عُرف الداعية السعودي سلمان العودة بدعوته المستمرة إلى الوسطية والاعتدال، لكن ذلك لم يمنع من تعرُّضه لمضايقات مستمرة من قبل السلطات في السعودية.
كان من بين تلك المضايقات منع كتابه "أسئلة الثورة"، الذي صدر في العام 2012 عن مركز نماء للبحوث والدراسات من التداول في معرض الرياض للكتاب، بما يعطي انطباعاً لدى المتابع الذي لم يطّلع على الكتاب بأن الكتاب يتضمن تمجيداً لفكرة الثورة والدعوة إليها، إلا أن مطالعة الكتاب تكشف لنا زيف هذا الانطباع.
يبدأ العودة كتابه بكلمة يؤكد فيها أنه "لا يوجد ما يدعو إلى تشجيع الثورة بذاتها، فهي محفوفة بالمخاطر"، لكنه يرى في المقابل أن أفضل طريقة لمكافحة الثورة هي "الإصلاح الجاد".
ليس هذا فحسب، بل إن العودة يشير إلى أنه لا يتحدث عن أي واقع محلي أو "وضع خاص في هذا البلد أو ذاك"، وكأنه يود التأكيد على أن دعوته إلى الإصلاح لا تمس حكومة بعينها يراها تجافي طريق الإصلاح.
كان هدف العودة من كتابه، بحسب مقدمته هو "تجديد مفهوم متوازن للطاعة وللثورة معاً"، بحيث "لا ننساق لفقه تسويغي… يتحدث عن نمط معين من الحكم وكأنه الصبغة المثالية التي يجب الانصياع إليها". نحتاج لذلك بحسب العودة "لكي نصل إلى رؤية ناضجة في قضايا السياسة الشرعية والعلاقة بين الحاكم والمحكوم… إلى قدر من الهدوء النفسي والفكري".
هذا الهدوء النفسي والفكري، ومحاولة التوازن، أو انتهاج منهج وسطي، هو السمة الغالبة على معالجات العودة لأسئلة الثورة كلها.
مشروعية الثورة
يتحدث العودة لذلك في الفصل الأول من كتابه عن أن "الخيار الأفضل للمجتمع أن يمارس عملية التغيير، ويواكب الاحتياجات المتجددة باستمرار"، وهكذا يخلص العودة إلى أن "الحكومات الواعية… إذا رأت بوادر الاحتقان والسخونة الاجتماعية تسعى جدياً إلى الحلول، وليس إلى المسكنات عبر إصلاح داخلي صادق". ويمكننا أن نلمس من هنا وإلى نهاية الكتاب، أن "الإصلاح" هو دعوة العودة الأساسية، فالعودة يرفض الاستبداد والثورة كليهما، ويرى في الإصلاح البديل الأفضل منهما.
في المقابل، لا ينتمي العودة إلى تيار رجال الدين الذين يؤمنون بشرعية المتغلب، فهي في نظره "حكم واقعي متصل بظروف العصر… وليس حكماً شرعياً مطلقاً". ويعود العودة في الفصل الثالث لينتقد إطلاق طاعة ولي الأمر رغم ظلمه.
بل إن العودة لا يكتفي برفض شرعية المتغلب، وينتقل إلى موقف ديمقراطي صريح، حيث يرى أن "الحق في الحكم هو للأمة… وليست الوكالة نسخاً للحق الأصلي، ولا عقداً مؤبداً لا يعترضه فسخ".
لكن رفض العودة للظلم لا يبعده عن موقفه الإصلاحي الوسطي غير الثوري، والرافض تماماً للعنف، فهو يرى أن "اللجوء إلى العنف مبدأ خطير يفتح الباب واسعاً للحروب الأهلية، عكس الحراك السلمي المدروس الذي يؤدي غالباً دوراً إيجابياً".
الإسلاميون وتطبيق الشريعة
قد تعلن دولة عن تطبيق الشريعة باستغلال قداسة الاسم واستجلاب رضا شعبها، بينما قد تصبح الدولة إسلامية، دون أن تعلن عن نفسها أنها كذلك، بتحقيق المقاصد العليا للشريعة، هكذا يرى العودة في كتابه.
ومن هنا يرفض العودة اعتبار أن إسلامية الدولة تتعارض مع مدنيتها.
ينطلق العودة من ذلك إلى مسألة علاقة الإسلاميين مع الآخر، فهو يؤكد أولاً أن الإسلاميين "لا يمثلون الإسلام، بل يمثلون المشروع الذي يقدمونه، والذي يعتمد على الإسلام كمرجعية"، لذا فإذا كان "من حق الإسلاميين أن يستعيدوا وجودهم المسلوب وحريتهم"، فإن هذا لا يعني "أن يتحركوا وكأنهم القوة الوحيدة في الميدان… فلن يقوم بمشروع الأمة فصيل واحد من فصائلها، بل مجموع أفراد الأمة بإسلامييها وغير إسلامييها".
إن هذه المعالجات الدقيقة من العودة، تؤكد إلى أي مدى كان إيمانه بالاختلاف والتنوع صادقاً، كما تكشف بُعد نظره، حيث أدرك مبكراً نوع الإشكاليات التي سيُجابهها الإسلاميون مع خصومهم. إن ذلك لا يقتصر على شركاء الثورة، بل يمتد ليشمل العلاقة مع رموز الأنظمة السابقة الذين يحذر العودة من الانتقام منهم وظلمهم.
يختتم العودة كتابه بالتحذير من سرقة الثورة، سواء من قبل نوع جديد من الاستبداد باسمها، أو من قبل تدخل خارجي يقدم نفسه كشريك للثورة. ويخلص في كلمته الأخيرة إلى التأكيد على أن الثورة وحدها لا تخلق مدينة فاضلة، بل يجب أن تكون مقدمة للتنمية والنهضة، ويعيد التذكير بمسؤولية الإسلاميين تجاه حماية الثورة وتجاه قبول الاختلاف والتنوع.
الهدوء وقبول الآخر ونبذ العنف والظلم والتطرف والدعوة إلى الإصلاح السلمي والتنمية، كانت هذه سمات وقيم الكاتب وكتابه، التي تجعل من منعه من قبل السلطات السعودية، ثم سجن صاحبه، أمراً يثير الدهشة.