أثارت قضية المقاتلة الكردية غضباً عارماً في وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ ظهرت جثة المقاتلة مرميّة وسط جمع من المقاتلين، وجرى تعرية الجزء العلوي من جسدها، بعد أن جرى التمثيل بالجثة، وتقطيع أجزاء من جسدها، الأمر الذي أشعل استياء الأهالي في منطقة عفرين، في ردة فعل على ما ارتكب بحق المقاتلة في صفوف الوحدات الكردية.
وبررت فصائل درع الفرات وبعض فصائل الجيش الحر في ريف حلب الشمالي مشاركتها في عملية غصن الزيتون، بأنها انتقام لعملية تجوال الوحدات الكردية في مدينة عفرين عند نهاية أبريل/نيسان من عام 2016 بجثث عشرات المقاتلين ممن قضوا في هجوم على مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في ريف حلب الشمالي، على الرغم من عدم تمثيل القوات الكردية حينها بالجثث، فإنها عمدت إلى التجوّل داخل مدينة عفرين بجثثهم على متن حاملة آليات ثقيلة "لودر"، الأمر الذي أثار استياء (واستنكار) منظمات حقوق الإنسان والسياسيين والمثقفين الكُرد والعرب لهذا التصرف المشين.
تأتي عملية غصن الزيتون بعد خساراتٍ متتاليةٍ تعرضت لها المناطق المحرّرة، وكانت تلك الخسارات، بعد الدعم الروسي والإيراني للنظام، ودور روسيا من خلال مناطق خفض التصعيد في تحييد الثوار عن جبهات مواجهة النظام، وتصعيدها ضد المدنيين، وسعيها إلى فرض شروط الاستسلام على المناطق الثائرة، بالتوازي مع محاولاتها منذ مسار أستانة، وما تسعى إليه أخيراً من خلال مؤتمر سوتشي، لفرض حل سياسي يُعيد تأهيل النظام وإعادته إلى كرسي الحكم.
ونظراً لدور تركيا وأهميتها على صعيد الواقع الثوري في الشمال السوري، وفيما يتعلق باللاجئين السوريين في أراضيها، وعوامل تاريخية بين الشعبين، للحفاظ على تركيا صديقاً للثورة. وأبعد من ذلك، تلاقي الهواجس التركية مع هواجس قوى الثورة السورية على ضرورة التخلّص من مستقبل القضية الكُردية في سوريا.
وبالتالي، لا يكفي النظر إلى الأهداف التركية من وراء العملية بمعزل عن دوافع فصائل درع الفرات، وبعض فصائل الجيش الحر المشاركة فيها، وفضلاً عن التأثير التركي المعروف على هذه الفصائل، فإن لدى أغلب قيادات هذه الفصائل وعناصرها دوافع شخصية ومصالح إقليمية، تقف خلف مشاركتها، من أبرزها صراعات الفصائل مع القوات الكُردية ودور قوات سوريا الديمقراطية، بالتنسيق مع قوات النظام قبل معركة سقوط حلب وخلالها، وفي مناطق متعددة من الريف الشمالي والشرقي، وتنسيقها كذلك مع الروس، ومسؤوليتها عن تهجير مئات آلاف المدنيين من مدن الريف الشمالي وقراه.
في وسعنا أن نتصور الآمال التي يُعلّقها مئات الآلاف من النازحين الذين شُردوا من بيوتهم بسبب سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على مدنهم وقراهم في الريف الشمالي منذ ثلاث سنوات، وهم يترقبون هزيمة "قسد" التي ستفتح الطريق أمام عودتهم إلى بيوتهم بعد رحلة طويلة من العذاب، قضوها في مخيمات بائسة، لا تتوافر فيها أبسط مقومات الحياة.
من جانب آخر، لا تحجب أهداف معركة غصن الزيتون ومخاوف البيئات الحاضنة للثورة أن يكون ثمن عملية غصن الزيتون إفساح الطريق أمام النظام؛ لاستعادة سيطرته على مدينة إدلب وريفها، وهناك من يرى في المعارك في ريف إدلب الجنوبي، وسقوط مطار أبو الضهور والقرى المحيطة به بيد قوات النظام، ما ينبئ عن مشروعية تلك المخاوف، وإن كان هناك استياء من سيطرة هيئة تحرير الشام على إدلب وريفها، ولكن على ألا يكون البديل هو النظام والميليشيات.
يعلم الروس أن الدور التركي ضروري فيما يخص الأمور المتعلقة بمدينة إدلب وريفها، وأن الأتراك لا يتحملون أي تصعيد عسكري على المدينة؛ لأنه سيؤدي، في حال حدوثه، إلى تهجير ما يقارب ثلاثة ملايين مدني باتجاه الحدود التركية.
ولذلك من المحتمل سعي الطرفين الروسي والتركي إلى طرح تسوية، خاصة بهذه المنطقة، ستكون ذات صلة وثيقة بالحل السياسي المطروح، وربما متوقّفة على مدى التقدُّم في المسار السياسي في المرحلة المقبلة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر ش تحرير الموقع.