أبطال الحرب الحيوانات ، يتم تكريمهم أخيراً وينالوا أوسمة رفيعة.
على ميدالية برونزية ثقيلة تجد عبارة: "من أجل البسالة" مُزخرفة بين نقش كلاسيكي لأكاليل الغار، وأدناها، بخطٍ أصغر مُستقيم، يمكنك أن تقرأ عبارة: "نحن أيضاً نحارب".
هكذا تبدو ميدالية ديكين، التي تُعد شرفاً نادراً يُمنح لمن يُبدون شجاعة وتضحية استثنائية، وفوق كل شيء يُبدون ولاءً في أوقات الحرب العصيبة.
ونخص "الولاء" بالذكر؛ لأن الحيوانات هي من تحصل على ذلك التكريم.
فخلال أكثر نزاعات القرن العشرين وحشية، أبدى كلابٌ، وحمامٌ، وخيولٌ، وأحد أشهر القطط الشهيرة أيضاً أداءً بطولياً، جعل السلطات العسكرية والمجموعات الإنسانية تكرّم مآثرها.
مؤخراً، وبحسب صحيفة New York Post الأميركية، صدر كتاب "حيوانات الحرب" بقلم روبن هوتون، عن دار نشر ريغنري، ليسلّط الضوء على الحائزين ميدالية ديكين، التي خصصتها جمعية خيرية بريطانية للحيوانات في عام 1943، وأغلب مُتسلِّميها، البالغ عددهم 70 حيواناً، قد خدموا خلال الحرب العالمية الثانية، في كل ساحة من ساحات القتال العالمي، منها الموجودة في المقطع التالي:
شيبس الكلب المقاتل
أحد من نالوا هذا التكريم الرفيع هو "شيبس"، الكلب المهجن من سلالات الكولي، والراعي الألماني، والهاسكي. وكان شيبس من الكلاب المنزلية الأليفة في مقاطعة ويستتشستر بولاية نيويورك الأميركية، حين هاجم اليابانيون ميناء بيرل هاربر في ديسمبر/كانون الأول عام 1941.
وحينها خاض الأميركيون في إعدادات الحرب بالحماسة التي جعلت 40.000 أسرة تتبرّع بكلابها الخاصة لوزارة الدفاع، وكان شيبس من بين هؤلاء.
ونال هذا الكلب المُهجّن ذو البنية العضلية القوية تدريبات تؤهّله للقيام بواجبات الحراسة، وشهد 9 أشهر من الخدمة في شمال إفريقيا، قبل أن تنضمّ وحدته العسكرية بالجيش الأميركي إلى غزو الحلفاء لجزيرة صقلّية.
وفي حين كانت القوّات تقصف الشاطئ، مُنِع تقدّمها بفعل نيران مدفعٍ رشّاش، وأخذَ الجنود ساتراً، وحينها تولّى شيبس زمام الأمور. فأخذ فوّهة المدفع الرشّاش بين فكّيه وانتزعها ثم انقض على الجنود الأربعة الذين كانوا يُصوّبون النيران نحو فرقته، وغرس أسنانه بحنجرة أحدهم، وأثار الرعب في قلوب الثلاثة الآخرين، ما أرغمهم على الاستسلام.
ومنح قادة الفرقة العسكرية الكلب شيبس وسام "النجمة الفضية"؛ من أجل بسالته في القتال. وكان أوّل وآخر من نال هذا التكريم من غير البشر. إلا أن شكاوى مجموعات المحاربين القدامى أرغمت الجيش على سحب ميدالية الكلب.
وربما لو علم شيبس بشأن سحب التكريم منه لما سمح بذلك مطلقاً، حيث خدم في الجيش بإخلاص طوال مدّة الحرب، ثم عاد إلى منزل عائلته في الضواحي.
جودي كلبة الصيد الأسيرة
كانت جودي كلبة صيد إنكليزية، وكانت بمثابة تميمة الحظ لسفينة تابعة للقوّات البحرية الملكية البريطانية التي تولّت حراسة سنغافورة عندما استولت القوّات اليابانية عليها في عام 1942. وقد وقعت جودي في الأَسر ومعها 15 من طاقم السفينة، ليبدأوا ملحمة امتدّت 3 سنوات في أفظع معتقلات الأسرى بجنوب شرقي آسيا.
