلام السينمائية، في بعض المدن الإيطالية مثل روما وميلانو وفلورنسا، واحتفالات في بعض المدن الأوروبية مثل مدينة باريس.
وإلى اليوم لايزال أكثر من نصف مليون زائر سنوياً يأتون لزيارة متحف ليوناردو في مسقط رأسه.
كما حطمت إحدى مخطوطاته رقماً قياسياً لأغلى مخطوطة تباع في مزاد علني، إذ اشتراها بيل غيتس بمبلغ 30 مليون دولار.
المخطوطة مؤلفة من 75 صفحة ولا يمكن قراءتها إلّا بشكل عكسي عبر المرآة.