يعتقد الكثيرون أن الفنان الهولندي الشهير فان غوخ لم يكن محل تقدير خلال فترة حياته، فهو عبقري لاقى صنوف المعاناة، إِذْ باع لوحة وحيدة فقط قبل انتحاره.
ويعد فان غوخ بالنسبة للكثير من محبيه بمثابة فنان مثالي (ينتمي للمذهب المثالي في الفن الذي يهتم بإبراز أمثل الصفات وأكثرها صفاء التي تمثل جوهر الشيء المرسوم)، كما أنه الرجل الذي عاني من تجاهل عبقريته التي لم يتم الانتباه إليها إلا بعد انتحاره منهياً حياة مأساوية.
في الواقع، فإن هناك رؤية مختلفة لكل هذا، ترى أن فان غوخ تمكن من تحقيق شهرة في وقت مبكر عما كان يعتقد سابقاً، وذلك طبقاً لبحث جديد.
فقد عثر مؤلف البحث مارتن بايلي، على خطاب من شقيق فان غوخ، ثيو، والذي يُعتقد أنه سيساعد على نقض "الخرافة القائلة بأن فان غوخ لم يكن معروفاً" في حياته، حسبما تذكر مراسلة الفنون هانا فرنيس في تقرير لها بصحيفة The Telegraph البريطانية.
وينظم بايلي معرضاً كبيراً لعرض أعمال فان غوخ التي زارها الرئيس الفرنسي نفسه خلال حياته.
الرئيس الفرنسي مذهول.. فإذن كيف يمكن القول إن فان غوخ لم يلق التقدير الملائم؟
على عكس الشائع بأن فان غوخ لم يلق تقديراً لأعماله تحديداً، يشير الخطاب إلى أن أعمال هذا الفنان قد شاهدها الرئيس الفرنسي سادي كارنو عام 1890 والذي أعلن أنه "مذهول" من المعرض.
وكتب ثيو فان غوخ، (شقيق الفنان الشهير) الذي حضر العرض الخاص لمعرض Salon des Indépendants في باريس، إلى شقيقه فينسنت فان غوخ في 19 مارس/آذار عام 1890 قائلاً إن كارنو كان ضيف الشرف وأن 10 لوحات لفان غوخ كانت "موضوعة في أماكن جيدة" على جدران المعرض.
ومن المفهوم أنها كانت لوحات زاهية الألوان للمناظر الطبيعية في مدينة بروفانس، ومن بينها لوحة "أشجار السرو Cypresses"، المعروضة حالياً في متحف المتروبوليتان للفنون Metropolitan Museum of Art، في نيويورك، ولوحة "حقل القمح بعد العاصفة Wheatfield after a Storm"، المعروضة حالياً في متحف ني كارلسبرغ غليبتوتك، في كوبنهاغن.
وهناك سبب آخر يدفعنا للاعتقاد بأن الرئيس انتبه لأعماله
وقام المؤلف بمقارنة الخطاب مع تقرير عن المعرض ككل نُشِر في صحيفة Le Petit Parisien في 21 مارس/آذار عام 1890، والذي قال إن كارنو (الذي حكم من 1887 حتى اغتياله 1894)، كان مذهولاً من "التناغم المحير" لبعض اللوحات في معرض Indépendants وشعر بعد انتهاء زيارته "بالذهول".
كان بصحبة الرئيس الرسام بول سينياك، وهو أحد أصدقاء شقيق فان غوخ الذي أصبح فيما بعد من أشد المعجبين بفينسنت.
وعثر بايلي على تقارير صحفية معاصرة تقول إن كارنو قضى أكثر من ساعة في المعرض، برفقة سينياك.
ووفقاً لثيو، كانت لوحات فان غوخ العشر "موضوعة في أماكن جيدة" في معرض باريس.
في غضون ذلك كان فان غوخ نزيلاً بالمصحة بعد أن ألحق الأذى بنفسه عبر فعلته الشهيرة
في ذلك الوقت، كان فان غوخ نزيلاً في مصحة سانت بول دو ماسول العقلية في جنوب فرنسا بعد أن شوه أذنه.
وأصبح التساؤل بشأن لماذا قطع فان غوع أذنه أكثر الأسئلة شهرة المرتبطة بهذا الفنان؟
وكان بول سينياك قد زار فينسنت في مستشفى آرل في العام السابق للمعرض، مما يشير إلى أنه على اتصال به قبل أن يرافق الرئيس الفرنسي في الزيارة.
ومات فان غوخ في يوليو/تموز عام 1890.
باع لوحة واحدة.. كيف نشأت الأساطير حول حياة فان غوخ؟
"خلال القرن العشرين، ومع ازدياد شهرة فان غوخ باطراد، نشأت الأساطير التي تتمحور حول قصة حياته"، حسبما قال بايلي.
وكَتَبَ بايلي العديد من الكُتُب عن فان غوخ ويشارك في تنظيم معرض Tate Britain لأعمال الفنان في العام القادم 2019.
ويضيف قائلاً "كثيراً ما يُقال إنه لم يكن معروفاً أثناء حياته، بسبب حقيقة أنه نجح في بيع لوحة واحدة.
ربما قد فشل في بيع لوحاته حقاً، لكنني أعتقد أنه كان قد بدأ في اكتساب الشهرة، على الأقل في الدوائر الطليعية في باريس –التي كانت حينها عاصمة الفن في العالم".
كيف كان سيكون مصيره لو لم ينهي حياته مبكراً؟
"لطالما شككت في خرافة أن فان غوخ لم يكن معروفاً"، هكذا تقول كاتبة التقرير.
وتضيف قائلة "فكما يشير معرض Salon des Indepéndants وزيارة الرئيس الفرنسي فإنه كان قد بدأ في الظفر ببعض القبول"،
وتضيف: "تظهر الأبحاث الجديدة لكتابي الجديد "ليلة النجوم Starry Night" أن رئيس فرنسا سادي كارنو قد شاهد على الأغلب لوحات فان غوخ خلال حياته".
"بمجرد أن ينظر المرء إلى فان غوخ كفنان بدأ في نيل التقدير والشهرة، فمن السهل أن نفهم لماذا كان لأعماله هذا التأثير الكبير على الفنانين الذين جاؤوا بعده في تسعينيات القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين؛ وأن نقدر لماذا لعب هذا الدور الرئيس في تطوير الفن الحديث".
"لو لم تنته حياته نهاية مأساوية، في سن الـ 37 عام 1890، لكان قد استمر في التطور – ولبدأ الناس سريعاً في اعتباره عبقرياً".
"نحن بحاجة إلى الابتعاد عن الخرافات والأساطير التي تحيط بفان غوخ، بالإضافة إلى محاولة إعادة النظر في أعماله"، حسب كاتبة المقال.
ويروي كتابها Starry Night: Van Gogh at the Asylum قصة هذا الفنان خلال العام الذي قضاه في مصحة سانت بول دو ماسول، وسيجري نشره يوم الإثنين.