فرانك ويليامز، ضابط سلاح الجو الملكي الأسير، أقنع قائد مُعسكره بأن تُعلَن جودي كأسيرة حرب رسمية، حتى تنال الحماية بموجب القوانين الدولية للسلوك العسكري. وكانت هي الحيوان الوحيد الذي أُطلِقت عليه هذه الصفة في التاريخ.
وكان لها دورٌ كبيرٌ في الحرب، فقد منحت براعة جودي وروحها رفاقها البشر الإرادة للنجاة من الضرب والتجويع والعمل مدّة 16 ساعة يومياً في بناء سكة حديدية في حرارة الأدغال.
وكانت أفضل لحظاتها، عندما أصاب طوربيد سفينةً كانت تنقلهم إلى معسكرٍ جديد، وأنقذت جودي مئات السجناء، حيث سبحت بهم -واحداً تلو الآخر- إلى بر الأمان.
قال ويليامز: "أنا أشكر الله على جودي في كل يوم".
وعاد ويليامز إلى إنكلترا، وكذلك جودي، وعندما تم تحرير معسكرهم في عام 1945، أصبحت الكلبة هي الوحيدة التي انضمت إلى جمعية أسرى الحرب البريطانيين العائدين.
وقد حصلت الكلاب -التي تخدم وحدات عسكرية في مهام الكشّافة والحراسة حتى يومنا هذا- على 32 من ميداليات ديكين في تاريخها البالغ 75 عاماً.
ومُنِح الوسام مرّة واحدة لقطِّ البحرية الملكية، سيمون، الذي أنقذ الإمدادات الغذائية المتضائلة لفريقه، عن طريق إبادة الفئران التي اجتاحت سفينته حين وقعت بأَسر القوات الصينية الشيوعية، في عام 1949.
بطولات الحمام الزاجل
أما النوع الذي نال ميداليات ديكين أكثر من أي حيوانات أخرى، فكان الحمام الزاجل، الذي أصبح الآن من بقايا تراث التاريخ العسكري.
خلال الحرب العالمية الثانية، كانت تُنقل عادةً صناديق الحمام الزاجل بصحبة القوّات، حيث كانت بمثابة قنوات اتصال احتياطية.
ونشر فيلق الإشارة الأميركي أكثر من 36000 من الحمام الزاجل في أنحاء البلاد، ونال أحد طيورها من فصيلة المدقق الأزرق الاسم الشرفي "جي جو"، ليصبح الطائر الأشهر في الحرب.
ففي عام 1943، كانت الحمامة جو ووحدتها من الجيش الأميركي يقاتلون إلى جانب قوّات المشاة البريطانية في إيطاليا، للسيطرة على قرية في قبضة القوّات الألمانية. وطالب القائد البريطاني بشنّ غارة جوّية، ولكن قبل وصول القاذفات، تقهقر الألمان وتقدّمت قوّات الحلفاء.
وبدا ذلك انتصاراً، إلى أن فشلت محاولات اللاسلكي في إيقاف طائرات الحلفاء من قصف المواقع التي تقدمت قوات الحلفاء فيها، وكان هناك 20 دقيقة فقط قبل أن يبدأ القصف، وحينها ربطت القوّات الأميركية مذكّرة يائسة في ساق جو، وأرسلتها إلى مركز العمليات على بُعد 20 ميلاً.
وتقدّم الطائر المحارب بسرعة 20 ميلاً في الدقيقة الواحدة، وألقى برسالته بينما كانت الطائرات على وشك بدء القصف، ما أنقذ حياة أكثر من 1000 جندي من الحلفاء.
وبعد الحرب، كُرِّمت جو، كأوّل فائزة أميركية بميدالية ديكلين، في احتفال برج لندن. وأُحيل الطائر إلى حديقة حيوان ديترويت في عام 1957 كبطل، وتوفي هناك في عام 1961 بسنٍّ متقدمة، حيث بلغ من العمر 18 عاماً.